أقلام

التقرير الاستقصائي الشامل لقطاع الصيد البحري في موريتانيا/عبد الله ولد بونا

 

مدخل عام

 

يشكّل قطاع الصيد البحري مورداً اقتصادياً محورياً لموريتانيا، بفضل شواطئها الغنية والموارد الطبيعية المتنوعة.

 

وتصنّف شواطئ موريتانيا ضمن أفضل 20 مصيدة بحرية في العالم، ويقدّر الناتج المحتمل الممكن تحقيقه للقطاع بأكثر من 6 إلى 10 مليارات دولار سنويًا إذا أُدير بأسلوب حديث وفعال، كما هو الحال في النماذج الفلندية والهولندية، ويمكن تحقيق هذا الهدف ضمن خطة خمسية لتطوير القطاع تركز على استدامة المخزون البحري، تعزيز الرقابة، وتطوير الأسطول الوطني.

 

وعلى الرغم من ذلك، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع استراتيجية مستدامة مناسبة للنهوض بهذا القطاع الحيوي جدًا للاقتصاد الموريتاني والأمن الغذائي الوطني.

 

وقد برزت فجوات في قوانين الحوكمة و التنظيم، والتطبيق، والرقابة، والاستدامة البيئية، مما حدّ من الاستفادة الوطنية القصوى من هذا المورد الحيوي.

 

التحديات والفرص المستقبلية في الوقت الراهن

 

يُعد هذا القطاع من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يُسهم بشكل كبير في توفير فرص العمل، تعزيز الأمن الغذائي، وزيادة الصادرات.

 

و تتمتع البلاد بسواحل تمتد على طول 754 كيلومترًا، وتُعتبر مياهها الاقتصادية غنية بالموارد البحرية المتنوعة، المقدرة ب 1800000طن سنويا ، لم يتحاوز استغلالها مليون طن سنويا إلا بقليل .

 

ويواجه القطاع تحديات كبيرة تتعلق بالفساد، وضعف الحوكمة، ونقص البنية التحتية الحديثة.

ونقص الكادر البشري المؤطر

 

*الوضع الحالي للقطاع*

 

رغم التحديات والفساد الذي لم يجتث بعد ، يُظهر قطاع الصيد البحري في موريتانيا أداءً إيجابيًا في بعض المؤشرات.

 

ففي النصف الأول من عام 2025، سجلت قيمة الصادرات البحرية زيادة بنسبة 13% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، حيث بلغت 19.1 مليار أوقية جديدة، مع ارتفاع حجم الصادرات بنسبة 14% ليصل إلى 333 ألف طن .

 

ومع ذلك، يُقدّر أن القطاع يخلق حاليًا حوالي 260,000 وظيفة مباشرة، تشمل الصيادين، عمال المصانع، والمختصين في مجال الاستزراع المائي.

 

وتُشير التقديرات إلى أن الوظائف غير المباشرة المرتبطة بالقطاع قد تصل إلى حوالي 520,000 – 780,000 وظيفة .

 

الإمكانات المستقبلية بعد الإصلاح

 

إذا تم إصلاح قطاع الصيد البحري في موريتانيا وتطهيره من الفساد، مع تطبيق خطط عصرية وراقية، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة بشكل كبير.

 

الوظائف المباشرة:

 

زيادة الكفاءة في أسطول الصيد وتوسيع الأسطول الصناعي.

 

تحديث المصانع ووحدات المعالجة.

 

تطوير الاستزراع المائي والقيمة المضافة.

 

وتشير التقديرات إلى أن عدد الوظائف المباشرة قد يرتفع إلى حوالي 400,000 – 450,000 وظيفة.

 

والوظائف غير المباشرة

 

بتحسين سلسلة القيمة وزيادة الإنتاج والتوسع في الاستثمارات الوطنية والأجنبية؛

يمكن أن يصل عدد الوظائف غير المباشرة إلى حوالي 1,2 إلى 1,5 مليون وظيفة.

 

وهذا يعني أن هذا القطاع وحده قادر على امتصاص نسبة البطالة في موريتانيا إذا أجادت الحكومة عملها فيه

 

التوجهات المستقبلية

 

تسعى الحكومة الموريتانية إلى تعزيز العمالة الوطنية في القطاع من خلال برامج تدريبية ومبادرات تشجع على الاستثمار المحلي والدولي.

على سبيل المثال، تم توقيع اتفاقية تهدف إلى إدماج وتشغيل 1,000 شاب في قطاع الصيد البحري، مع التركيز على صيد الأخطبوط .

 

وفي إطار تعزيز الشفافية، تسلمت موريتانيا شهادة امتثال لمعايير الشفافية الدولية في قطاع الصيد البحري، مما يعكس التزام الحكومة بتطوير القطاع بشكل مستدام وشفاف .

لكن المراقبين الوطنيين يرون أن خطوات الحكومة ثقيلة وبطيئة في هذا القطاع.

 

وينعكس ذلك في انشغال وزير الصيد الحالي “بالحرب” على المدونين الوطنيين الجادين ، كالسيد عالي ولد بكار ، الذي هو في السجن الآن بسبب بلاغ من وزير الصيد ، أعلن عنه رسميا !

لكنها حرب خاسرة ، فالمدون والناشطئ البيئي ولد بكار لم يقل إلا اليسير مما تردده منابر عالمية وجهات دولية مختصة عن فساد قطاع صيدنا البحري.

 

ويُظهر قطاع الصيد البحري في موريتانيا إمكانات كبيرة للنمو والتطوير.

 

فمن خلال الإصلاحات الشاملة وتطبيق الخطط العصرية، يمكن للقطاع أن يُسهم بشكل أكبر في توفير فرص العمل، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة.

 

البدايات التاريخية تحت السيطرة الأجنبية (1890 – 1978)

 

1890: استغلال أولي من شركات جزر الكناري، بإنتاج نحو 7,000 طن.

 

1905: اتفاق باريس بين فرنسا وإسبانيا، تأسيس ميناء Port Etienne (نواذيبو لاحقًا).

 

1919: تأسيس الشركة الصناعية للصيد (SIGP).

 

وخلال هذه الفترة، بقي النشاط البحري تحت سيطرة أجنبية شبه مطلقة، مع دور محدود للصيادين المحليين.

 

الانطلاقة الوطنية (1979 – 1984)

 

تأخر استقلال هذا القطاع إلى مابعد انقلاب 1978

 

في 1979 وضعت سياسة السيادة الوطنية وتضمنت:

 

فرض التفريغ الإجباري في الموانئ.

 

وإنشاء مؤسسات وطنية.

 

وتأسيس CNROP (مركز بحوث المحيطات والصيد).

 

تأسيس الهياكل والرقابة (1984 – 2000)

 

1984: تأسيس شركة SMCP لتسويق السمك المجمد.

 

1986: صدور مدونة الصيد والقانون البحري التجاري.

 

1994: إنشاء المندوبية المكلفة برقابة الصيد، نظام VMS.

 

أواخر التسعينيات: القطاع يموّل 40–50% من عائدات العملة الصعبة.

 

الجهاز الرقابي (1994 – 2025)

 

1. المندوبية المكلفة برقابة الصيد

اعتمدت على القوات المسلحة لضمان الالتزام بالقوانين البحرية، مع مهام التفتيش، والحماية والبيئة، ومكافحة التهريب، وأمن الملاحة، والإغاثة البحرية.

 

2. خفر السواحل (2012 )

تم الإنشاء بموجب المرسوم رقم 147/2012، لتعزيز الرقابة المدنية على الصيد، مع توحيد المهام والرقابة الإلكترونية.

لكنه ظل عاجزا عمليا عن إنجاز مهامه لأسباب عديدة

 

القيادة السياسية للقطاع

 

تعاقب على هذا القطاع وزراء كثر .

ومن أبرزهم

الشيخ العافية ولد محمد خونه

في عهد الرئيس الأسبق معاوية

 

والدكتور الناني ولد اشروقة في عهدي الرئيس السابق ولد عبد العزيز والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

 

التطوير القانوني في العهدين الأخيرين شهد تحسين المدونات، رغم فجوة بين التشريع والتطبيق.

وقصور واضح في القوانين الرادعة والتنظيمية وفي خطط ترقية القطاع

 

التأطير القانوني وتطوير القانون (2005 – 2025)

 

قبل 2000 برز ضعف التنظيم والحصص، وعدم وجود آليات رقابة فعالة، وضعف الضوابط على الأسعار.

 

بعد 2005: تحديثات رئيسية

 

2007 طرأ تحديد حصص أولية، وتنظيم المواسم، وإلزامية التفريغ والتسجيل.

لكن مع تراخ في التنفيذ!

 

2015 استجد ترخيص الأسطول الأجنبي، ورسوم التراخيص، ونسبة توظيف البحارة الموريتانيين، وتشديد العقوبات.

دون تقيد جدي بذلك

 

2019 أضيفت أحكام بيئية صارمة نسبيا ، ومراقبة جودة المنتج، وتنظيم التصدير، وخطوط عريضة للرقابة الإلكترونية.

لكن ظلت القوة التنفيذية للرقابة غير مجهزة بما يكفي لمواكبة توسع نطاق رقابتها

 

نقاط ضعف المدونات الحديثة:

 

تغيير متسارع للقوانين يقلق المستثمرين.

فأعمار القوانين الافتراضية تكون مابين 10 إلى 15سنة.

وتعرضها للتعديل المتسارع يرسل رسائل سلبية عن عدم الاستقرار التشريعي الذي هو مؤشر قصور في القوانين السابقة ومؤشر فساد مركب

 

ضعف الردع والغرامات.

وقد أصبحت الأساطيل تعتبر الغرامات الجزافية مجرد رسوم ضمن ميزانية تشغيلها

 

ضعف التنفيذ والرقابة البحرية.

 

استغلال السفن الأجنبية للفجوات القانونية والتسيب

 

أنواع الصيد البحري والتحديات القانونية والرقابية

 

1. الصيد السطحي: الأسماك القريبة من سطح المياه، باستخدام شباك صغيرة وقوارب تقليدية.

 

2. الصيد الساحلي: يتم في المناطق القريبة من الساحل حتى عمق 12 ميلاً بحريًا، يشمل أسطول متوسط الحجم.

 

3. الصيد العميق: يستهدف أسماك أعماق البحار بين 12 و200 ميل بحري، ويستخدم سفنًا أكبر وتجهيزات متقدمة.

 

4. الصيد القاعي: يستهدف الأسماك والقشريات قرب قاع البحر، يحتاج معدات متخصصة.

 

5. الصيد في أعالي البحار: يشمل أسطولًا صناعيًا كبيرًا يعمل في المياه الدولية خارج المناطق الاقتصادية الخالصة لموريتانيا.

لكنه قد يتسلل إلى المنطقة الاقتصادية الموريتانية الغنية بالأحياء البحرية

 

2. الأسطول والرقابة

 

عدد السفن الأجنبية: غالبًا أكبر من الأسطول الوطني الصناعي من حيث القدرة على المصيد والتجهيز بقارق عددي وتقني كبير

وقد يصل الأسطول الأوروبي وحده ل99سفينة صيد من أحجام وأنواع مختلفة

 

عدد سفن الصيد الصناعي الوطني

محدود نسبيًا، ويعمل تحت تراخيص خاصة ومراقبة جزئية.

 

3. أنواع الرخص الأجنبية والمحلية

 

الرخص الأجنبية: تصدر وفق معايير محددة، لكنها غالبًا تتلاعب بها لتسجيل السفن باسم موريتاني أو تحت علم موريتاني لتفادي الرقابة.

 

الرخص المحلية مخصصة للأسطول الوطني والصيادين التقليديين، مع شروط واضحة للتفريغ والرقابة.

 

4. خصوصيات كل نوع من الصيد

 

كل نوع يحدد المعدات المستخدمة، العمق، الحصص المسموح بها، والوقت المخصص للصيد.

 

الصيد السطحي والتقليدي يخدم الأمن الغذائي المحلي، بينما الصيد العميق والصناعي غالبًا للتصدير.

 

5. التلاعب والتحايل

 

تتحول أساطيل عديدة أجنبية إلى سفن محلية بعلم موريتانيا لتفادي الرسوم والغرامات، مع عدم احترام الالتزامات تجاه العمال والبيئة.

 

والسفن الأجنبية غالبًا لا تخضع للقانون الوطني بالكامل، وتفريغ حمولاتها يتم أحيانًا في موانئ أجنبية لتجاوز قواعد التفريغ الإجباري.

 

ماذا يصطاد الأجانب وما تكلفة صيدهم؟

 

أنواع الأساطيل الأجنبية (أوروبي، ياباني، صيني تركي ) التي تعاقدت مع موريتانيا

 

تكلفة الطن المتفق عليها في عقود الترخيص لكل نوع

 

1. الاتفاقية الأوروبية – تحديد تكلفة الطن

 

الاتفاقية الإطارية لحماية الثروات البحرية (SFPA) بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا تُعرف فعليًا بالتكاليف التالية :

 

الجمبري (قشريات): €450 لكل طن، بالإضافة لرسوم سنوية مسبقة تصل إلى €1,500 لكل سفينة.

 

الهاليبوت (black hake) – سفن غير مبردة: €100/طن.

 

الهاليبوت – سفن مبردة: €100 للشانك (black hake)، €575 للسبيط (squid)، €250 للحبار، و€90 للمصطادات الثانوية.

 

السمك الليفي غير الهاليبوت (demersal): ~€105/طن.

 

التونة (seiners): €75/طن في السنوات الأولى، ثم €80/طن.

 

تونة (pole-and-line وlong-liners سطحية): نفس التعرفة.

 

الصيد السطحي (pelagic freezer): €75 للرنجة والسردين، €140 للماكريل، €123 للبقية.

 

هذا يوضح سقف التكلفة التي يدفعها الأسطول الأوروبي طنًا طنًا مقابل حق الصيد في المياه الموريتانية.

 

2. القطاع الياباني والإسباني – رسوم الترخيص حسب وزن السفينة

 

بحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO):

 

السفن الإسبانية (مجمدات): تدفع حوالي 150 دولارًا أمريكيًا لكل طن بحري صافي للسفينة .

 

السفن اليابانية: 200 $ لكل طن بحري، بالإضافة إلى 400 $ إضافية لكل طن إذا لم تقم بإنزال المصيد في نواذيبو.

 

هذه الرسوم لا تعكس تكلفة الطن المصيد بقدر ما تحدد تكلفة ترخيص السفينة نفسها حسب سعتها؛ لكن يمكن اعتبارها تكلفة ثابتة تدخل في حساب الربح المحتمل عن كل طن يصطاد.

 

3. القطاع الصيني

 

الاتفاقيات الصينية غالبًا غير شفافة. ومع ذلك، بعض المصادر تشير إلى:

 

عام 2010، تم توقيع اتفاق صيد بقيمة 100 مليون دولار لمدة 25 سنة مع شركة صينية، لكن مصدر التمويل غير واضح إن كان حصريًا لقطاع الصيد أم تضمن قطاعًا أوسع .

 

وهناك دراسة تحليلية تُشير إلى أن التعويض الحقيقي للموريتانيين من الصيد الصيني يبلغ ما يعادل ~15 $ لكل طن، وهذا مقابل متوسط 154 $ لكل طن تُدفع من الاتفاقات الأوروبية .

 

الشركات الوطنية الموريتانية يمكنها التنافس شرط أن تكون تكاليفها أقل من €75–140، أي ما يعادل تقريبًا 80–160 $ أمريكي لكل طن (على حسب الفئة)، مع مراعاة أن الربح يُحسب بعد خصم تكاليف التصنيع، التعبئة، النقل، التسويق، والرسوم الجمركية والدعم الحكومي.

 

مقارنة

 

مصدر ونوع الرسوم/الترخيص /التكلفة لكل طن (تقريبي)

 

الاتحاد الأوروبي رسوم صيد محددة حسب الأنواع (كجم) €75 – €575 / طن (~80-600 $)

إسبان ويابانيون رسوم حسب سعة السفينة (tonnage) 150 – 200 $ + رسوم إضافية

الصين رسوم غير شفافة، قد تصل ~15 $/طن منخفض جدًا

قطاع وطني (تقديري) يعتمد على الإنتاج، البنية التحتية والتسويق ~600-1,000 $/طن (تقديري).

 

تكلفة الطن لدى الأساطيل الأجنبية والموريتانية

 

تقوم الاتفاقيات الموقعة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي، إلى جانب اتفاقيات مع الصين واليابان وتركيا، على تحديد سقف الحصص بالطن ضمن عقود سنوية أو متعددة السنوات. وبذلك يمكن احتساب تكلفة الطن لكل أسطول أجنبي من خلال تقسيم إجمالي المبالغ المدفوعة مقابل حقوق الصيد على حجم الطن المصرح به في العقود.

 

الأساطيل الأوروبية: تدفع ما يعادل 200–250 دولاراً للطن فقط، أي أن تكلفة الحصول على الطن الأوروبي من المياه الموريتانية تعد منخفضة جداً مقارنة بقيمة بيعه في الأسواق النهائية (التي تتجاوز 4000–6000 دولار للطن تبعاً للنوع).

 

الأساطيل الصينية: تتراوح التكلفة لديها بين 100–150 دولاراً للطن بموجب عقود ميسّرة حصلت عليها في السنوات الأخيرة، وغالباً عبر سفن تعمل تحت “العلم الموريتاني” شكلياً لتفادي شروط الاتفاقيات الصارمة.

 

الأساطيل التركية واليابانية: التكلفة تتفاوت لكنها في المتوسط 180–220 دولاراً للطن، مع امتيازات إضافية في بعض العقود تتيح رسو السفن في موانئ أجنبية بدل الموريتانية.

 

أما على الصعيد الوطني، فإن الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك (SMCP) تتحمل تكلفة أعلى بكثير بسبب:

 

1. كلفة تشغيل سفن الصيد الصناعي الوطنية.

 

2. رسوم التفريغ والتخزين والطاقة والتبريد.

 

3. محدودية البنية التحتية التسويقية واللوجستية.

 

وبذلك تصل تكلفة الطن على الشركة الموريتانية إلى حدود 1200–1500 دولار للطن في المتوسط، أي أعلى بخمسة إلى عشرة أضعاف من تكلفة الطن لدى الأساطيل الأجنبية. وهو ما يجعل قدرتها التنافسية ضعيفة جداً في الأسواق الخارجية أمام منافسين يحصلون على المادة الخام من نفس المياه الموريتانية بكلفة زهيدة.

ويتجلى قصور أداء هذه المؤسسة باتجاهات عديدة ، فلاهي أمنت توازن السوق المحلي، ولا دعمت متوسط وصغار الصيادين ، ولا هي قادرة على المنافسة الفعالة في التسويق

 

حالة خاصة: الأخطبوط الموريتاني

 

من أبرز الأمثلة على هذا الخلل ما يتعلق بالأخطبوط:

 

موريتانيا تغطي ما يقارب 40% من الطلب الياباني السنوي على الأخطبوط، وهو منتج عالي القيمة.

 

الأخطبوط في المياه الموريتانية مستوطن لا مهاجر، ما يجعله عرضة للاستنزاف الخطير بفعل الصيد الكثيف من طرف الأساطيل الأجنبية، خاصة الأوروبية واليابانية.

 

في الوقت الذي تبيع فيه اليابان الطن الواحد من الأخطبوط الموريتاني بأسعار تتجاوز 7000–8000 دولار للطن في أسواق التجزئة، لا تتجاوز تكلفة الطن بالنسبة للأساطيل اليابانية أو الأوروبية في موريتانيا 200 دولار تقريباً.

 

في المقابل، الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك تجد نفسها عاجزة عن المنافسة لأن تكلفة الطن لديها أضعاف تكلفة الأجانب، ما يؤدي عملياً إلى حرمان الاقتصاد الوطني من الاستفادة الحقيقية من هذا المورد الحيوي.

 

إن الخلل الاستراتيجي لا يكمن في قلة الموارد أو ضعف الطلب، بل في غياب عدالة التكاليف، حيث يحصل الأجانب على الطن الموريتاني بثمن بخس، بينما تتحمل المؤسسات الوطنية تكلفة باهظة تجعلها خارج المنافسة. والأخطبوط يمثل أوضح مثال على ذلك، كونه مورد استراتيجي تستحوذ عليه الأسواق الخارجية بأسعار زهيدة من المنبع وأرباح ضخمة

وتتقلص حصص الصيد التقليدي منه وحصص الموريتانيين عموما بما في ذلك صيدهم الصناعي .

 

*المظالم المتراكمة في قطاع الصيد البحري*

 

1. التهميش المؤسسي والاجتماعي

 

الفئات الأضعف (الصيادون التقليديون، الطبقات المتوسطة والصغيرة، تجار الأسماك الصغار) معاناة مزمنة من التهميش.

 

وزارة الصيد غالبًا ما تقتصر مشاوراتها على اتحادية أرباب العمل وبعض النقابات الكبرى، مع تجاهل ممثلي الصيادين البسطاء.

 

2. إفلاس الشركات الوطنية وخسارة الرأسمال المحلي

 

عشرات المؤسسات الوطنية تعرضت للإفلاس أو التراجع الحاد خلال العشرية الماضية ، دون تصفية وتدقيق في تلك المظالم المجحفة

 

3. الفساد المركب والخسائر الكبرى

حسب ما قاله لنا الفاعلون في هذا القطاع من مستويات عديدة

هناك فساد في منح التراخيص،وفي الرقابة البحرية،و التسويق والتصدير، والجانب المالي والمؤسسي للعائدات والاتفاقيات الدولية.

 

4. البعد الإنساني للمظالم

 

الصيادون التقليديون يحصلون على نصيب محدود من الثروة البحرية ، وتتراجع حصصهم وغلافها الزمني

 

وانعدام التأمين الصحي والمهني.

 

وهشاشة اقتصادية للأسر الساحلية.

وارتفاع أسعار الأسماك محليا وانخفاض حاد للمعروض منها.

 

مطاحن الأسماك تزيد المشهد تعقيدا

 

مدينة انواذيبو المكتظة تماما يصل عدد مصانع دقيق السمك فيها إلى34مصنعا رخصت كلها في عشرية الرئيس السابق ، ويقال أن عدد التراخيص أكثر من ذلك.

وتركد منظمة زاكية غير الحكومية العدد

مع 18مصنعا آخر في انواكشوط.

وتتهم هذه المصانع بدور مؤثر في اختلال توازن السوق المحلي واستنزاف الأمن الغذائي والأسواق

 

هذه المصانع تُحوّل كميات ضخمة من السمك، الذي يُمكن أن يُستخدم كغذاء بشري، إلى دقيق وزيت السمك المُخصّص للتصدير.

وتسبب ذلك في نقص في الكميات المتاحة للسوق المحلي وارتفاع أسعار السمك؛ وفق تقرير منظمة زاكية، وترتفع الأسعار لحد قد لا يستطيع المواطن العادي تحمّله.

 

و كذلك، تُتهم هذه المصانع بأنها تستهلك أكثر من نصف كميات الأسماك المُصطادة سنوياً، ما يُضعف قدرة الصيادين التقليديين على المنافسة.

 

التأثير على الصيادين التقليديين والسوق الداخلية

 

الصيادون التقليديون يشتكون من نقص الأسماك والحمولة الفارغة بعد الرحلات طويلة، بسبب سيطرة مصانع دقيق السمك على الكميات الكبيرة.

 

ارتفاع الأسعار ونقص العرض أدى إلى تراجع أداء الأسواق المحلية، خصوصاً في نواكشوط ودوائر البيع الشعبية.

 

الضعف في الرقابة والتنظيم

 

تراخيص واسعة وغياب المساءلة

 

منح تراخيص لإنشاء هذه المصانع، خاصة بين 2010 و2014، تم بوتيرة عالية ومحفوفة بالتجاوزات. مثلا، منحت الحكومة 39 ترخيصاً لمصانع دقيق السمك في نواذيبو خلال تلك الفترة.

 

في حين أقرّ وزير الصيد أن عدد المصانع لا يزال حوالى 34 مصنعاً، بعضها مزود بخطوط تصنيع وتبريد والبعض الآخر يفتقد ذلك.

 

تأثير الفساد الإداري

 

الواقع يكشف عن تجاوزات بيئية وصحية حادة؛ شبكات تصريف المخلفات، وانبعاث روائح كريهة وأدخنة تتسبب في أمراض تنفسية عند السكان المحليين.

 

ورغم نصوص دفتر الالتزامات، فإن المصانع تعمل دون تطبيق حقيقي للشروط ؛ ولا سحب للتراخيص المخالفة.

 

الناشطون يؤكدون أن الفساد المالي والإداري والضغوط المرتبطة بالإعفاءات والاستثمارات الصحية ساعدت تلك الشركات في تجاوز القوانين بحرية.

 

ضعف التأثير الاقتصادي المحلي

 

رغم الإعلان الرسمي بأن هذه المصانع خلقت آلاف الوظائف، يرى خبراء مستقلون أن العدد الحقيقي للموظفين قليل جداً حسب بعض التصريحات، بل أقل من 300 عامل في الكثير من المصانع.

 

بالمقابل، تشير الحكومة إلى أن الوظائف المباشرة تُقدّر بـ 5 آلاف وظيفة و15 ألف غير مباشرة، رغم التباين الواضح مع الأرقام الواقعية.

والحقيقة الماثلة للعيان هي أن مدينة انواذيبو تتعرض لتغيير حقيقي لهويتها الساحلية الجميلة ، متغيرات بيئية وديموغرافية وبيئية بحرية ، تصدم زوارها الذين عرفوها وادعة نقية من سموم البر والبحر.

وزحف عمراني غريب على ضفاف كان يفترض أن تبقى محصنة ضد الاسمنت والحديد فهي مستوطنات طبيعية لبنات البحر .

 

الهدر المالي في قطاع الصيد البحري الموريتاني

 

يُعَدّ الهدر المالي أحد أبرز مظاهر الخلل البنيوي في تسيير قطاع الصيد البحري بموريتانيا. فبالرغم من أن البلاد تمتلك واحدًا من أغنى الشواطئ بالثروات السمكية في غرب إفريقيا، فإن العوائد الفعلية للخزينة العامة تبقى أقل بكثير من القيمة الحقيقية للثروة المستغلة. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متشابكة:

 

1. غياب الشفافية في عقود الشراكة مع الشركات الأجنبية، حيث يتم توقيع اتفاقيات طويلة الأمد بمقابل مالي لا يتناسب مع حجم المصيد وقيمته في الأسواق العالمية.

 

2. ضعف الرقابة على التفريغ، إذ غالبًا ما يتم تهريب جزء كبير من المصيد مباشرة في عرض البحر دون تسجيله في الموانئ الوطنية، ما يحرم الدولة من رسوم جمركية وضرائب معتبرة.

 

3. التقديرات المنقوصة للحصص، حيث تعلن الشركات كميات أقل من المصيد الفعلي، مستفيدة من ثغرات تقنية وإدارية.

 

4. العائدات غير المباشرة المفقودة، مثل فرص التشغيل المحلية وصناعة التحويل، التي كان يمكن أن تضيف قيمة مضاعفة لو تم تطويرها.

 

إن حجم الهدر والتسيّب في الموارد الطبيعية للثروة البحرية، وحجم الهدر للعائدات الأكيدة بسبب ذلك، يُقدَّر بحوالي 2 مليار دولار سنويًا، وفق تقديرات خبراء وتقارير دولية من بينها تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) والبنك الدولي حول فجوة العوائد في مصائد غرب إفريقيا. ولو جمعنا هذه الخسائر طيلة العقدين الماضيين ما بين 2005 و2025 لبلغت أكثر من 20 مليار دولار، وهو رقم يفوق حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت البلاد خلال نفس الفترة، ويكفي لرفد الاقتصاد الوطني بما يعزز بنيته التحتية وطاقته الإنتاجية، بل ويضع موريتانيا في موقع أفضل على خريطة التنمية الإقليمية إذا ما تمت تعبئة هذه الموارد بفعالية.

 

*من المسؤول عن هذا الفساد المتراكم في قطاع الصيد؟*

 

لسنا في نخبة موريتانيا جهةً مخوّلة قانوناً بتحديد المسؤوليات أو تكييف التهم أو توجيهها، وإنما ينحصر دورنا في الرصد البحثي المحترف لواقع هذا القطاع المؤسف، وتجميع صورته كما تبدو في عيون العالم وفي أعين الرأي العام الوطني.

إن الشهادات الحيّة التي نقلها أجانب عملوا سابقاً في القطاع، عبر وسائل إعلام بلدانهم الحرة، تكشف بوضوح عن نهبٍ سافر لمخزونات موريتانيا البحرية، وعن هشاشة القوانين وآليات تنفيذها. فالغرامات المطبّقة على السفن المخالفة هنا تُعدّ مجرد تكلفة بسيطة تدخل في حسابات الأساطيل الناهبة، في حين تصل غرامات مخالفات مماثلة في دول أوروبية مثل هولندا إلى ملايين اليوروهات، مصحوبة بمصادرة السفن وإلغاء التراخيص والحرمان منها لخمس سنوات أو أكثر.

 

ويلاحظ الرأي العام الوطني أنّ كل الذين تعاقبوا على قيادة هذا القطاع، من مدنيين وعسكريين، انتهوا إلى أن يكونوا من أثرياء موريتانيا الكبار. بل إنّ بعضهم أسس بنوكاً محلية، ومؤسسات مالية وتجارية في أوروبا، مُعلنة أو خفيّة، وامتلك أسهماً في كيانات مالية أوروبية وآسيوية، إلى جانب استثمارات عقارية فاخرة في الداخل ، كما يتداول في الإعلام الشعبي ، ولم نقف نحن على ما يثبت ذلك.

 

*كيف تحرر موريتانيا قطاع الصيد البحري من الفساد المحلي والنهب الأجنبي لثرواتها؟*

 

لا نستطيع إنكار أنه منذ تولى الرئيس ولد الغزواني الحكم 2019 شهد هذا القطاع حيوية أكبر وارتفعت عائداته إلى الخزينة العامة، لكن ذلك لم يطهره من الفساد إلى الآن ولا من الروتين البيروقراطي البطيء ولا من القصور في الأداء.

ورغم أن مدونة الصيد بتطويرها الأخير شهدت جودة نظرية، إلا أن وسائل تطبيقها ظلت قاصرة.

 

مخطط الإصلاح بمراحل

 

1. عودة الرقابة للمؤسسات العسكرية والأمنية ودمج حرس السواحل في نسق البحرية الوطنية، وخروجه من وصاية الوزارة، وكذلك الدرك البحري.

 

2. تعزيز القوة البشرية ورفع كفاءتها وتجهيزاتها لتكون قادرة على أداء دورها الرقابي بكفاءة عالية.

 

3. الشراكة مع الإدارة العامة للأمن الوطني في الملف، فقد أصبح مشابهًا لملفات الهجرة غير الشرعية وتهريب الممنوعات والجريمة المنظمة وتبيض الأمول

وتأسيس شرطة بحرية

 

4. إشراك وزارة البيئة مع وزارة الصيد فيما يتعلق بحماية البيئة البحرية

والعمل كفريق حكومي واحد مع بقية الوزارات المعنية

 

5. إصلاحات تدريجية للآليات القطاعية، وخلق قيمة مضافة ورؤية تمويلية وتكوينية للمؤسسات الوطنية المتوسطة والصغيرة في هذا المجال، تحقق مرتنة تراكمية للقطاع كله.

وفرض ضمانات مالية تودع في البنوك من

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى