تواصل والاختيار الصعب/ محمد فال ولد الشيخ
أخيرا اعترفت المعارضة بفشلها في التوصل إلى مرشح رئيسي وأعادت المهمة إلى هيئاتها الحزبية الداخلية ما يعنى أن الاختيارات ستتعدد ومع أن الفشل في التوصل إلى مرشح رئيسي على الأقل كان متوقعا إلا المعارضة غذت الآمال بهذا الشأن وخدعت جمهورها والرأي العام حتى آخر لحظة حيث اتضح أنه لا يوجد حد أدنى من التفاهم وشعر جمهور المعارضة بالخذلان والأسى لأن المعارضة خذلته في لحظة سياسية حاسمة ومفصلية وكالعادة تبرأ الجميع من الفشل وتدافعت المعارضة المسؤولية بشأن المرشح الموحد .
أمام هذا الواقع المنقسم المتخاذل وجد حزب تواصل نفسه في موقف لا يحسد عليه فلا هو قادر على الترشيح من داخله لأسباب معروفة ولا هو قادرعلى بناء توافق داخل المعارضة على خيار معقول يمكنه أن ينافس النظام ويشكل رقما في الانتخابات الرئاسية.
وجد تواصل نفسه أمام معارضة لا تستطيع التوافق على مرشح من خارجها ولا من داخلها أحزاب ضعيفة تنخرها الانقسامات والتباينات ومع ذلك تطمح إلى التصدر والترشيح وتشرئب إليه في مواقف كيدية لا تقدم ولا تؤخر
تواصل وإن كان أكبر أحزاب المعارضة من حيث التمثيل الشعبي ومن حيث المؤسسية والألق إلا أنه يشهد هو الآخر تباينات وصلت إلى الإعلام ولا تزال مفاعيلها تعتمل حبلى بكل الاحتمالات .
يناقش حزب تواصل خيارات صعبة بعد أن وضعته الأحداث في موقف لا يحسد عليه : مفاضلة بين مرشح محسوب على الأنظمة السابقة مرفوض من طرف بعض قادة الحزب ونشطائه وبين قيادات أحزاب مجهرية فاقدة للبوصلة تفقر إلى مقومات الترشح الموضوعية والقانونية
يمكن إجمال خيارات في الاحتمالات التالية:
1- خيار ترشيح شخصية من داخل الحزب أو من أحزاب المعارضة وهو خيار تقليدي مكلف تم تجريبه مرارا وكانت النتائج محلطة وغير مشجعة
2- أن يختار الحزب شخصية من خارج المعارضة التقليدية تتمتع بسمعة حسنة وتاريخ وظيفي مشهود وهو خيار سينقل الحزب والمعارضة إلى أرضية حلبة المنافسة الجدية ويعطى للانتخابات وزخما وبعدا تنافسيا بغض النظر عن حجم النتائج التي سيتحصل عليها
3- خيار الحياد وترك الخيار للجماهير وهو أسوأ خيار يمكن أن يتخذه حزب في مثل هذه الظروف إذ لا توجد أرضية سياسية تبرر الحياد ذلك أننا في مرحلة نظام منصرم ونظام لم يتشكل بعد ولا توجد أزمة سياسية تبرر هذا الخيار وستكون نتائجه سلبية بكل معاني الكلمة فضلا عن أنه هروب من المسؤولية وانسحاب من ميدان المدافعة في لحظة سياسية مهمة من تاريخ البلد .
4- خيار دعم مرشح النظام وهو خيار غير منطقي بالنسبة لحزب يتحمل مسؤولية للمعارضة وحملته جماهير الشعب أمانة تمثيلها ورئاسة مؤسستها الدستورية خلال الاقتراع الأخير وسيكون انتقالا فجائيا كهذا ضربا من الانتحار السياسي خاصة أن النظام الجديد لم يتشكل بعد والأنباء تتحد عن تحفظ ولد الغزواني وعدم تحمسه لأي دعم من طرف المعارضة أحرى حزب محسوب على الاسلاميين أبرز خصم حلفائه الدوليين والاقليميين
وإذا ما حصل تفاهم سياسي يفضى إلى اتفاق بين تواصل والغزواني – وهو أمر مستبعد في مثل هذه الظروف- إذا ما حصل هذا التفاهم يمكن أن يكون دعم الغزواني متفهما وإن كانت ضريبته غالية لكن قد يشفع المقابل أو يساهم على الأقل في تبرير هذا التوجه والتقليل من مثالبه
من خلال ما تقدم يكون الخيار الأنسب والأمثل أمام تواصل وبقية أحزاب المعارضة التوافق على شخصية من خارج المعارضة التقليدية ولا أظن أنه برز اسم في هذه المرحلة أهم ولا أكثر مصداقية ومقبولية من الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد ببكر.
فالوقت ضيق على البحث عن خيارات وأسماء جديدة في ظل بدء العد التنازلي للانتخابات فضلا أن العديد من الأطر والكوادر غير متحمسين للترشح في هذه الانتخابات بفعل قوة مرشح السلطة ومحدودية فرص المنافسة إضافة إلى فرقة المعارضة وتباين مواقفها
سيد محمد ولد ببكر رجل دولة وموظف سام خدم في العديد من القطاعات والمسؤوليات وله سمعته ومكانته في جهاز الدولة ولدى النخبة الوطنية ومهما قيل من اعتراضات – وبعضها له وجاهته- بشأن تحميله جزء من المسؤولية عن الفترات التي كان فيها جزء من السلطة فإنه يبقى قادرا على تمثيل المعارضة في هذه المرحلة وخوض غمار الانتخابات طالما انه لا يوجد قادح في شخصه لدى الرأي العام فضلا عما يتصف به -حسب العارفين به – من تواضع ووعي وكفاءة ؟
يمكن للمعارضة من خلال دعم هذه الشخصية أن تعزز علاقتها بالأطر وكبار الموظفين وتعطى إشارات مطمئة إلى الكتل البشرية التي تصوت عادة للنظام بانفتاحها ومرونتها وأنها لا تعترض على احتضان وترشيح الموظفين السامين للدولة طالما أنهم لم يتلوثوا بالفساد أو يتورطوا في ملفات التعذيب والإساءة.
يمكن لتواصل إذن ومعه من قبل من أحزاب المعارضة أن يخلق هالة سياسية حول الرجل وتحويله إلى مرشح وطني عابر للانتماءات والتصنيفات التقليدية (موالاة معارضة).
في اللحظات التاريخية تتحرك ما يعرف بالكتلة الحرجة التي تشكل عامل ترجيح حاسم وإذا ما وجدت هذه الكتلة مرشحا يعبر عنها ويرمز إلى خيارات تتقاطع معها فيمكنها أن تغير مجرى الأحداث وتحدث مفاجأة .
السياسة لعبة ومغامرة ومن يسجن نفسه بين خيارات تقليدية ستتجاوزه الأحداث ويتخطاه التاريخ ومن يتلقف الفرصة ويقتحمها تعرضا للأقدار سيحقق النجاح بإذن الله
محمد فال الشيخ