المختصر القصير في ثقافتي إتگيدي واتمحصير/خطره أبي
في هذه التدوينة سأحاول التجرد من كل العواطف والتحلي بقدر من الموضوعية حتى أعالج هذه المواضيع وذلك من وجهة نظري المتواضعة من أجل إنارة الدروب للأجيال حديثي السن ممن يسمعون عن مفاهيم ولا يعرفون مدلولاتها ولا أصول تسمياتها وأنا هنا لا أريد النيل من أي شريحة أو تلميع صورة لأخرى من خلال ما سأخلص إليه , فأنا أعتبر نفسي دائما على نفس المسافة من الجميع وأنتزع الأعراق منهم جميعا .
والمفاهيم التي سأعالج هي :
اتمغفير , استزوي , استحسين , اتمربيط و مشتقاتها ومن بعد ذلك الخلوص إلى اتمحصير , واتكيدي .أستدمين واديمين .
أتمغفير : نسبة إلى مغفر بن أحمد (أُدي) بن حسان , ويتماهى هذا المصطلح مع مجموعة من القيم النبيلة منها العفة والترفع عن الخنا وجميع النواقص المزوية بالمروءة .
استحسين : نسبة إلى حسان الأصغر وهو جد مغفر وإخوته وهذا المصطلح يحمل شحنة بصفات أخرى كالصعلكة واستباحة الأعراض والأموال وهي مناقضة تماما لصفات اتمغفير .
يقول الشاعر الحساني زاجرا عن تلك الصفات : ” ؤ لاتحامر صنعت حسان “.
استزوي : نسبة إلى الزوايا وهم المنزوون لطلب العلم و تدريسه .
اتمربيط : وهو مصطلح يجانس المسكنة والضعف والذل والخنوع .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا وجود لصيغة الجمع في كلمة ” أمرابط” التي منها “أتمربيط” وكلمة “حساني” التي منها “أستحسين ” وذلك عكسا للكلمات : مغفري وجمعها امغافرة و زاوي وجمعها ازواية.
وهي ملاحظة لا أذكر أني وقفت عليها سابقا أو سمعت أحدا يتكلم عنها ويمكني تعليلها بأن المتصف بهتين الصفتين غالبا ما يكون منفردا عن جماعته الأصلية الحاضنة له :
ف”الحساني” مثلا هو المنفرد من “لعرب” بأفعاله المشينة عن حاضنته التي لا تقر أصلا هذا النوع من الاخلاق وتبغض المتخلق بها وتعيره بها في الملإ وغالبا ما تكون البيداء موطنا له وذلك لأنه لا يجد من يحتضنه بسلوكه الجديد .
تماما مثلما أن “لمرابط” ينفرد عن أهله وحاضنته الاجتماعية “الزوايا ” لأسباب من أهمها التكسب بالعلم (وهو معرة لأن العلم أصلا بالنسبة لهم يؤتى ولا يجلب), فيستقر به المقام غالبا في حي من “لعرب” فيجردونه من اسمه ويسمونه ب “لمرابط” بصغة المفرد ويصبح مسكينا ضعيفا لا يحق له مجالسة النبلاء في الحي ’ فينسج روابط في أطراف الحي تنشئ لديه مزيدا من الذل و الهوان :
” الل ماهو فاكبيلو , حبشه تكلع ليلو “.
ومن المعروف أن كل من يريد أن يستنقص من أحد من “الزوايا ” فإنه يخاطبه ب”لمريابط” وهي تصغير لكلمة “لمرابط” , وكذلك كل من يريد أن يستنقص من أحد من “لعرب” فإنه يخاطبه ب ” احسيسيني ” وهي تصغير لكلمة “حساني” .
وتمكن ملاحظة جليا أنه لا وجود للتصغير في كلمتي ” مغفري” و لا “زاوي” لأنهما ببساطة مبنيتان على المدح وما بني على المدح لا يجوز في حقه التصغير أبدا .
أتكيدي : مشتقة من ” إيگيدي ” أو”إِگِـئْـذِ ” بالصنهاجية تعني الآبار الطوال بعيدة الماء لينة التراب سريعة الإنهدام وإيگيدي هو المنطقة الجغرافية الممتدة على الشريط الرابط بين المذرذره وتكند من بوكديره جنوبا وحتى أنيفرار شمالا
وتعتبر المذرذره(الصنكه) عاصمة هذ الكيان .الذي تستوطنته مجموعة ” تشمشه ” منذ قديم الزمان فكان الحاضن لكيانها والمنظم لمنظومة قيمهما المعروفة باتگيدي .
و”أتكيدي” هي ثقافة فعلية في الأساس ترتكز على نوع من الظرافة بمعناها العام وبعد النظر وسد الذرائع وهي تحمل في طياتها نزعة صوفية خفية تترجم درجة من الزهد في أمور الدنيا و تتجلى في عدم إعطاء الأمور فوق حقها من الاهتمام دون إهمالها وعدم التصريح والاكتفاء بلسان الحال في بعض المقامات ومن هذه الثقافة رافد قولي يعتني بالتلاعب باللغة والألفاظ وقد نشأ “أتكيدي” أولا في علية القوم من اهل “لفريك” ليتمدد بعد ذلك ويشمل مناطق أخرى ربما تكون خارج الحيز الجغرافي سالف الذكر .
ويتماهي “اتكيدي” إلى حد بعيد مع “الديمين” حيث يشكل “الديمين” الرافد القولي له ، في حين أنه يعتبر ” استدمين” أول إرهاصات “الديمين ” ذلك لأن استدمين( تطبع) بينما الديمين ( طبع ) ، فإذا استمرأ الرجل “استدمين” صار “مديمن” أما إذا زواج ما بين “أستدمين” وقلتة فإننا نقول إن “طبعه يغلب على تطبعه” ولذلك لا يمكن وصفه إطلاقا ب “مديمن” ف “الديمين” عباءة من لبسها لا يتجرد منها إطلاقا .
ويتأسس “الديمين ” الذي هو الرافد القولي ل “اتكيدي” على مأثورات منها أن :
“استدمين ثلثين منُّ السَّبْلَ و الثلث لَوْخَرْ الاَّ السّبلَ”
“لِمْرُوَّ تَعْكَبْ الصبر” .
“الكذب احرام والحگ ماينگالْ “.
“إلِّ گالْ إل فاخلاگ ما يبگ فأخلاگُ شِ ”
“مالاهي يخْسرْ شِ ويلا اخسرْشِ ما اخْسرْ شِ”.
.
أتمحصير : وهو مصطلح مشتق من كلمة ” محصر ” وهو حلة الإمارة ويقابله ” أفريك ” بالنسبة لمجموعة الزوايا :
أفريك أهل العلم والجاه ….لكبير الل ماكط اخطاه
برك أكبير ؤيحسن قراه ….ؤلاكط ؤمرمد عند حد
نكري حد إبرك فاقصاه ….ما عاد امبرك عند أحمد
و” أكصر” بالنسبة للزنوج و”أدباي” بالنسبة للحراطين مع أن هذه الأخيرة لا وجود لها إطلاقا في ولاية اترارزه عموما و بالأخص في منطقة ” إكيدي”.
و”أتمحصير” ثقافة نشأت بداية في أطراف “المحصر” لكن سرعان ما امتدت لتشمله لا بل وتتجاوزه إلى بعض الفركان المحيطة به وخاصة تلك التي لديها روابط وثيقة مع الإمارة و”أتمحصير” ثقافة تتقاسم مع “أتكيدي” نفس الحيز الجغرافي تقريبا وكل منهما متمم للآخر وهو ثقافة قولية في الأساس ومن أهم مرتكزاتها سرعة البديهة والصراحة والطرافة والظرافة وطريقة الكلام ونبرته ’ حتى إنه يمكنك أن تميز “المتمحصر” من خلال سماع النوتات الموسيقية لكلماته لأن لها وقعا عذبا في أذن السامع ، وإذا كنت أخي القارئ تريد أن تتعرف على هذه الثقافة فما عليك سوى الإستماع إلى الأخ الغالي العميد محمدفال ولد عمير ولد أبي، لأن حديثه الشيق مثال حي على تلك الثقافة الجميلة .
وفي الأخير حري بنا الإشارة إلى أن ثقافة “أتكيدي” تشهد تراجعا في أوساط الشباب المنحدرين من منطقة ” إكيدي ” عكس ثقافة “أتمحصير” التي تشهد تعلقا كبيرا من طرف هؤلاء الشباب غافلين أن آبائهم كانوا لا يجدون صعوبة في الخلط ما بين هاتين الثقافتين ’ لكن الطامة الكبرى هي أن “أتمحصير يواجعه ماهو لاصكهم ” لأنهم لم يتربوا في حاضنته الأصلية “المحصر” ولا احتكوا بأهله الأصليين وليست لديهم ارتباطات بتلك الفركان التي ينظر إليها على أنه امتدادا له .