أقلام

العنصرية المعكوسة / ممو الخراشي

 

 

كل ذي لون ولغة مطالب بالقسوة على نفسه ليثبت أنه ليس عنصريا، مطالب بالتماس أحسن المخارج لمن جعلتهم المشيئة أصلا خارج صفه، وبالقسوة على مشابهيه.. تماما كما كان حكم المهاجر أوباما أكثر همجية وعدوانا على الشعوب المقهورة، من حكم اترمب الرجل الأصلي المغرور، رغم سخائه في توزيع بذيء الكلام..

يحتاج الأبيض صديقا أسمر اللون، والأسمر صديقا أبيض اللون؛ ليثبتا أنهما ليسا عنصريين، وأن الوحدة الوطنية قائمة، وتملأون الفضاء بتلك البراهين السخيفة على براءتكم من العنصرية، ويفضحكم الواقع عند أول اختبار.

عملت مع مديرين من مختلف الشرائح، وكان الذين يخالفونني منهم في اللون، أو اللون والثقافة يبالغون في التبجيل والتسهيل، ويقسون على بني جلدتهم، كل ذلك بدافع الخوف من الاتهام بالعنصرية، لكنهم في المقابل يمارسون عنصرية معكوسة، فأنت يمكن أن تكون عادلا مع الجميع، ولا يهمك كلام الآخرين، ويمكنك أن تكون عنصريا في مرحلة ما وتتخلى عن ذلك، حين يتراءى لك زيفه، ويمكن أن تصير عنصريا في أي لحظة، فالحي لا تؤمن فتنته.

لن تقوم قائمة للعدل، طالما أننا نعمل وفي أذهاننا حسابات اللون والثقافة، وقبل سنوات عنون أحد اللونيين البيض مقالا له ب”أربعة بيظان يقاضون سبعة احراطين” (أو شيء قريب من ذلك) بدل أن يقول: أربعة من قضاة النظام يقاضون سبعة من قادة “إيرا” لكنها عقدة اللون.

في آخر القضايا المعروضة المتأثرة باللون، نثرت صحافة اللون المخالف درر الولاء، وبسطت فرش الدفاع عن قضية كان ينبغي أن تبقى في سياقها: صحفي حصل على معلومات تؤكد – حسب زعمه – اختلاس مسؤول محدد لمبلغ محدد، وإيداعه في بنك محدد، هنا ينبغي أن يتوقع استدعاء الشرطة له، وينبغي أن يكون ذلك بالنسبة له كصوت الحجر حين يصل قعر البئر، فهو دليل على نجاحه في الجزء الأول من المعركة (خلق الصدى) وعليه الاستعداد للجزء الثاني.

طبيعي أن يدافع المتهم عن نفسه، وأن يطمس الأدلة إن كانت موجودة، وفي المقابل بديهي أن الصحفي توقع ذلك، فاحتفظ بوثائق سحب المبلغ، ورقم الحساب والشيك المصرفي، وسيعرض أدلته في قاعة المحكمة!

إذا لم تكن لدى الصحفي أدلة، فما فعله اتهام يمس مصداقيته، ويعرضه للعقاب، وينبغي أن يكون مستعدا لدفع ثمن ذلك كأي إنسان يتهم شخصا بالسرقة، بغض النظر عن مهنته ولونه، ويعجز عن إثباتها عليه حتى ولو كنا جميعا متفقين على أنه سارق.

حاصله: اتركونا من لونيتكم نبن دولة عادلة، ننعم في ظلها بالمساواة، فإننا مؤمنون بأن الدول لن تستقيم وفيها الظلم، واتركوا العدالة تأخذ مجراها، فإن من ظلم الصحفي أن يكتب ولا يكون لكتابته أثر، ومن ظلم الناس أن نستحل اتهامهم بدون دليل..

التسويات القبلية واللونية والمهنية تئد القضايا العادلة، فيسدل الستار على مسرحية بقي منها فصل، فما عرف الجمهور ألمسؤول سارق أم الصحفي كاذب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى