وترجل فارس من فرسان السنة/سيد محمد إكس ولد اگرگ

الشيخ أبو إسحاق الحويني في ذمة الله
لقد أكرم الله تعالى هذه الأمة المحمدية ، بخصائص كثيرة ومزايا وفيرة ، منها ما يتعلق بذات الشريعة المطهرة ، وألوان العبادات والمعاملات والطاعات والمثوبات، يسراً وسهولةً ومضاعفة أجر، ومنها ما يتعلق بخدمة الشريعة ونقلها وتبليغها وتدوينها وضبطها وحفظها، ومن أهم تلك الخصائص خصيصةُ (الإسناد) في تبليغ الشريعة المطهرة وعلومها من السلف إلى الخلف ، فقد كان الإسناد الشرط الأول في كل علم منقول فيها ، حتى في الكلمة الواحدة، يتلقاها الخالف عن السالف ، واللاحق عن السابق بالإسناد.
و(الإسناد) خصيصةٌ فاضلة من خصائص هذه الأمة ، لم يُؤْتها أحدٌ من الأمم قبلها. وهو من الدين بموقع عظيم ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، ولكن إذا قيل له: من حدَّثك ؟ بقي ساكتا منقطعا مفحما.
وقال عبد الله بن المبارك: مَثَلُ الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد ، كَمَثَلِ الذي يرتقي السطح بلا سلَّم ، وقال أيضاً: بيننا وبين القوم القوائم ، يعني بالقوائم: الإسناد ، وبالقوم: أهل البدع ومن شاكلهم.
ومن قواعد آداب البحث والمناظرة قاعدة: (إن كنت ناقلا فالصِّحة ، او مدعياً فالدَّليل) ولا يصح النقل ويثبت إلا بالإسناد الصحيح إلى المنقول عنه.
وقال الحافظ الجوَّال الرَّحال أبو سعد السمعاني رحمه الله تعالى ، في كتابه (أدب الإملاء والاستملاء): و”ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد لها من النقل ، ولا تعرف صحَّتها إلا بالإسناد الصحيح ، والصحة في الإسناد لا تعرف إلا برواية الثقة عن الثقة ، والعدل عن العدل”.
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى : ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد.
وقال الحافظ يزيد بن زريع رحمه الله تعالى: لكل دين فرسان ، وفرسان
هذا الدين اصحاب الأسانيد.
واليوم ترجل فارس من فرسان هذا الدين ورجل من رجال الأسانيد في هذا العصر خاتمة الشيوخ المحدثين الشيخ الحافظ المحدث أبو إسحاق الحويني
اسمه حجازي بن محمد بن يوسف بن شريف؛ واشتهر بكنيته أبي إسحاقَ الحُوَيني، ولد يوم 10 يونيو 1956، في قرية (حُوَين) بمحافظة كفر الشيخ بمصر.
تَكنَّى في مطلع طلبه للعلم (بأبي الفضل) لتعلقه بالحافظ ابن حجر، ثم ارتبط بكتب أبي إسحاق الشاطبي، فحُبِّبَت إليه كنيتُه، وتعلق بها لما علم أنها للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-؛ فعُرف واشتُهِر بعد ذلك بين الناس بأبي إسحاق الحويني، كما عُرِف أيضا بالأثري إذ كان يكتبها على أغلفة مؤلفاته الأولى.
تأثر بمحاضرات الشَّيخ عبد الحميد كشك. التحق بجامعة عين شمس في كلية الألسن قسم اللغة الإسبانية. وكانت دراسته لكتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بداية تحوله نحو علم الحديث، وكانت له رحلتان شهيراته نحوه، وذكر أنه أخذ للشيخ الألباني ما يقرب من مئتي سؤال في العلل فقط.
ويعد الحويني رجلا من رجال العلم والحفظ والرواية والدراية، أثنى عليه شيخه الإمام الألباني حيث قال له: «صَحَّ لك ما لم يصحَّ لغيرك»، وأثنى عليه في مواضعَ متفرقةٍ من كتبه ووصفه بصديقنا الفاضل وأثنى على كتابه «غوث المكدود» فقال في «السلسلة الصحيحة» (5/586): ونبَّهَ على ذلك صديقنا الفاضل أبو إسحاق الحويني في كتابه القيِّم: «غوث المكدود في تخريج منتقى ابن الجارود».
قد يختلف معه البعض فيما يرونه تشددا أو تضييق واسع، وقد ينتقد البعض بعض أقواله وآرائه، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ﷺ. كما روي عن الإمام مالك رضي الله عنه، لكن تبقي للرجل جهوده الملموسة في خدمة الدين و السنة المطهرة.
وعملا بقاعدة العلامة السيد رشيد رضا: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.
وكلنا حفظ شيئا وغابت عنه أشياء.
وقديماً وصف أهل الحديث أنفسهم بالصيادلة، وأهل الفقه بالأطباء، اعترافاً منهم بعجزهم أمام الفقهاء.
ذات درس استطرد الإمام الأكبر بداه ولد البصيري برّد الله مضجعه أن المحدثين حضروا جنازة امرأة فسألتهم امرأة حائض هل يمكن أن تغسل تلك المراة؟
فأطرقوا رؤوسهم، ثم سألوا فقيها فقال لهم نعم .. قالوا له من أين لك هذه الفتوى؟
فقال: من الحديث الذي حدثني به فلان.
وقد قال الأعمش لأبي حنيفة:
أنتم معشر الفقهاء الأطباء ونحن الصيادلة.
رحم الله الشيخ الجويني وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين.
كامل الأسى