أقلام

جميل منصور يدون عن الارتهان للخارج (نص التدوينة)

 

 

 

لم تكن كثير من التعليقات التي يتفضل بها البعض لتلفت الانتباه بحكم طبيعة أصحابها ومواقفهم الحدية التي يتخذونها بناء على اصطفافات مغلقة وأحكام مسبقة ولكن ما كتبه أخيرا من أقدره وأقدر وضوحه جعلني أتناول موضوع الأجنبي والاستقواء به وحكام العرب والربيع العربي راجيا أن لا أبالغ ولا أتحامل :
1- من المهم أن يكون الموقف من الاستبداد والظلم وانتهاك الحريات مبدئيا وعاما ولايتغير نظرا للون الإيديولوجي لهذا النظام أو ذلك الحاكم ، أزعم أن معظم المدارس الفكرية قومية وإسلامية ويسارية وليبرالية تعايشت مع الاستبداد أو مارسته أو سوغته ، قد لا تكون بنفس المستوى فبعضها طال استبداده وتعددت الدول المتضررة منه وبعضها اشتهر عنفه وشاعت قصص وحشيته وكثر ضحاياه ولكن الجميع مطالب بالمراجعة وإعلان القطيعة مع كل مايبرر الاستبداد اويسوغه او يسوقه ،والاستبداد شر كله وخيره – إن كان – مؤقت وعابر ومجير .
2- من الإنصاف القول إن بعض الأنظمة التي حكمت بلدانا عربية كبيرة في فترات ماضية اتسمت ببعض الوطنية وكان لسياساتها التحررية أثر إيجابي يذكر وإن نغص على ذلك نهج الأحادية ومضايقة الحريات والنيل من المعارضين الذي بالغت فيه هذه الأنظمة أما أنظمة أخرى اتخذت ذات الشعارات وتبنت نفس العناوين فقد جمعت بين التخلف والاستبداد والفساد وأهدرت أغلب استحقاقات المواطنة.
نحتاج قراءة تقويمية لتاريخ منطقتنا وأمتنا فالظاهر أن العامل الوطني الرافض للأجنبي كان غالبا في طرف وكانت الدعوة للحرية والديمقراطية غالبا في الطرف الآخر ، من هنا يكون تحرير النزعة الوطنية من الاستبداد والنزعة الديمقراطية من التبعية ضرورة ملحة.
3- ليس صحيحا أن التيار الاسلامي دعم غزو العراق ، الغالب على التيارات الاسلامية في العالم هو إدانة الغزو الأمريكي للعراق والمعروف أن طرفا رئيسيا في المقاومة العراقية كان إسلاميا بل إخوانيا على وجه التحديد وظل من بعد يتخذ من هيئة علماء المسلمين في العراق إطارا ومظلة وموقفها مشهورومعروف ، وحده الحزب الاسلامي العراقي – على استنكار صريح من أغلب إخوانه – تعاطى مع مخرجات الاحتلال وأصبح طرفا في الهيئات المشكلة حينها متبعا في ذلك منطق التعامل مع الأمر الواقع .
4- موضوع الاستقواء بالخارج واستنكاره وارد ممن يشتهر عنهم رفض الأجنبي ويعرف عنهم التعلق بمنطق الوطنية والاستقلال أما الأنظمة التي تأسست بدعم الأجنبي واستمرت بحمايته واشتهرت من بين العالمين بأنها جزء من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة فحديثها عن استقلال القرار واستهداف الخارج لها يفتقد المصداقية
في الأشهر الماضية تابعنا جميعا أخبار الصفقات مع الولايات المتحدة وقيمتها وسمعنا عن مساعي تصفية القضية الفلسطينية وما أصبح يعرف بصفقة القرن ، ألأن حكومات غربية وجهات غربية – وحسنا فعلت – نددت بقتل وحشي لصحفي حر داخل قنصلية السعودية في اسطنبول نشرع في حديث عن الأجنبي والاستقواء به ضد بلد عربي !
5- من الحيف والظلم الحديث عن نتائج كارثية للربيع العربي ، عند البعض يبرز النظر المزدري للشعوب التي انتفضت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة وتصويرها أنها حراك تدمير رعته بعض الجهات الأجنبية والحقيقة خلاف ذلك
لقد عانت شعوبنا أكثر من أي منطقة أخرى من الآثار الخطيرة للاستبداد والفساد والتخلف ، فانتفضت تطالب بكرامتها وحقوقها ، في حالتين أطاحت بنظامين مشهورين بالاستبداد والتبعية بأقل الخسائر ( تونس ومصر ) وفي اليمن تم الالتفاف على حراك الشعب بجهود محلية واقليمية مهدت للإنقلاب الحوثي فحرب التحالف ،وفي ليبيا وسوريا استعمل النظامان فيهما أشد أنواع القوة والعدوان ضد الثوار السلميين مما دفع لعسكرة الحراك – وهو ما انتقده الكثيرون – فسارت الأمور إلى مآسي مسؤوليتها تقع على الطغاة البادئين والغلاة المتشددين والغزاة المستهدفين .
لا يعني هذا أنه لم ترتكب أخطاء في مسيرة الربيع العربي بل ارتكبت ، ولا يعني أن مخرجاته والحكومات التي تمخضت عنها انتخاباته لم تواجه عثرات وسقطات بل واجهتها ولكن هذا شيئ والحديث عن التدمير العربي ! شيئ آخر
المسؤول الأول عن المآل المأساوي في البلدان العربية هو الانقلاب والاستبداد يساعدهما ويتخادم معهما التطرف والتدخل الأجنبي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى