أمريكا والصراعات الجيو سياسية / محمدسالم جدو
لكل دولة اقليم جغرافي محدود، ولها كذلك سلطة سياسية شبه مطلقة النفوذ، والسياسة بوصفها “مادة مائعة” كما قال الزعيم البعثي الراحل محمد يحظيه ولد ابريد الليل، فإن ميوعتها تمكنها من الخروج عن مادية الأشياء وعن الحدود المرسومة لها، وبالنظر إلى تقاطع السياسة كعلم مع الجغرافيا فيمكن أن يضفي ذلك التقاطع على الأخيرة شيئا من صفة الميوعة أو الديناميكية الإقليمية -إن صحت العبارة-، أما ميكافيلي فيعتبرها الصراع القائم بين الأفراد والجماعات الذي يجعلها تلجأ إلى جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، إذا تطلب ضمان السلطة ذلك.
إذن كل ما أسلفنا بذكره يفيد بأن تقاطع السياسة مع المجالات الأخرى يجعل لها اليد الطولى نفوذا في ذلك المجال، وذلك ما يُدخل مفهوم “الجيو سياسية” في معجم السياسة.
وأمريكا كغيرها من الدول، تسعى إلى بسط نفوذها وديمومته، ويمكن القول إن من أبرز المشاكل الخارجية للولايات المتحدة، في الوقت الراهن هو التوتر الذي يشهده الشرق الأوروبي، بعد تجميد انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بسبب محاصرة الروس للمنطقة وحشدهم ما يقارب 200 ألف جندي على الحدود الروسية الأوكرانية، ماجعل أوكرانيا خط تماس بين روسيا والحلف، وهذا إذا كان يعكس شيئا فأسلوب الروس في منع التمدد لحلف الناتو، وهو ما من شأنه الحد من زحف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وانتشارها على الصعيد الجيو استراتيجي، في شرق أوروبا، كذلك حديث بوتن عن الأسلحة الصوتية المتطورة التي تملكها روسيا، والتي يمكنها الوصول -في ظرف خمس دقائق- إلى الجهة التي تصدر الأوامر، وربما يعني بكلامه أمريكا.
وعلى الصعيد نفسه نلاحظ مزاحمة الروس لأمريكا في سوريا، عبر إقامة علاقات مع نظام الأسد الحاكم، وقوة نفوذ الدولة الروسية مقارنة بنظيرتها الأمريكية في المنطقة.
وفي الحديث عن سباق النفوذ في المنطقة العربية لا يمكن إهمال المنافسة والصراع المحتدم بين القطبين والنزاع على الشرعية في ليبيا، حيث تدعم روسيا في انتخابات 24 ديسمبر المرشح لخلافة أبيه سيف الإسلام القذافي، وذلك ما تبلور في العديد من المواقف ربما آخرها تنديد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية باستبعاد مفوضية الانتخابات لملف القذافي. بينما يدعم الجانب الأمريكي بقوة ملف اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ولا غرو، فقد دعمت أمريكا حفتر في ما سمته “محاربة الإرهاب” بعد نجاح ثورة 17 فبراير.
وإلى حد الساعة مازال المشهد السياسي يجري على قدم وساق، بسبب الخلاف في تحديد موعد للحدث السياسي المرتقب، والرأي العام الليبي منقسم بين تيارين، أحدهما يريد إجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي (24 ديسمبر) والآخر يلوح بتأجيلها، ولعل التأجيل يكون أنسب، بعد ما ظهر عجز الداخلية الليبية عن إخضاع مناطق أساسية لسيطرتها، خصوصا في الشرق الليبي الخاضع لنفوذ اللواء المتقاعد، والجنوب الذي تتقاسم النفوذ فيه بعض القبائل الليبية الداعمة للقذافي الإبن.
ومن جهة أخرى يبدو أن المنافس الصيني قد دخل على الخط جيو سياسياً جنوب غرب آسيا، فقد أفادت بعض الصحف أن أمريكا تمكنت من رصد قاعدة عسكرية صينية في الإمارات العربية المتحدة، وربما يهدد ذلك بشكل كبير مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الإمارات. كما تسعى الصين حاليا إلى ضم جزيرة تايوان التي استنجدت فبل سنين بالولايات المتحدة معتمدة بذلك سياسة “عدو عدوي صديقي”.
وفي الوقت نفسه تشغل أمريكا دور “المراقب” في محادثات فيينا، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بعد انسحاب ترامب من المفاوضات عام 2018، وذلك مابعثر الأوراق الإيرانية، لكن الجمهورية الإسلامية بحسب قول علي باقري قدمت مستندان، أحدهما متعلق بالتدابير النووية والآخر يعني العقوبات الأمريكية”، بينما تشير بعض التقارير إلى نية إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 90٪، في الوقت نفسه يتفق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكلين مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على أن إيران تستغل الوقت لتعزيز قدراتها النووية، الأمر الذي يطرحون من خلاله الخطة “ب” في حال فشل الدبلوماسية في الخروج باتفاق، وذلك ما لا يستبعد احتمال تصعيد، بين إيران وإسرائيل.
محمدسالم جدو