أقلام

توشيح بيرنارد سيزون خطوة موفقة تستحق الإشادة/علي المختار اكريكد

 

تم استقبال عالم الآثار الفرنسي بيرنارد سيزون في القصر الرئاسي من طرف فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وتم توشيحه بوسام ضابط في نظام الاستحقاق الوطني، تقديرا له على بحوثه وأعماله الجليلة في خدمة التراث والتاريخ الموريتاني من خلال مسيرة بحثية حافلة بالعطاء في مجال الحفريات مكنت –من بين أمور أخرى- من التعريف بالمواقع الأثرية في كومبي صالح (الصحبي)، و آوداغوست ، وآزوكي قلعة المرابطين، ومكان ضريح القاضي والعالم الجليل النابه، الإمام أبو بكر المرادي الحضرمي (ت 489هـ/1096م)، صاحب كتاب : “الإشارة إلى أدب الإمارة”.
هذه الخطوة الهامة ترد لهذا العالم مكانته التي ينبغي لنا كموريتانيين أن نحتفظ له بها في قلوبنا، وتشعره بقيمة نفسه و ما يمتلك من معلومات أفادتنا وأفادت العالم وأغنت التراث العالمي باكتشافات ذات قيمة حضارية لا بستهان بها.
وهي – في الجانب الآخر- خطوة تصحح ما حدث من أخطاء خلال استدعائه واستقباله و إقامته وعدم تمكنه من المشاركة في مهرجان مدائن التراث المقام في شنقيط خلال الفترة ما بين: 13-17 دجمبر الجاري.
وعلى ذكر المهرجان في “نسخته الأخيرة” التي أثارت لغطا وجملة من الملاحظات، وأسالت قدرا من الحبر على وسائل التواصل خلال الساعات الأخيرة، لا بد لي من العودة قليلا إلى الوراء لتوضيح نقاط لم أشأ –لأسباب لا تعني “الأخبار”-توضيحها في تدوينتي السابقة التي نقلت -في التعليق عليها- خبر محنة هذا العالم كما أوردها الحسن لبات Hacen Lebatt .
1. الباحث محمد الأمين ولد ابده، باحث موريتاني معاصر مهتم بالمخطوطات و الأنساب، لم يترك أي مكان من مظان البحث عن المخطوطات الموريتانية القديمة في موريتانيا ودول الجوار إلا ووطئه بقدميه لينهل منه ويدون وينشر، هذا الباحث لم يكن للأسف من الضيوف “الكبار” للمهرجان في “نسخته الأخيرة”…
2. وصلت المدينة قبل المهرجان 50 نسخة من ديوان ابن شنقيط العالم الشاعر الراحل غفر الله له، أحمد ولد عبد العزيز ولد حامني. لم يسمح بدخول معرض الكتاب منها سوى 5 نسخ بعد كثير من بذل ماء الوجوه…
3. أحد الشعراء (لا يحضرني اسمه) ختم مشاركته بأبيات فصيحة قال فيها:
لغزوان من شعر الأكارم ما يروى
وطبع يرى التطبيع في خانة البلوى
تلقف من أنصار أحمد نصرة
وحصنا من التطبيع لا يقبل العدوى
فلا تسمعن القول فيه فعنده
“بقية أخلاق وشيء من التقوى”
فكثير من المتابعين –كل حسب جهازه القرائي- فهم التضمين الوارد في عجز البيت الأخير على نحو لا يؤكد المدح، وإن لم يكن ذلك هو مقصود الشاعر الذي يفترض “موته” حسب رولان بارت في كتابه “لذة النص”، ولا ينبغي لشعر موجه للثناء على فخامة الرئيس أن يكون حمال أوجه. ولعلنا نلتمس لصاحب النص أحسن المخارج فنقارنه بالبدوي المقرور الذي كان يصطلي على نار ملتهبة في عز الشتاء فلما شعر بدفئها يتسلل إلى أطرافه نطق دعاءه المشهور : (ياربي لا احرمت منها الوالدة).
4. معرض التمور، و”الوسادة” التي ترمز في المخزون الشعبي إلى الترف والخمول والفتور وحب الراحة، لم يكونا من أهم المعارض والأجنحة التي يجب أن تتم برمجة مرور موكب فخامة الرئيس بها، وإن مر بها صدفة، فما كان ينبغي الإسهاب في التفصيل والعرض واللمس والشرح..بل الأولى والأحق والأجدر –بدل التركيز على (ما يؤكل، وما يتوسد)-أن نقدم لفخامة الرئيس كتابا أو مخطوطا أو خريطة تبين مسارات القوافل المنطلقة من وإلى مدينة شنقيط و تبين مسالكها ودروبها في طريق الحج، أو نعرج به ليمتشق سيفا قديما أو بندقية (خماسية أورباعية)، أو كتابا من مؤلفات علماء أرض “المنارة والرباط” الذين طار صيتهم و عمت شهرتهم الآفاق…
5. في السهرة الأولى تمت برمجة مشاركة فرقتين من دولتين أجنبيتين، ثم قدمت إحداهما و أجلت الأخرى، وكان في ذلك (ما فيه) نظرا لحساسية الموقف، ولما أراد “المنعش” في السهرة الثانية تقديم الاعتذار لفرقة الدولة المؤجلة وقع في الفخ فذكرها بالتأجيل الذي حدث البارحة على طريقة (من أراد تطبيب أعمى ففقأ عينه)…
6. صفوف مقاعد الرسميين جلس عليها كثير من (الجمهور المميز)، بينما جلس كثير من (الرسميين وكبار الضيوف)-ولست منهم- على الحصير مع (الجمهور العام)…وخارج المنصة في السهرة الأولى تم التعامل بعجرفة بادية وتجاهل مستغرب مع شخصيات وطنية معروفة من الوزن الثقيل كسعادة السفير والوزير السابق ابن المدينة البار، بلاه ولد مگيه، كما شوهد أشخاص آخرون من الدرجة نفسها يغادرون مكان الحفل ويركبون سياراتهم قافلين إلى مقار إقاماتهم مكتفين من الغنيمة بالإياب، وليتابعوا السهرة عبر الشاشة الصغيرة!!
7. خصص أحسن المتوفر من الإقامات لضيوف محليين (ولا يكرم المرء في بيته)، بينما كان الأنسب إيثار الضيوف الأجانب مهما علت رتبهم أو انخفضت بالإقامات المميزة!!
8. ليست الملاحظات السابقة، ولا الملاحظات من 1 إلى 7 في هذه التدوينة موجهة بالدرجة الأولى إلى معالي وزير الثقافة الدكتور الحسين ولد مدو الذي لا يشكك أحد في كفاءته وخبرته وفصاحته و نظافة يده، بقدر ما هي موجهة بالأساس إلى لجان التنظيم و التحضير، رغم قول الحكماء السائد: “كلما كان هناك خطأ في التنظيم فالتمسوه في القيادة”..فكلمة معالي الوزير الباذخة أمام فخامة الرئيس وضيوف المهرجان كانت بحد ذاتها مهرجانا من يواقيت اللغة، و تحفة نادرة لم يسبق لوزير قبله أن أتى بنظيرها، ولا أظنه يأتي بعده.
9. العنوان الذي اختاره موقع وكالة “الأخبار” لتدوينتي السابقة عنوان مسموم وبعيد من البراءة ويفتقر إلى المهنية والحصافة، بل هو أقرب إلى التحريض و التأليب منه إلى الموضوعية في النقل والسبق، وتلك شنشنة أعرفها من أم أخرم. فليست تلك عادتهم الأولى معي وربما لن تكون الأخيرة، ذلك دأبهم وديدنهم مع كل من يخالفهم في التوجه والرأي. وإني لست بغاض الطرف عنهم، بل آتيهم إن شاء الله.
10.قد يفهم (بعضهم) هذه التدوينة على غير السليقة فينحو بها تصنيفا في خانة الخوف الموجب للاعتذار، ولهؤلاء أقول إنني لست من قوم يألف الخوف مضاربهم، و لا ينزل الحقد والحسد ديارهم، ولست من المتزلفين ولا من المتملقين، لا أخشى في الله لومة لائم، بل أغار على سمعة وطني ومدينتي..أوجه فأخلص التوجيه وأنصح فأصدق النصح، وعلى الله الاعتماد والاتكال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى