أقلام

صندوق السكن: وعد الحكومة… وعهدها المنقوض!/شيخنا الديه

 

 

حين أُعلن عن فكرة صندوق سكن المدرسين، ظن المعلمون أن بارقة أمل تلوح في الأفق، وأن الحكومة قد قررت – أخيرًا – أن تُنصف من أفنوا زهرة أعمارهم في خدمة الأجيال. قيل لهم إن الدولة ستتكفل بنسبة 75% من كلفة السكن، بينما يدفع المدرس النسبة المتبقية على أقساط مريحة تمتد لخمس عشرة سنة، فابتهج المربون وتبادلوا التهاني، وربما رسم بعضهم في مخيلته صورة البيت الذي سيسكنه بعد سنوات التيه بين الإيجارات التي تأكل الراتب الهزيل.

 

لكن يبدو أن الحكومة – كعادتها – لا تعيش إلا على إيقاع “أخلفوا الوعد” و”نكصوا العهد”، فبعد اجتماعات ومفاوضات، وبعد تثبيت النسب وتحديد الفئات المستفيدة، استيقظ المدرسون يوم 17 مارس 2025 على صدمة مدوية: الوزير الأول يعلن أن الاستفادة هذه السنة ستكون فقط لمن بلغوا التقاعد، وأنه لا مكان في الصندوق إلا لمن اقتُطعت منهم المبالغ طيلة 15 سنة كاملة!

 

وهنا، لا يسعنا إلا أن نتساءل: كيف يستفيد المدرس من صندوق ادُّخر له قبل 15 سنة، وهو أصلاً لم يكن موجودًا قبل سنة؟! أهو قرض زمني رجعي؟ أم أن الحكومة اخترعت آلة زمنية، لكنها لا تعمل إلا عند استحقاقات المعلمين؟!

 

بكل وضوح، ما حدث لا يعدو كونه “تكتيكًا حكوميًا ماكرًا”، صُمّم أساسًا لإخماد حراك المعلمين، فحين علت أصواتهم مطالبين بحقوقهم المشروعة: زيادة الرواتب، وتحسين العلاوات، وتسوية المظالم، والاعتراف الرسمي بالبطاقة المهنية، جاءهم رد الحكومة على طريقة “تأجيل الوعود”، فكان صندوق السكن مجرد مسكّن، امتص حماسهم لبعض الوقت، ثم انكشف المستور حينما تبيّن أن الاستفادة ليست للجميع، بل لمجموعة محظوظة وفق تصنيفات غامضة، بينما بقي البقية في العراء يرددون: “هل كنا نحلم؟!”

 

الطريف – أو المأساوي – أن هذا القرار جاء في وقت تمتلئ فيه خطابات المسؤولين بعبارات عن “تحسين ظروف المدرس”، و”إصلاح التعليم”، و”تحقيق العدالة الاجتماعية”. لكن يبدو أن هذه المصطلحات، شأنها شأن صندوق السكن، مجرد “فقاعات وعود” تطفو على سطح الخطاب السياسي، لكنها تنفجر فور ملامسة الواقع!

 

ولعل أكثر ما يثير الحيرة هو ذلك الإصرار العجيب من الحكومة على “التقدم إلى الخلف”! فبدل أن تبحث عن حلول حقيقية لأزمة التعليم، وتضع برامج مستدامة لتحسين وضع المعلم، تلجأ إلى الحلول الترقيعية، والمراوغات المكشوفة، والمناورات البائسة، متناسية أن التاريخ لا يرحم، وأن ذاكرة المعلمين أقوى من ذاكرة السمك، وأنهم قد حفظوا الدرس جيدًا: “لا وعود بلا ضمانات.. ولا إصلاحات بلا نضال!”

 

في الختام، على المعلمين أن يعيدوا ترتيب أوراقهم، ويدركوا أن “من لا يطالب بحقه، فلن يمنحه أحد إياه”، فكما قاوموا من قبل، وأجبروا الحكومة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن أمامهم اليوم فرصة أخرى ليقولوا – بصوت واحد – “كفى عبثًا بحقوقنا”، وأن صندوق السكن – إن كان حقًا لهم – فيجب أن يستفيد منه الجميع، لا أن يكون ترفًا حكوميًا مخصصًا لفئة دون أخرى!

 

ويبقى السؤال الذي لا إجابة عليه: إذا كان المدرسون قد صدّقوا وعود الحكومة بالأمس، فهل يلدغون من ذات الجحر اليوم؟

 

شيخنا الديه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى