أقلام

اسئلة موجهة للمعارضة/محمد دحان

 

 

الفتور الذي أصاب المعارضة وغيابها التام عن المشهد السياسي في البلد خلال الفترة الأخيرة، وذلك على الرغم من حساسية المرحلة وعظم الأحداث التي توالت وتتالت بعد الاستفتاء : إلغاء مجلس الشيوخ ؛ اختطاف وسجن السيناتور محمد ولد غدة؛ وضع عدد من الشيوخ والنقابيين والصحفيين تحت الرقابة القضائية…كان كل ذلك من أجل الانتقام من الشيوخ على تصويتهم ب”لا” على التعديلات الدستورية ،

وخاصة منهم الشيوخ المحسوبين على  الموالاة، كما كان أيضا من أجل الانتقام من شخص رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والذي يعتقد النظام بأنه هو من يقف وراء تمرد الشيوخ.

ومع خطورة كل هذه الأحداث  دخلت المعارضة في سبات عميق، ولسان حالها يقول :
وإني لأهوى النوم في غير حينه ++++ لعل “تغييرا” في المنام يكون .
لهذا السبب بدأ الشك يتسرب إلى الجميع، وتولدت لدى أغلب المهتمين بالشأن العام، وحتى البسطاء من المواطنين قناعة مفادها أن المعارضة تجاهلت كل هذه الأحداث عن قصد، وتعاملت معها وكأنها تجري في بلد آخر، ومن هنا جاز لنا طرح عدة أسئلة على معارضتنا المحترمة، وذلك بعد أن اختلطت علينا الأمور،  ولم نعد نفهم منها شيئا :
السؤال الأول: هل كان السيناتور محمد ولد غدة  هو المحرك الفعلي للمعارضة  وبالتالي فعندما تم اعتقاله وقعت المعارضة في ارتباك شديد وتوقفت نهائيا عن التحرك؟ تأتي وجاهة هذا السؤال من كون  أن ولد غدة كان هو فارس معركة الشيوخ بلا منازع، وذلك مع تقديري للدور الرائد الذي لعبه كل الشيوخ الرافضين للتعديلات الدستورية بصفة عامة، وشيوخ الموالاة بصفة خاصة، والذين صوتوا ضد توجهات حزبهم ورفضوا تنفيذ أوامر رئيسهم وذلك على الرغم مما تعرضوا له من ترغيب وترهيب، وكانت هذه سابقة من نوعها  لم تحدث من قبل  في تاريخ هذا البلد، ويمكن اعتبارها أحسن خاتمة سياسية إن جاز هذا الوصف.
السؤال الثاني : هل المعارضة تفضل ولدغدة السجين على ولدغدة الحر الطليق على الأقل خلا ل هذه المرحلة، وذلك لما سببه لقادتها من إحراج حين وقف بشجاعة ورباطة جأش في الميادين دون خوف أو وجل خلال كل التظاهرات التي نظمتها المعارضة ضد الاستفتاء ؟
أي أن وتيرة فعله المعارض لم  تستطع المعارضة مسايرتها، وبهذا يكون ضره قد أصبح أكثر من نفعه، خاصة وأن بعض قوى المعارضة لا يريد الذهاب في الفعل المعارض إلي حيث لا رجعة، ويريد  الإبقاء على  “شعرة معاوية” مع النظام، خاصة وأن الانتخابات البرلمانية والبلدية على الأبواب ( استحقاقات 2018( .
السؤال الثالث : هل أن أغلب قادة المعارضة يرون في الشاب الشرس والطموح  خطرا على مستقبلهم السياسي، وبالتالي فإن التعاطف الكبير معه سوف يعطيه زخما أكبر ومصداقية أكثر  لدى الشعب الموريتاني، مما قد يجعله منافسا قويا لبعض قادة المعارضة  في الاستحقاقات القادمة، خاصة  وأن  قضية المرشح الموحد للمعارضة في رئاسيات 2019 – مع أني لا أراها إلا حلما من أحلام هذا السبات- قد أسالت لعاب بعض قادة المعارضة؟
وبالتالي فإن لسان حال قادة المعارضة يقول سوف نتعاطف مع السيناتور ولد غدة ولكن في حدود!
السؤال الرابع والأخير :هل قادة المعارضة لا يرون في ولدغدة سوى شخص مكلف بمهمة من طرف النظام ؟ أي أنه مجرد استثمار مدخر لأوقات الشدة، وأن كل الذي نراه من خلاف بين  محمد ولد عبد العزيز من جهة والسيناتور محمد ولدغدة ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو من جهة أخرى، ما هو إلا خدعة أحيكت باحترافية كبيرة، والغرض منها هو سحب البساط من تحت المعارضة التقليدية، وتوريط بعضها في مواجهة غير محسوبة مع النظام، لم تكن المعارضة على استعداد لها، وهي في غنى عنها على الأقل في مثل هذا الوقت؟
أي أننا وبكل بساطة نعيش أحداث قصة عمل استخباراتي مخادع، تحت عنوان: ” لعبة أبناء العمومة “، وهو الشيء الذي يتردد على ألسنة  بعض المعارضين وأشباه المعارضين وخصوصا من تربطه علاقة عشق بفتات موائد أطراف النظام وهنا أذكرهم بأن  هذه القصة تصلح لأن تكون مسلسلا تلفزيونيا صالحا للعرض على قناة الموريتانية خلال شهر رمضان القادم إن وجدت “الحكواتي القهوجي ” صاحب  الحس المخابراتي والفكر الإرتزاقي.

مثل هذه الفرضية التي يطرحها البعض ذكرتني بقصة صديق “معارض”، كان دائم التشكيك في مواقف المرحوم الرئيس أعل ولد محمد فال، وحين ما أجادله في ذلك وأطلب منه الدليل  يقول لي هو “أمال ول عم ولد عبد العزيز أو من جيهت ماه لاه أيعارض”، وكنتُ أرد عليه : “الرئيس أعل  لا يفكر كما تفكر أنت”. بعد وفاة الرئيس أعلي رحمة الله عليه، وجدت صديقي هذا حزينا، وبادرني بالقول “المرحوم كان هو الوحيد الذي  يخشاه ولد عبد العزيز، وبالتالي فقد ضاعت أي فرصة للتغيير”، فقلت له : ” تبا لكم من شعب سقيم ،تنكرون جميل الرجال وهم أحياء، وتمدحونهم بذاك الجميل وهم أموات! !!
أطال الله عمر الجميع.
لكن، وحتى  إن سلمنا جدلا بأسوأ الفرضيات، وهي أن هذه مجرد لعبة أبناء العمومة، وان للمعارضة الحق في عدم التعاطف مع السيناتور محمد ولدغدة، يبقى السؤال المطروح  لماذا تخلت  المعارضة عن مجلس الشيوخ؟ وما هو ذنب الشيوخ الآخرين الذين رفضوا هذه المهزلة بكل شجاعة؟ ألا يستحقون التضامن والتشجيع؟ فلماذا تجاهلتهم المعارضة وتركتهم يواجهون النظام لوحدهم دون أن تكون لهم ظهيرا ولا سندا؟ ولماذا غاب شيوخ المعارضة عن وقفات الشيوخ التي نظموها للتعبير عن رفضهم لإلغاء مجلسهم؟ ولماذا لم يسجل بعض قادة المعارضة حضورا ولو رمزيا لإحدى وقفات الشيوخ التي ينظمونها كل أسبوع؟
وحتى النشيد الجديد فقد تجاهلته المعارضة، ولم تعلن عن رفضها له، ولو ببيان قصير لا تحتاج كتابته إلى إلي حشد الجماهير المعارضة التي ذهبت إلى الداخل في فترة الخريف !!
من هنا يستنتج المتتبع للشأن العام أن المعارضة قد أقرت بنتائج الاستفتاء، وقبلت بالدستور الجديد، وسلمت بالأمر الواقع الذي فرضه ولد عبد العزيز من خلال الاستفتاء، أي أن  مجلس الشيوخ والعلم والنشيد وحتى الدستور أصبحوا جزءا من الماضي .وكأنها أرادت بسكوتها هذا قضاء فائتة التصويت بنعم على الدستور الجديد  !!
وهذا هو الخطأ القاتل الذي توشك أن تقع فيه المعارضة، والذي سوف ينضاف إلي سجل أخطائها  الكثيرة، والتي ربما تجعل منها المعارضة  الأكثر أخطاءً من بين كل المعارضات في العالم !!

إن المعارضة  بتخليها عن مجلس الشيوخ والعلم والنشيد، وغيابها التام عن مجرى الأحداث في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ البلد، تكون قد خرجت من ساحة المعركة لتلعب دور المتفرج، وبذلك تكون قد عادت إلى  عادتها القديمة في تقديم المزيد من  الخدمات المجانية للنظام دون مقابل، إذ أن غيابها جعل الجميع يعتقد أن القضية برمتها هي  مجرد صراع مصالح بين أبناء العمومة (محمد ولد عبد العزيز ومحمد بوعماتو)، وهذا هو ما أراد النظام الترويج له عبر أزلامه وأشباه المعارضين، وسيظل النظام يعمل في هذا الاتجاه حتى يقنع الرأي العام  بأن القضية لا علاقة لها  بالانقلاب على الدستور، ولا بمصير الديمقراطية، وإنما هي مجرد صراع مصالح بين رجلين !
في نهاية هذه السطور لايسعني إلا أن أعلن عن تفهمي لتعلل  قادة المعارضة بفصل” الخريف ” إنصافا لهم  ،إذ أن التأثير البالغ للمناخ  في السياسة ليس بالشيء الجديد فبفضل ذلك التأثير حققت دول انتصارات وتهاوت إمبراطوريات وأُشعلت ثورات وأُخمدت تحركات وسقط رؤساء واستمر آخرون في الحكم.
ذات مرة قال قيصر روسيا بطرس الأول إن لديه قوة لاتقهرمتحدثًا عن شدة برد الشتاء في روسيا (والذي كان سبب هزيمة نابليون وهتلر) واليوم يمكن لولد عبد العزيز هو الآخر أن يقول نفس المقولة بأن لديه قوة لا تقهر وهي خريف موريتانيا!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى