أقلام

في الديمقراطية والحكامة والتنمية!…/ د. محمد ولد عابدين

 

 

 

لامراء فى أن البلد يمر بلحظة تاريخية فارقة ، ومرحلة سياسية مميزة فى أسلوبها ومنهج حكامتها ؛ عناوينها : القيم والأخلاق والإخاء ، ومضامينها البناء والنماء والرخاء ، متسلحة بقوة الحكمة وحكمة القوة ، مستعينة بنصاعة الحجة وأصالة الرؤية ، مستلهمة وضوح التصور وعقلانية الإنجاز.

 

غير أن المبشرين بالمرحلة و”المذيعين” لخطابها ؛ ينبغى أن يكونوا رجالا بحجمها.. خارجين من رحمها ؛ تأسيسا لقطيعة ابستمولوجية مع التفكير الإيديولوجي الغائي ، والطرح السوسيولوجي البراكماتي ، والهذيان الحربائي الذاتي.

 

إن هذا الثالوث هو أخطر مايواجه المرحلة ، فالوجوه المعروفة والأقلام المألوفة والمقالات “القديمة الجديدة”..تشكل إساءة بالغة لهذا الصرح الحضاري الأخلاقي، والمشروع التنموي القيمي!…

 

وانطلاقا من منظور شمولي حداثي منفتح على كل المقاربات الفكرية والإسهامات العلمية ؛ فى شتى المجالات التنموية والتجارب البشرية العالمية ، تتأكد حاجة الموريتانيين – أكثر من أي وقت مضى- إلى صياغة وبلورة “مشروع مجتمع مؤسسي حداثي” يرتكز على منظومة قيم معاصرة ، تحدث قطيعة سوسيو – ثقافية مع تراث “البداوة ” وإرث ” السيبة” من أجل تجذير مفاهيم الديمقراطية والحكامة والتنمية ، وتكريس قيم الدولة المدنية ، وترسيخ ثقافة القانون والنظام والكيان المؤسسي الجامع.

 

لا جدال  فى أن الديمقراطية نظام سياسي حديث من أرقى نظم الحكم التى توصلت إليها البشرية ، و أنها تشكل آلية ناجعة ووسيلة حضارية للتداول السلمي ، وتدبير وتسيير الشأن العمومي.

 

إننا فى حاجة ماسة إلى صون مكسب الديمقراطية بالاحتكام إلى صوت العقل والمسؤولية ، وتفعيل هذه العلاقة العضوية حتى تصبح الحوارات والنقاشات  فضاءات لتلاقى النخب الوطنية ؛ إسهاما فى بناء الإنسان وترسيخ قيم الأوطان.

 

وذلك أهم مدخل للتحول من النظرة السلبية والرؤية العدمية ..والفهم العقيم والفكر السقيم!.. من أجل الإقلاع نحو مداءات رحبة ومساحات خصبة ؛ من النقد الموضوعي البناء والتعاطي المنهجي العميق ، والتفكير الإستراتيجي الأصيل والتخطيط الاستشرافي الرصين لكل مشاغلنا العامة وقضايانا الوطنية الكبرى  .

 

وحينها يصبح العمل الديمقراطي ترجمان الوعي..وعنوان السعي لبناء صرح الثوابت والمشتركات وترتيب الأولويات  ؛ سبيلا إلى تجاوز التحديات وتصحيح الاختلالات بقلوب مفتوحة وعقول مستنيرة ؛ وعبر آليات التشاور الديمقراطي والحوار الحضاري الراقي.

 

 

ولابد لإرساء ديمقراطية حقيقية وحكامة نموذجية من تجذير الوعي المدني و ترسيخ ثقافة المواطنة ، وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية الحديثة ، وتوطيد دعائم الحكم الرشيد ، والقضاء على البيروقراطية والرشوة واختلاس المال العام ، ومحاربة شتى أنساق وأصناف الفساد الإداري والمالي.

 

ولامناص  للوصول إلى ذلك من منطلقات سليمة ، تؤسس لقيم أخلاقية جديدة فى الحكم ، قوامها سيادة القانون والإنصاف  والعدالة والمساواة ، وغايتها احترام الحقوق وحماية  الحريات ، ومنهجها تعزيز وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة لإشاعة قيم النزاهة والشفافية والكفاءة المهنية فى إدارة المصادر البشرية و تسيير الموارد المالية العمومية.

 

ومن غرائب الأمور ومفارقاتها أن النخب الثقافية والفكرية والسياسية التي تتغنى بالقيم والمثل والمبادئ ، ما إن تتولى مسؤولية فى تسيير الشأن العام – فى الغالب- حتى تغرق فى الوحل ، وتبدأ فى ممارسة الفساد متنكرة لمبادئها وقيمها ، والأغرب من ذلك أننا نجد بعض من مارسوا الفساد فى هذه البلاد يتنطعون أمام الملإ ، ويتحولون بين عشية وضحاها إلى واعظين ومصلحين ومدافعين عن قيم الديمقراطية والجمهورية.

 

إننا بحاجة ماسة إلى التأسيس لنهج جديد فى الحكامة ، قائم على المساءلة والمحاسبة ، و البحث عن الخبرة والكفاءة ،  والقطيعة مع ممارسات الفساد و الزبونية والمحسوبية ، والحث على التسيير العقلاني الراشد للثروات والموارد العمومية ؛ الموجهة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الرفاهية للمواطنين ؛ بوصفهم الثروة الحقيقية  ووسيلة التنمية وغايتها.

 

د.محمد ولد عابدين

أستاذ جامعي وكاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى