هذا ما كتبه الرئيس المختار عن الانقلاب عليه وسجنه
10 يوليو.. من نواكشوط إلى ولاته
————————————
منذ بداية السبعينيات، وقبل أن تبدأ حرب إعادة التوحيد الوطني، كانت أجهزة استخباراتنا تشير من حين لآخر إلى أخبار عن رجل الشارع مفادها أن بعض الضباط ينوون القيام بانقلاب. ومعلوم أن تلك الأجهزة آنذاك ما تزال في طور النشأة، ممثلة في مكتب الدراسات والتوثيق التابع لرئاسة الجمهورية وإدارة الأمن التابعة لوزارة الداخلية. غير أن تلك الأخبار، التي أصبحت أكثر اطراداً بعد انطلاقة الحرب، لم تقدم شيئاً محدداً، ومع ذلك عززتها معلومات وردت من الخارج. فقد أطلعني الملك الحسن الثاني أثناء لقائي به في مراكش خلال شهر نوفمبر أو ديسمبر 1977، على معلومات وردت إليه تفيد بأن انقلاباً يتم الإعداد له بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. وقد ذكر مضيفي أن مصدر تلك المعلومات هو شاب موريتاني يدعى ولد الوافي الذي قدَّم في البداية أخباراً سرية إلى الأستاذ بوعبيد مفادها أن الجيش الموريتاني يعد انقلاباً للإطاحة بي. ثم أدلى ولد الوافي نفسه بمعلومات مماثلة إلى أحد أعضاء الديوان الملكي قام بتسجيلها. وقد اقترح الملك أن يمدني بنسخة من التسجيل الصوتي. ولكنى رغبت بلباقة عن هذا العرض نظراً إلى أنني لا أودّ أن يتدخل أجنبي في شؤوننا الداخلية ولو كان صديقاً وحليفاً مرموقا. فهل كنت على حق؟ الله أعلم.
وقد أبلغني الرئيس موبوتو في شهر فبراير 1978، وأنا في ابروكسل، أن «… المعلومات الملتقطة من أوساط المعارضة الزائيرية في بلجيكا، تفيد بأن الجيش الموريتاني يعد انقلاباً للإطاحة بك. وقد ورد اسم أخٍ لسفيرك هنا ضمن المتآمرين…». ويتعلق الأمر بالرائد أحمدو ولد عبد الله قائد المنطقة العسكرية السادسة المكلفة أساساً بالعاصمة، وهو ابن عم السفير المعني وسميه.
وخلال اجتماع المكتب السياسي الوطني المنعقد يوم السبت 8 من يوليو 1978 أطلعنى أحمد ولد الزين، عضو تلك الهيئة، على فحوى حديث دار بينه وبين سيدي أحمد ولد ابنيجاره عشية اليوم السابق مؤداه أن انقلاباً وشيكاً قد تم الإعداد له بتمالؤ من كافة مسؤولى الجيش وقوات الأمن، بما في ذلك قائد الأركان الوطنية وقواد المناطق العسكرية وقائدا الدرك والحرس الوطني. وقد أحلت أحمد ولد الزين على وزير الدفاع الوطني محمذن ولد باباه الحاضر بدوره اجتماع المكتب السياسي الوطني بحكم عضويته فيه. ولم أشعر أي أحد سواه بالخبر بما في ذلك وزير الداخلية ممادو ساغو.
لكن لماذا تصرفت بهذه الطريقة؟ لأنني فكرت في أمرين:
– أحدهما أن يكون الأمر مجرد إنذار كاذب، وفي تلك الحالة فإن الوقت غير ملائم لتثبيط عزائم قواتنا المقاتلة بإظهار أي نوع من الريبة نحوها في وقت تحتاج فيه إلى أقصى ما يمكن من التشجيع لتمكينها من القيام بمهمتها المقدسة المتمثلة في الدفاع عن حوزة الوطن المهددة.
– أما الأمر الثاني فهو أن تكون المعلومات دقيقة، ويلزمني بالتالي أن أفكر مليا في أنجع السبل لمواجهة الوضع الجديد. وبما أن المعلومات شبه مؤكدة، فقد كان علي أن آخذها بالحسبان وأن أفكر في فرضيات شتى للتصدي للموقف. وكانت أول فكرة خطرت ببالي هي، بطبيعة الحال، البحث عن طريقة لإفشال خطة الانقلابيين. فكيف ذلك؟ يتطلب الأمر اجتماعا طارئا لمجلس الوزراء في اليوم نفسه لعزل المسؤولين العسكريين الضالعين في العملية وتعيين من يخلفهم وفقا للإجراءات القانونية المعمول بها. وهكذا يتكفل وزير الدفاع الوطني بمن يدخلون ضمن دائرة اختصاصه. وتصبح إذاعة قائمة بأسماء الضباط المعزولين ومن حل محلهم كافية لمباغتة الانقلابيين وإفشال خطتهم. وقد راودني هذا الحل للوهلة الأولى، لكنني عدلت عنه في النهاية لعدم التأكد من نتائجه. وعليه، فإن عدم الجزم – أو نقص الحزم كما يحلو للبعض أن يقول – جعلني أتخلى عن ذلك الخيار لسببين لا يختلفان كثيراًً:
– أولهما خطر المواجهة بين الأوفياء من جيشنا وقوات أمننا وبين الانقلابيين، وما ينجر عنها من سفك الدماء في صفوف هؤلاء وأولئك.
– أما السبب الثاني فمرتبط بالانعكاسات السلبية الكبيرة لمثل هذا الوضع على مقاتلينا في خطوط الجبهة. وبالفعل، فإن حرمان قواتنا – ولو لوقت قصير – من قياداتها المحلية ومسؤوليها على مستوى الأركان في نواكشوط، سيعرضها للتشوش والهلع بل وللفوضى. وفي سياق مشابه تصبح أكثر هشاشة وضعفا في مواجهة العدو. ولتفادي هذا الاحتمال، وبعد تفكير ملي، قررت بكامل الوعي وإملاء الضمير أن «أتركهم يفعلون ما يريدون».
فقد فضلت التضحية بنفسى وتحمل النتائج المترتبة عن فقد السلطة عوضا عن إثارة صدامات دامية وشقاقات لا تجبر بين صفوف مواطنينا وإضعاف مقاتلينا الذين يجابهون العدو في ظروف صعبة آنذاك. فهل كان هذا هو القرار الأمثل؟ إن الحكم على ذلك متروك للتاريخ، وأرجو أن يكون حكما موضوعياً. ولكن ما يهمني قبل كل شيء هو حكم الله، ذلك الحكم الذي أرجو به النجاة في الدار الآخرة.
وفى الوقت الذي أنهى فيه تحرير هذه المذكرات، فإن رأيي لم يتغير وما زلت أفكر بالطريقة نفسها.
وبوسعي أن أتفهم أنني قد أصبحت عقبة في نظر البعض، بمن فيهم العسكريين. وقد كان بوسعي أن أتنحى طواعية شريطة استمرار نضالنا من أجل إعادة توحيد الوطن بشكل قد يكون أفضل. وبالمقابل لا يمكنني أن أتصور أن وطنيين وضباطا موريتانيين سيتركون مكاسب عشرين سنة من جهودنا تنهار خلال بضعة أيام وأسابيع أو أشهر. كما لا أستطيع أن أتصور تراجعهم واستسلامهم. لذا ألتمس الصفح من مواطنينا عن النقص في تصور ما آلت إليه الأمور.
وقبل الحديث عن الانقلاب، تجدر الإشارة إلى أنني ترأست مؤتمرا يوم 3 من يوليو 1978 ضم جميع المسؤولين العسكريين على المستوى الوطني والجهوي، واستمر ذلك اللقاء ثلاثة أيام. وخلال جلسة الافتتاح، بادرت إلى التنبيه إلى أن نقاشاتنا يجب أن تسودها الحرية المطلقة وأن يعرب كل واحد عن ما يدور بخلده دون أدنى تحفظ.
وقد استعرضنا الأوضاع العسكرية بكافة جوانبها في جلسات مغلقة، وأعرب الجميع عن الصعوبات التي تعترضهم في مجال الوسائل البشرية واللوجستية. ولم ألاحظ أي موقف «جبان» ولم أسمع أي كلام انهزامي. ومع أن المشاركين لا يبدو عليهم التحمس، فإن الجو العام يطبعه الارتياح. وعليه، يمكن القول إنهم استطاعوا إخفاء نواياهم الانقلابية بمهارة ونفاق.
ولدى اختتام المؤتمر، ركزت بإلحاح على قضيتين هما متابعة حرب التوحيد الوطني وإدانة الرشوة. فقد أكدت في القضية الأولى على أن بلدنا المعتدى عليه سيستمر في الدفاع حتى النهاية ولن يستسلم. أما في القضية الثانية، فقد أنذرت من أخاطبهم عواقب اختلاس الأموال الموضوعة تحت تصرفهم وسوء تسييرها الذين أصبحا حديث الناس. وقد أعلنت لهم «أنني لن أقبل تصرفات سيئة كهذه. ففي الوقت الذي يكافح فيه البلد من أجل البقاء، تزدهر الأعمال وتسود اللامبالاة واستغلال النفوذ. لقد آن الأوان لتملك النفس ومحاربة الرشوة والسباق نحو الامتيازات والثراء الفاحش لدى العسكريين والمدنيين على حد السواء».
إن هذه الأقوال لم ترق كثيراًً لمستمعي على ما يبدو، فهل كان لها أي دور في المسار الذي آل إلى الانقلاب؟ لا أعلم. وعلى أية حال، فقد رأى البعض – بمن فيهم بعض معاوني – أن ما قلته في الاجتماع العام لكافة كبار المسؤولين العسكريين كان بالإمكان التعبير عنه بطريقة أقل صراحة (مراعاة لحساسيات المخاطبين وكبريائهم). ولم أكن بطبيعة الحال أتبنى هذا الرأي. ولذلك أبلغت في مراسلاتي التي وجهتها في تلك الفترة إلى وزير الدفاع الوطني وبقية الوزراء، عن الضباط السامين الذين لا يوفون بالالتزامات المستحقة عليهم. وقد نُص عليهم بالاسم وحددت مبالغ المتأخرات الضريبية المستحقة عليهم.
* *
وسأتطرق بإيجاز في الصفحات التالية إلى الفترة التي كنت فيها رهن الاعتقال منذ فجر العاشر من يوليو 1978، مروراً بفترة الإقامة بالهندسة العسكرية، وسفري من نواكشوط إلى ولاته عبر العيون والنعمة في الخامس عشر من يوليو 1978، وإقامتي بولاته منذ ذلك اليوم وحتى الثاني من أكتوبر 1979 وما تخللها من ظروف صحية استدعت رحلتين قصيرتين إلى كيفة. ثم سفري من ولاته إلى نواكشوط مروراً بالنعمة والعيون. ويتعلق الأمر باختصار بفترة اعتقالي وما تخللها من أحداث تاريخية أود أن أسلط عليها ما أمكن من أضواء كاشفة حتى يدركها من لم يعشها من مواطنينا.
ففي ليلة الاثنين العاشر من يوليو، كنت نائماً بمفردي في غرفة النوم الموجودة بالطابق العلوي من القصر الرئاسي، في حين كانت مريم في سفر إلى دكار على رأس وفد من النساء الموريتانيات للمشاركة في مؤتمر للحقوقيات. وكانت نفيسة ترعى أطفالنا الثلاثة وهم نيام في غرفتيهم الكائنتين في نفس الطابق العلوي الوحيد بالقصر. وفي حدود الساعة الرابعة صباحاً، استيقظت على أصوات عدد من محركات السيارات تتوقف أمام المنزل قرب سارية العلم. وقد استنتجت من هذا الحضور الغريب أن الأمر يتعلق بغاصبين. وعندها نهضت وارتديت الملابس الوطنية التقليدية. وما هي إلا لحظات حتى دق باب غرفتي، ففتحت فإذا أمامي مرافقي العسكري الملازم الأول مولاي هاشم ومعه شاب آخر في نفس الرتبة لا أعرفه. وقد علمت فيما بعد أنه الملازم الأول المختار ولد السالك أخو الرائد جدو ولد السالك. ويرافق هذين الضابطين ثلاثة جنود مسلحين. وقد خاطبني الملازم الأول مولاي مؤديا تحية عسكرية خاطفة، ولا إرادية فيما يبدو، قائلاً بتلعثم وعصبية شابها أدب: «السيد الرئيس، لقد سحب منكم الجيش ثقته فلتتفضلوا بمرافقتنا». وفي هذه اللحظة انتابتني رغبة عابرة للشروع في نقاشات قانونية لتوضيح أن الجيش لا يستطيع انتزاع ما لا يملك، وأن عليه أن يلتزم حدود الشرعية القانونية. ولكنني عدلت تلقائياً عن الفكرة التي خطرت بي ولم أنبس ببنت شفة. وتابعت خطا زواري حتى هبطنا إلى الطابق الأرضي حيث كانت سيارة لاندروفير في انتظارنا ملاصقة لباب الصحن. وأثناء صعودي إلى السيارة، طلبت من مرافقي أن يذهبوا بأطفالي، بعد استيقاظهم إلى منزل أختي أمامه وابن خالي أحمدو ولد محمود لابراهيم.
ثم ركبت إلى جانب السائق الذي ارتعش بقوة لدرجة أنه لم يتمكن من تشغيل المحرك رغم ما أحدثته رزمة مفاتيحه من ضوضاء، ولذا طلبت منه أن يهدأ. واستطاع في النهاية أن يشغل المحرك وينطلق. وكان الملازم الأول المختار يجلس خلفى ومعه جنديان. أما الملازم الأول مولاي فكان أمامنا في سيارة لاندروفير تتقدم الركب. وتبعتنا مجموعة من سيارات لاندروفير. وقد سارت القافلة عدة كيلومترات على طريق الأمل قبل أن تحول اتجاهها إلى مقر الهندسة العسكرية المعروف اختصاراً بـ«جيني». وفي الطريق انحنى الملازم الأول المختار نحوي قائلاًً في أدب وتأثر باد من الصوت: «السيد الرئيس اطمئنوا فلن يصيبكم أي مكروه».
فأجبت قائلاًً: «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».
ولاحظت فور وصولنا «جيني»، الواقعة وقتها على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرقي نواكشوط، وجود كثير من الجنود في حالة تأهب عند بوابة المعسكر وحول كتلة البيوت حيث يوجد المكتب الذي آواني قرابة ساعتين، وهو على ما يبدو مكتب قائد المعسكر. وقد بقيت في هذا المكتب وحيدا جالسا على كرسي أشعر براحة بال تامة منذ البداية.
ويحرس المكتب جنديان ملثمان يقفان طورا ويمشيان طوراً آخر أمام الباب. وعند بزوغ الفجر طلبت وَضوء، فأحضره أحد الجنود في إناء ومعه حوض بلاستيكي ومنشفة. ثم قدم لى غطاء نظيفا يحل محل سجادة للصلاة. وبعد أن أديت الصلاة، اقترح علي بالإيماء أن أستريح على سرير من أسرة المعسكر وضع في زاوية من المكتب. والغريب أن هذا الجندي المهذب في سلوكه لم يسألنى ولم يجبنى إلا بالإشارة، فلماذا؟ لا أدرى. وعلى كل فقد أجبته نطقا أنى لا أرغب في الاضجاع، ولا أشعر بالنصب. ولذا أفضل البقاء جالسا في الكرسي أفكر في هشاشة كل ما هو بشري وضعفه…
وفى حدود الساعة الثامنة وقفت أمام المكتب شاحنة صغيرة مغطاة من طراز 404 أو405 وطلب منى أحد حارسي المكتب في أدب، وبأسلوب الإشارة دائما، أن أخرج من المكتب واستقل السيارة. وهكذا جلست بجنب السائق الذي كان ملثما هو الآخر.
وفي الخلف ملازم أول شاب وعدد من الجنود المسلحين. وقد لاحظت أثناء عبورنا لجزء من المعسكر أن وضعية الجنود لم تعد على ما كانت عليه إبان وصولنا. وتوقفت السيارة أمام فيلا زينت بعض أجزائها أزهار نبات الجهنمية. وكان ينتشر من حولها العديد من الجنود المسلحين.
وأمام هذه الفيلا، استقبلني قائد المعسكر النقيب آتيى بأدب وأدى لي خلسة تحية عسكرية لا إرادية، فيما يبدو، على غرار ما وقع للملازم الأول مولاي.
أما ما يتعلق بسلوك العسكريين تجاهى خلال فترة اعتقالي (من 10 يوليو 1978 إلى 2 أكتوبر 1979)، فالحق أقول إننى لم أتعرض في أي لحظة لأدنى تصرف غير لائق من حراسى في السجن. فلم يخطئ في حقى أي عسكري، ضابطا كان أو ضابط صف أو جنديا، بل إنهم على العكس من ذلك عاملوني بإجلال. فقد ظل كل واحد منهم يبرهن حسب أسلوبه ودرجة تحضره على ما يكنه لى من احترام.
وقد رافقنى النقيب آتيى وأحد ضباط الصف إلى الغرفة الرئيسة في الفيلا، وهي غرفة متسعة غطيت أرضيتها بالزرابي، تحتوي سريراً كبيراًً ودولاباً به مرآة. وفي الغرفة المجاورة توجد مرافق للنظافة والاستحمام ودورة مياه مزودة بالماء البارد والساخن بفضل مسخنة تعمل بالغاز. ويفصل الغرفة عن بقية الفيلا صحن صغير. ثم سألنى النقيب آتيى عن الوجبة المفضلة لدي في الإفطار والغداء والعشاء، مبيناً أن كل ما أرغب فيه متوفر بما في ذلك القهوة والشاي الموريتاني والإنجليزي والحليب والخبز والأرز والمعاجين والكسكس واللحم. وقد تعجبت من تلك الوفرة واخترت وجباتى اليومية، تلك الوجبات التي ظلت تقدم بانتظام طيلة مقامى في «جيني» وولاته وكيفه. ففي الصباح أتناول الحليب الساخن أو الطازج إن توفر. وفي الزوال والمساءً يكون التناوب بين وجبة من الأرز باللحم أو الكسكس واللحم. وكانت الوجبات المذكورة تشفع بوجبتين إضافيتين إحداهما ضحى والأخرى بالآصال. وتعرف هاتان الوجبتان ببنافه والعقبية حسب اصطلاح أهل أطار. وتتكون كل منهما من شواء متنوع تتلوه دورة شاي أخضر. والمحصلة النهائية هي خمس وجبات في اليوم!!
ولتفادى البدانة، كان علي أن أحد من الأكل، فكنت أكتفى من بعض الوجبات باللقمة أو المضغة. أما بالنسبة للشاي الموريتاني، فأتناول منه يومياًً 15 كأسا صغيرة، بمعدل ثلاثة كؤوس بعد كل وجبة!
ولا يعنى استعراض هذه الحصيلة أنني كنت نهماً، ولكن تلك الوجبات اليومية الخمس تركت إيقاعها في استخدام جدول زمني الاجتماعي على مدى خمسة عشر شهرُا، حيث كانت فرصة للتحدث مع المرافق الذي يعد الشاي، والطباخ، وأحياناًً أخرى مع المساعد أو الملازم رئيس المركز. ومهما يكن، فإن «من استضافوني» لم يبخلوا علي بالطعام.
وسأعود إلى الوراء قليلاً لأصف أول وجبة إفطار تناولتها في «جيني». فقد كانت حسب طلبي مؤلفة من كأس كبير من الحليب الساخن والشاي الموريتاني. وقد أعد ذلك الشاي على طريقة أعوان الحرس أي أنه كان عاليَّ التركيز! وعلى الفور طلبت أن يكون أقل تركيزا وأكثر خفة، وكان لي ما طلبت. وكان هذا الشاي يعد في صحن الفيلا الصغير، ويتولى أحد الجنود مناولتي الكأس مترعة ويعود بها فارغة، ثم يقوم بإغلاق الباب بالمفتاح. وبعد نهاية الشاي بقيت في الغرفة خلف أبواب موصدة. وعندها تمددت استعدادا للنوم. وما هي إلا هنيهة حتى دُق الباب وفُتح ودخل جنديان يحملان طبق شواء به أجزاء طرية من لحم خروف (أَفَشَايْ) ذبح للتو وفق تقاليد ضيافتنا الأصيلة. وتولى أحد الجنديين تقطيع أجزاء اللحم التي يقع اختيارى عليها، في حين استأنف الثاني مهمة تقديم الشاي.
وكان «زواري» في البداية كلما فتحوا الباب الخشبي أغلقوه خلفهم بالمفتاح مما يجعل الغرفة مظلمة عند إطفاء الضوء، مع أن لها بابا مزدوجا من الزجاج. ولذا طلبت منهم أن يستخدموا ذلك الباب وامتثلوا الطلب. وبحلول الساعة الحادية عشرة لم أعد حبيس الباب المغلق.
وبعيد الظهيرة، حمل إلي النقيب آتيي من المنزل «كرتونا» يحتوى على أدوات نظافتي الشخصية وبعض الملابس الموريتانية. ثم عاد من جديد ليقول «… اطمئنوا فكل شيء على ما يرام». فسألته عن زوجي وأطفالى، فأجاب أن الكل بخير. فمريم تقيم بقصر الرئيس سينغور بدكار، أما الأطفال فمع أختي أمامة كما أمرت. كما طلبت منه مصحفا وجهازا إذاعيا يعمل بالبطاريات، فلبى الطلب دون تأخير. وعلى الفور، أكدت إذاعة فرنسا الدولية الأنباء المتعلقة بوجود مريم في دكار. أما إذاعة نواكشوط فمكنتني من التعرف على قائمة اللجنة التي شكلها الإنقلابيون وعلى رئيسها المصطفى ولد السالك. وكنت أعرف العديد من هؤلاء إما بوصفهم معاونين مباشرين سابقين مثل المرافق العسكري ورئيس ديواني العسكري، أو بوصفهم ضباطا سابقين أعيروا للعمل بالإدارة الإقليمية.
لقد بدأت إذاعة نواكشوط «تغتاب» النظام المخلوع وتتهمه «بكل خطايا إسرائيل». وبكل بساطة، تحولت تلك الإذاعة إلى بوق دعاية يمجد الانقلابيين ويخيل إلى السامع أن البلاد ستعيش في ظلهم عهدا فردوسيا.
وعند سماعي قائمة من ساندوا الانقلابيين، حقاً كانت أم باطلة، لم أتمالك عن الضحك، لأن هؤلاء كانوا بالأمس القريب يتبارون بحماس نضالي داخل حزب الشعب الموريتاني. وقد قادني هذا إلى التفكير مليا في هشاشة العواطف والسلوك البشري ومزاجها المتقلب. إنها قاسم مشترك كما يقال… ولم يكن الأمر مفاجئاً لي على الإطلاق. فقد كنت أكرر على الدوام أنني أتوقع كل شيء ومن أي كان ما دمت رجلاًً سياسياًً. ومع أنني لم أكن نزاعا إلى الريبة، بل كنت أمنح الشخص كامل الثقة، فقد كان الشك يخامرنى باستمرار في صدق نوايا أولئك الذين يعلنون على رؤوس الأشهاد مدى تعلقهم بالسلطة القائمة وإخلاصهم لها… ولذا وجدت أن علاقاتي الشخصية السابقة لسنة 1957 كانت أكثر صدقاً وتجردا، إذ نسجت تلك العلاقات بين فلان والمختار وليس بين فلان والرئيس المختار. وكانت هناك لحسن الحظ بعض الاستثناءات، لكنه الشذوذ الذي يثبت صحة القاعدة.
إن انتهازية أصحاب رسائل المساندة التي بثتها الإذاعة تذكرنى بنموذج مشابه لأحد الانتهازيين تضمنه بيت من الشعر الشعبي (كَاف) يقول صاحبه:
سِيدِ ذَاكْ اَلْجَاكُمْ فَاتْ أكَبَلْكُمْ جَانَ…………. وَاسْوَ عَادْ اَمْعَاكُمْ وَاسْوَ عَادْ اَمْعَانَ
ومؤدى هذا الكَاف: أن سيدي الذي أصبح الآن في صفكم كان فيما مضى في صفنا، ولا نبالى إذا كان معكم أو كان معنا.
وفى صبيحة الحادي عشر طلبت بعض الجرائد، فاستجيب لطلبى بسرعة، حيث حصلت على جريدة الشعب الموريتانية بالعربية والفرنسية، وجريدتي لصولي Le Soleil السينغالية، ولموند Le Monde الفرنسية.
وفي يوم 12 طلبت من النقيب آتيى، الذي تبين أنه عضو في اللجنة العسكرية، أن يحضر لى بعض الكتب التي أتذكر مواقعها بالضبط في مكتبتى. ومن بينها كتب بالعربية تشمل كتاباً في السنة وأغلب أعمال طه حسين وثلاثة كتب أهداها إليَّ أمير سوكوتو أثناء زيارتى الرسمية الأولى لنيجيريا بدعوة من الجنرال يعقوب كَاون. وكان أحد الكتب الثلاثة مخطوطا نادرا للشيخ عثمان دان فوديو. أما الكتب الفرنسية التي طلبت فهي مجموعة «الأفارقة Les Africains» المنشورة من قبل جان آفريك Jeune Afrique. وفي المساءً نفسه أحضرت تلك الكتب.
وفي 13 أعلنت للنقيب آتيى رغبتي في إيصال رسالة إلى ابن خالي أحمدو ولد محمود لإبراهيم، وكان رده مشروطاً بالتعليمات التي سيتلقاها من قادته بهذا الشأن. وقد أعطانى الموافقة في اليوم نفسه، وسلمته الرسالة الموجهة إلى أحمدو. وفي الغد (14 يوليو) جاءني بالرد من عنده. وقد حملت تلك الرسالة أخباراً سارة عن كافة أفراد الأسرة، ذكر فيها أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع مريم، وأن الأطفال يقيمون معه، والوالدة بخير وكذلك سائر أسرتى من الطرف الأمي والأبوي.
وقد أعلمنى النقيب عشية ذلك اليوم قائلاًً: «إن عليكم سفرا قصيرا في الصباح الباكر ويفضل أن تكونوا جاهزين عند الساعة الرابعة والنصف، فما هو الوقت المفضل عندكم لتناول الإفطار؟». فأجبت: الساعة الرابعة.
وعلمت من مصادر عدة، بعد خروجى من البلاد سنة 1979، أن ضابطي صف من الفرقة التي كانت تتولى حراستى في «جيني» قد أعدا مشروعاً لاختطافي في سيارة لاندروفير واصطحابي إلى السينغال. ولكنهما تراجعا عن مشروعهما خشية تعريض حياتي للخطر خاصة عند عبور النهر، إذ يصعب تفادى عمليات اعتراض من قبل مطارِدين من نواكشوط أو من عناصر عسكرية في روصو أو أية نقطة أخرى من الولاية السادسة.
إننى في الواقع لا أعرف هذين الضابطين، ولكن أحدهما من أهل الشمال (الولاية السابعة أو الثامنة، أو الثانية عشرة)، والآخر من الولاية الثالثة. بيد أنني أتذكر أن ضابط صف تظهر عليه ملامح أهل الساحل أو أهل التل قد اتسمت تصرفاته باحترام خاص.
فهل كانت هذه القصة، التي لم أبحث عن مدى صدقها إطلاقاً، حقاً أم باطلا؟ لا أدرى. وإذا كانت هذه القصة لا تبدو لي واقعية، فقد استطردتها لأنها تتعلق بفترة إقامتى في «جيني» التي أتحدث عنها.
ومهما يكن من أمر، فإننى ما كنت لأقبل الهروب حتى وإن توفرت لي كافة ظروف السلامة.
ويحين موعد السفر عن «جيني» بحلول يوم 15 يوليو على الساعة الرابعة والنصف والليل مرخ سدوله. وقد رافقني النقيب آتيي وعدد من الجنود المسلحين على متن السيارة نفسها التي تحدثت عنها فيما سبق، وكانت الوجهة هذه المرة مطار نواكشوط الذي توقفت بنا السيارة على طرف مدرجه قرب طائرة صغيرة من طراز ديفانديرDeffender جاثمة على أرض المطار. ونزل الجميع من السيارة ومشيت خطوات وحدى في جو منعش من الليلة الأخيرة في نواكشوط. وكانت المدينة في تلك اللحظات نائمة تحت أنوارها العمومية المبعثرة والباهتة في أغلب الأحيان. وعليه، فإن كل ما يحيط بى لا يستشف منه أن أي شيء قد تغير في الجمهورية الإسلامية الموريتانية. فالسماء كما هي مرصعة بنجوم متلألئة، والسكون العميق لليل كما عهدته عند الإقلاع في تلك الساعة المبكرة حينما كنت أقوم بزياراتي إلى داخل البلاد أو برحلات إلى الخارج.
وفي حدود الساعة الخامسة، وصل الطيار في اللحظة التي وصل فيها النقيب محمد محمود ولد الديه إن لم يكن جاء برفقته. وكان جنود الحراسة الأربعة حاضرين، ومن بينهم اثنان كانا في خدمتي فترة مقامي في «جيني».
وتمضى لحظات من تبادل التحية مع النقيب ولد الديه ووداع النقيب آتيي، لتقلني بعدها طائرة ديفاندير Deffender إلى وجهة أجهلها. وبعد طلوع الفجر واتضاح المشاهد الطبيعية التي نحلق فوقها، تبينت أن وجهتنا نحو الشرق وتحديداً صوب كيفه ثم تامشكط، فالعيون أو النعمة. وكان الغيث ينزل على المنطقة في تلك الأثناء مما تسبب في رداءة الرؤية وجعل الطائرة تنحرف عن خط سيرها على ما يبدو.
فقد قامت بعدة دوراًت حول أفلّه دون أن تحدد موقع العيون، وفي النهاية تمكنت من ذلك وهبطت دون صعوبة. وتوقفت في نهاية المدرج في الطرف المقابل لمستودعات الوقود، ونزل جميع الركاب ما عدى الملاح الذي دحرج الطائرة باتجاه المستودعات. وكان المطر قد توقف، فاستنشقت نسيم ما بعد المطر، ذلك النسيم الرطب البارد العليل الذي حملته البشائر الأولى لفصل الأمطار. وبحثنا عن مكان ملائم لقضاء صلاة الفجر. وبهذه المناسبة أظهر النقيب ولد الديه لباقة تصل حد الملاطفة. وخلال الفترة الفاصلة بين انتهاء الصلاة وتزود الملاح بالوقود، كنا نتحدث عن المطر والجو الجميل. وكان النقيب، وهو أحد أبناء المنطقة، مرتاحا لطلائع موسم أمطار واعد. وكنت بدورى سعيدا لرؤية بداية فعلية للأمطار آملا أن تكون دورة الجفاف التي عانت منها بلادى كثيراً ستعرف نهايتها. فأنا أحب بلادى ومواطني حبا جماً، وأتشوق بشغف إلى كل ما من شأنه أن يساهم في سعادتهم المعنوية والمادية. وكانت النوق بفصلانها تنتشر حول هذا المهبط محاولة أن ترعى على الباكورات الأولى للبراعم التي بدأت تنمو فوق أشواك الشجيرات. وكان من بين فصلانها صغار تمشى الهوينا لحداثة عهدها بالولادة. وهناك الأبقار والأغنام تشرب من الماء الجاري فوق الرك، ولكنها لا تجد مرعى إذ لا تكاد الأعشاب تتجاوز سطح الأرض، فالمطر الأول لم تمض عليه إلا أيام معدودة.
لقد حدثني النقيب ولد الديه عن أخبار عائلتي مؤكدا أن مريم ما تزال في ضيافة الرئيس سينغور بدكار وأن الأطفال مع عمتهم أمامة. وحسب عبارته فإن «الوالدة في بوتلميت تعاملت مع الحدث بصورة جيدة، تعامل مسلمة مؤمنة».
وفى تلك الأثناء أنهت الطائرة تزودها بالوقود، وبدا قائدها بلباقة منهمكا في تهيئة مكان ملائم لى بمساعدة من النقيب ولد الديه. ثم أقلعت باتجاه النعمة. وكان المطر، على ما يبدو، قد نزل بغزارة على طول الخط بين العيون والنعمة حيث شاهدت من الطائرة غدرانا لا تحصى. وقد حلقنا فوق مطار النعمة في الوقت الذي كانت فيه طائرة مدنية صغيرة (كَالودك Gallouedec) تحاول الهبوط، ولكن بعض الجنود الذين أحاطوا بالمدرج راجلين وعلى متن سيارات لاندروفير أصدروا لها إشارات بعدم الهبوط قبل طائرتنا. وفي الأخير فهم الملاح المدني الإشارة وبدأ في الارتفاع ليحوم حول المدرج. وعند هبوط الطائرة التي تقلنى، استقبلت بأدب من قبل النقيبين محمد ولد لكحل قائد المنطقة العسكرية السابق ومحمد فال ولد المرابط قائدها الجديد. ثم ودعت النقيب ولد الديه وبدأت الرحلة في سيارة لاندروفير متخذا مكانا بين النقيبين الذين تولى أحدهما قيادة السيارة (ولد الأكحل). وتبعتنا سيارات لاندروفير أخرى تحمل جنودا، واتجهت القافلة صوب ولاتة. وهكذا عرفت في النهاية وجهتي.
لقد كان السفر بين النعمة وولاته شاقا بسبب حالة الطريق، إذ تلزم لقطع تلك المسافة أربع ساعات مع أنها لا تتجاوز مائة كلم، خاصة وأن مياه الأمطار غطت الطريق بالغدران وحولتها إلى أوحال حقيقية. وهكذا كانت السيارة تتعثر في الوحل إذا لم تغص فيه، واضطررنا في كثير من الأحيان إلى النزول منها لتخفيف الحمولة بل وإلى دفعها أحياناً أخرى للخروج من الوحل وإن كان مرافقي لا يرغبون في أن أشارك في ذلك المجهود.
وفي الأخير وصلنا القلعة العسكرية في ولاتة الواقعة خارج المدينة والمطلة عليها من بعد كيلومترين تقريبا. واستقبلنا من لدن الملازم عثمان ولد كازه رئيس المركز الذي آوانى في غرفته… واستلمت أمتعتى المتمثلة في علبتي كرتون كبيرتين تحتوى إحداهما على كتبى، والأخرى على لوازم النظافة وملابسى الموريتانية. وكانت حرارة فصل الأمطار ورطوبته على أشدها. وقد قدمت وجبة الغداء متأخرة، أما الشاي فكان بحق منعشا. ثم عاد النقيبان إلى النعمة.
وقد ظلت قلعة ولاته الصغيرة مهملة بصفة فعلية منذ اكتمال بنائها في الخمسينيات. وسأصف باقتضاب الجزء الذي خصص لى من هذه القلعة. إنه خراب لا أبواب به ولا نوافذ، وجدرانه متصدعة متهاوية ووسخة إلى أبعد الحدود. أما الأرضية فمشققة يكسوها الحصى والغبار. ولم يكن السقف أحسن حالا، فهو مغطي بصفائح عتيقة من الزنك تتراقص باستمرار تحت تأثير هبوب الرياح المطرد محدثة صوتا مزعجا ومثيرا إلى حدٍ يُصم السامع أحياناًً. وفي كل جهة من هذا المكان تعشعش أنواع من طيور الدوري أحصيت أربعة منها، ونوع واحد من الحمام. وهناك مجموعة من النحل تبنى مساكنها من التراب المبلل في كل وجهة حيث تبيض أثناء موسم الأمطار. يضاف إلى ما سبق عظايات صغيرة تدخل وتخرج من كل اتجاه، أما الذباب والنمل فحدث ولا حرج. وبكلمة واحدة فقد كان الديكور من أقل الديكورات حفاو.
ولحسن الحظ كانت معنوياتى جيدة، وكنت على الدوام أنظر إلى الأشياء والأحداث بنسبية. وفي هذا السياق أذكر بأن هذه القلعة الصغيرة المهملة منذ الخمسينيات، كما أسلفت، كان من المفروض أن تستغل لإيواء الوحدة العسكرية – وجدت بها أولا مفرزة ثم سرية – منذ بداية حرب إعادة التوحيد الوطني ولاسيما منذ الهجوم على هذا المركز في شهر ديسمبر 1976 من قبل عصابة قادمة من الجزائر عبر شمال مالى. غير أن الجنود ومؤطريهم فضلوا السكنى تحت خيامهم العسكرية الصغيرة أو في أخصاص بسيطة شيدت حول القلعة بدل السكنى داخلها رغم كثرة الرياح التي تتعرض لها ولاته باستمرار.
وقد تحمل تلك الرياح أثناء الليل كميات كبيرة من الرمال تعرض من ينامون في العراء للدفن أحياء، وتجعلهم يكابدون المصاعب ليبعثوا من مرقدهم. إن هذا ليس قصة خيالية ولكنها تجربة عشتها شخصياًً. فقد أمضيت ليلة في ولاتة سنة 1974 أثناء زيارة تفقد لهذه المنطقة، واضطرنى ضغط جو الصيف الحار داخل المنازل إلى النوم في العراء. غير أنني عندما استيقظت وجدت نصفى مدفوناً!
لقد عشت ظروفاً يصعب تصورها ابتداء من 15 يوليو وحتى فاتح سبتمبر، ولكن من حسن الحظ أن لدي سريراً من أسرة المعسكر وواقية من البعوض الذي يكثر في ولاتة خلال فصل الأمطار. وهو ما كان يسمح لي بقضاء الليل أمام «الغرفة» في العراء.
وفى 17 يوليو وصل الملازم الأول الشيخ ولد الجولي «… لمساعدة نظيره عثمان ولد كازه في توفير أفضل إقامة ممكنة لي…». وبقي حتى منتصف أغسطس. وقد قدم هذان الضابطان الشابان خلال هذه الفترة ما يستطيعان من أجل تلطيف قسوة الظروف في بداية إقامتي الولاتية التي صادفت حلول شهر رمضان. ولا أتذكر أنني تناولت وجبة العشاء في هذا الشهر بمفردي إلا نادراً. فقد كان أحد الملازمين أو كلاهما أو المساعد سيدي المختار ولد عبد الله يشاركونني وجبة الإفطار بعد يوم من الصيام.
ومنذ وصولي إلى ولاتة في 15 يوليو 1978 وحتى 2 من أكتوبر 1979، موعد رحيلي، كان أربعة جنود يقومون بخدمتي سواء في ولاتة أو في كيفه التي رافقوني إليها مدة إقامتي للعلاج فيها، شأنهم في ذلك شأن المساعد سيدي المختار الذي سأذكره قريباً.
إن أعضاء هذه «الزمرة» الأربعة الذين سميتهم «لجنة الاستقبال» هم:
– الطباخ عمر (عمرنا الوطني). متشدق طريف، وشخصية محببة جداًً، يدعي معرفة وممارسة زهاء عشر حرف مختلفة كاختلاف حفر الآبار وطهي الطعام. وقد كان لبدانته انعكاس على هيئته المهيبة التي تذكر بضابط صف مسن جيد التغذية من «الفرقة الاستعمارية». ويظهر دائماً بالزي العسكري، حيث القبعة والجزمة شتاءً وصيفاً. وهو مهذار يحدث بكل أنواع القصص غير المستحيلة التي يظهر فيها بمظهر البطل.
أما المرافق، أو معد الشاي تحديداً، المختار ولد سيدي فهو بدوي على الفطرة. وقد تحدثت وإياه كثيراًً عن الحياة البدوية مما جعلنى أستنتج أن العديد من الكلمات المستعملة في اللهجة الحسانية تتباين مدلولاتها بين منطقة الحوض ومنطقة القبلة. وعلى سبيل المثال فإن هناك أسماء أدوات ونباتات تعرف في الحوض بأسماء مجهولة في المنطقة الغربية من البلاد. وبناء على طلب المعني علمته بعض مبادئ الفرنسية. أما العربية فكان يقرأ بها ويكتب. وفي حدود منتصف 1979، ولأسباب أجهلها، تم إبداله بجندي شاب هو محمد ولد امادى الذي يظهر عليه الذكاء الحاد، ولكنه لم يبق في خدمتى أكثر من شهرين أو ثلاثة.
وفيما يتعلق بمعد الشاي دائما، فقد رفضت في بداية إقامتى اقتراحا قدمه الملازمان الأولان الشيخ وعثمان يقضى ببقاء هذا الشخص معى طيلة الوقت رغبة منهما في عدم تركى وحيدا. غير أن حرمانى من حريتى لا يسوغ في نظري إخضاع جندي شجاع وبريئ للمصير نفسه، ولذا ينبغي أن يكون حاضرا في «ساعات الخدمة» فقط.
– أما الغسال الذي لا يحضرنى اسمه، فكان مهذباً صموتا يقتصر حديثه على التحية الموجزة خلال إحضار الملابس بعد غسلها وحمل تلك المهيأة للغسل، وهو بحق يتقن حرفته.
– أما الحلاق سيدي فكان بدوره صموتا ولطيفا يتقن الحلاقة.
وبالإضافة إلى هؤلاء، كان بالقلعة جنديان كثيراًً ما يأتيان للسلام علي هما محمد (أمين المخزن)، وإبراهيم (صاحب جهاز الاتصال). كما أن أعضاء فريق التنظيف الثلاثة الذين يقومون بتنظيف «مسكنى» مرتين أو ثلاثا في الأسبوع، كانوا يمرون بانتظام للسلام علي بكل أدب، ولكنى لا أعرف أسماءهم.
وقد تعاقب على هذه القلعة، أثناء عطلتى القسرية في ولاتة، أربعة قواد جميعهم برتبة ملازم، وهم: عثمان ولد كازه، وعبد الله، ودياه آمادو عمر، وأسلمهم ولد الجيلاني. وخلال الفترة نفسها ظل المساعد سيدي المختار ولد عبد الله ولد ابنيجاره مقيما بهذه القلعة. وقد كان من أوائل الجنود في الجيش الوطني، إذ بدأ بأعوان الحرس الوطني (قوم الوطن)، ليصبح فيما بعد أحد عناصر فرقة الجمالة، ثم ضابط صف مُكوِّناً في عدة حاميات بالبلد. إنه نموذج صادق لضابط الصف. فهو مستبد ولكنه قريب من رجاله. وقد برهن على شجاعته ومبادرته أثناء الهجوم على مركز ولاتة العسكري الذي كان يتولى قيادته آنذاك، ذلك الهجوم الذي أشرت إليه من قبل.
لقد كان بوسع سيدي المختار أن يصبح ضابط صف جيداً، ولكن الحظ لم يحالفه على ما يبدو لأن مستواه الثقافي لا يسمح بارتقائه إلى تلك المكانة. ورغم ما يطبع شخصيته من تحفظ يصل حد الخجل، فإن لديه روح النكتة ويملك حسا بدويا مرهفا. وقد كاد يكون جليسا ملازما لى. كما زارنى عدة مرات الملازمان الشابان محمد ولد الزناقي والدياه ولد الداه، كل على حدة، وهما يتوليان قيادة السرية المرابطة قرب ولاته. أما على مستوى المنطقة العسكرية الخامسة بالنعمة التي تتبع لها ولاتة، فقد تعاقب على قيادتها ثلاثة نقباء، اثنان منهما خلف كل منهما الآخر. فقد حل محمد فال ولد المرابط محل محمد ولد لكحل في يوليو 1978، كما سبقت الإشارة إليه. ثم عاد ولد لكحل بدوره في إبريل 1979 ليحل محل ولد المرابط. أما النقيب الثالث إبراهيم فقد بقي بصورة دائمة في النعمة ليتولى دور المساعد لهذا أو ذاك. وكان أحد هؤلاء النقباء الثلاثة يقوم بزيارتى من حين لآخر.
وبعد وصولنا، بدأ فريق من الجنود العمل دون انقطاع حتى نهاية أغسطس لتهيئة المكان المخصص لإقامتى. وكان من بينه عمال وبناءون ونجارون. وبدأت الخطوة الأولى لعزل هذا المكان عن بقية الساحة الداخلية للقلعة الصغيرة ببناء جداًر ارتفاعه متران مزود بباب يفتح تارة ويغلق أخرى. وقد اتخذ المكان المخصص لى شكل معين قاعدته الصغرى ضيقة جداً، في حين كانت القلعة مثلثة الشكل. أما الخطوة الموالية، فهي إعداد شقة من أربع غرف بتحويل بعض الغرف القديمة الخربة إلى غرفة كبيرة للنوم مزودة بمرافق كاملة للنظافة والاستحمام ودورة مياه، ثم قاعة للأكل وأخرى للاستقبال. وقد أصبحت الشقة في النهاية كبيرة يمتد طولها على نحو عشرين متراً. أما أرضيتها المدعمة بالإسمنت، فغطيت ببساط ناعم، وهو ترف لم أحصل عليه في نواكشوط! فقد زودت غرفة النوم بسرير كبير ودولاب، واشتملت قاعة الأكل على طاولة وأربعة مقاعد.
أما قاعة الاستقبال فأثثت على الطريقة المغربية حيث حفت المراتب المكسوة بالقماش جدرانها من كل جهة وتوسطتها زربية كبيرة. وتم إكمال المسكن ببناء عريش (تهلي) في وسط ساحة الحيز المخصص لإقامتى زود بسرير من أسرة المعسكر. ويستخدم هذا العريش أثناء الفصل الحار الذي يستغرق أكثر من نصف السنة. وفي تلك الفترة يصعب السكنى داخل المنزل، وتزداد الحاجة إلى الاستحمام. وأتذكر أنني في صائفة 1979 كنت أنشغل لبعض الوقت بتقديم الشراب لطيور الدورى والحمام العطاش، ولسنجابين كانا يطوفان خلسة بهذا الحيز من حين لآخر. وفي سياق كهذا وديكور على نحو ما ذكر، يمكن التساؤل عن جدولى الزمني في الأيام العادية. ويتلخص هذا الجدول في الصلاة والتأمل والقراءة والاستماع إلى الإذاعة ثلاث مرات في اليوم وأحاديث شبه مطولة مع «المرافق» أو الطباخ أو معهما معا أثناء تقديم الوجبات.
وقد تفاديت منذ البداية أن أضيع الوقت في أمرين يصعب تفاديهما لمن يعيش وضعاً مشابها لحالتى. أولهما النوم الزائد عن الحاجة، والاستماع باستمرار إلى الإذاعة أو الأشرطة.
وبخصوص الإذاعة، فقد وفر لى الملازم عثمان جهازاً إذاعياً فور وصولى إلى ولاتة بناء على طلب منى. واقترح علي تلقائيا أشرطة من الموسيقى الموريتانية، ولكننى شكرته ورغبت عن العرض. وفي وقت لاحق تلقيت أشرطة من الموسيقى الكلاسيكية الغربية أرسلتها إلي مريم تشتمل على موسيقى باخ، وموزار، وبيتهوفن. ورغم حبى لهؤلاء الثلاثة فقد استطعت كبح جماح عواطفى الموسيقية ما دمت في العطلة الإجبارية. وفي المساءً كنت أزاول رياضة المشي بانتظام حيث أقوم بالدوراًن داخل حيز الإقامة عشرات المرات أثناء الفصل الحار. كما كنت أجوب الشقة جيئة وذهابا بين غرفة النوم وغرفة الاستقبال عشرات المرات خلال الفصل البارد. ويتعاقب الملوان ولا أشاهد من الأرض الموريتانية العزيزة سوى ساحة الحيز الذي أقيم داخله. أما صفحة السماء فأشاهد منها الجزء المقابل لسطح القلعة حيث تكون السماء في أغلب الليالى مرصعة بالنجوم المتلألئة، وفي بعض الأحيان تعبرها طائرات على ارتفاع عال يتجه بعضها شمالا والآخر جنوباً تختلط أضواؤها ببريق النجوم.
أما بالنسبة لقراءاتى، فقد قرأت أغلب الكتب التي اصطحبت معى إلى ولاتة، وأعارنى الملازم سيدي المختار من أحد أدباء ولاتة بعض الكتب العربية. وأتذكر على وجه الخصوص أن من بينها كتاباً لرحالة وجغرافي مغربي شهير من أهل القرن 14م هو ابن بطوطة يتحدث فيه عن رحلته عبر العالم، ويذكر مروره بولاتة ويعرب عن مفاجأته التي تصل حد الصدمة بما لاحظه من تحرر لدى المرأة الولاتية! وكان النقيب محمد فال قد سألنى يوم وصولى إلى ولاتة عن النشر الصحفي العربي والفرنسي الذي أرغب في الحصول عليه. وحددت له بعض الجرائد والمجلات مثل الشعب بنشرتيها العربية والفرنسية، والأهرام القاهرية، ولصولي Le Soleil، ولموند Le Monde، وجان آفريك Jeune Afrique ومجلة العربي الكويتية. وقد وصلت إلي بعض أعداد هذه النشرات باستثناء الأهرام والعربي، ولكن وصولها كان غير منتظم البتة. أما الإذاعات التي أستمع إليها بانتظام فهي إذاعة نواكشوط التي يصعب التقاطها أحياناً، وقلما تترك فرصة تمر دون مهاجمة «النظام المخلوع» بشدة إلى درجة أنها استحدثت برنامجاً خاصاً لا أتذكر عنوانه بالضبط، ولكنه يحوم حول «جرائم النظام البائد». وكان بعض قدماء المسؤولين السياسيين والإداريين الذين تمت مقابلتهم يتبارون في الاحتفاء بالنظام الجديد. إنهم يستحقون الشفقة أكثر من التأنيب.
وإنصافاً لهؤلاء، ينبغي التنبيه إلى أنهم ما كانوا ولن يكونوا أول ولا آخر كائن بشري يهدم ما بنى ويحرق ما كان يعبد. وهم في هذا السياق يذكروننى ببيت الشعر الشعبي السابق النابذ لسلوك سيدي. أما إذاعة فرنسا الدولية، فكنت استمع إلى برامجها الموجهة إلى إفريقيا فقط. وكانت تزودنى أكثر بما يستجد من أخبارى الخاصة وأخبار أسرتى وبلدى وإفريقيا. وبعبارة واحدة، فقد كانت مرافقة مخلصة في ولاته وكيفه. كما كنت أستمع غالباً إلى برامج إذاعة لندن العربية التي تتحدث بدورها عن أخبارى من حين لآخر وتبث باستمرار أخبار العالم العربي الإسلامي. كما تقدم أحياناً برامج ثقافية بالغة الأهمية. واستمع تارة إلى إذاعات باماكو ودكار والجزائر وطنجة. وعليه، فلم أكن مقطوعا عن ما يجرى في العالم من أحداث مقارنة بما يصلنى عما يدور في بلدى المقيم به. فالأخبار السياسية لهذا البلد لا تصلنى إلا عبر إذاعة فرنسا الدولية أو إذاعة لندن بدرجة أندر.
لقد تحدثت عن كيفه لأنني أقمت بها مرتين للعلاج، كانت أولاهما من 11 إلى 24 يناير 1979، أما الثانية، ففى الفترة من 5 مايو وحتى 7 من يونيو من السنة نفسها. وكانت الإقامتان بالمستشفى الذي بناه التعاون الصيني ويتولى تسييره. وقد فتح خصيصا لاستقبالى خلال تينك الإقامتين. وقد تلقيت العلاج الجيد من لدن الأطباء الصينيين.
وسأذكر في نهاية هذا الكتاب حديثاً دار بينى وبين الطبيب الرئيس لهذا الفريق يمكن القول إنه حديث سياسي. وسأعود إلى المرض الذي انتابنى. فقد صرعتنى حمى شديدة مباغتة يوم 20 أو 21 ديسمبر 1978 واكتشفت أنه لا يوجد طبيب في ولاتة وإنما ممرض أو وكيل صحة فني. وقد استنفر رئيس المركز العسكري النعمة ونواكشوط، فهرع قائد المنطقة العسكرية على الفور إلى ولاتة، وجاء الطبيب النقيب انجاي كان من نواكشوط يوم 23 أو 24 ديسمبر. وأكد تشخيصه، على ما أذكر، إصابتى بالتهاب رئوي حاد. وقد عالجنى بشكل جيد على مدى يومين أو ثلاثة. وترك أدوية وتعليمات مكتوبة مع الممرض، وعاد إلى نواكشوط ليقترح وينظم نقلى إلى العاصمة أو نواذيبو عند الاقتضاء. وبعد عودته، أشعرنى بأنني سأنقل إلى كيفه لأن المستشفى الصيني أصبح جاهزا وبه معدات جيدة. ورغم أن تشغيله لم يبدأ، فسيفتح خصيصا لاستقبالى من قبل الفريق الصيني الذي كان يعمل بمستوصف المدينة ريثما يفتح المستشفى. ويبدو أن عسكريى العاصمة قد اختاروا هذه الصيغة تفاديا لظهورى أمام الناس واختلاطي بهم. ومهما يكن، فإننى لا أعتقد أنني كنت سأحظى برعاية مادية وصحية أفضل مما تلقيت.
فالمستشفى جديد، والعاملون به أكفاء يكرسون جهودهم لى بمفردى! وعليه، فقد كان المقامان الذان أمضيتهما بهذا المستشفى أكثر متعة من مقامى في ولاتة مع أن الأمور نسبية. فقد كان الوسط أقل سجنا وتقشفا وعزلة مما عليه الحال في ولاتة، وإن ظلت عزلتى كما هي إذ اقتصرت اتصالاتى على رفاقى الولاتيين والأطباء الصينيين. فقد كنت أنظر من غرفتى أو من الشرفة لأرى كيفه حية يجوبها الناس والسيارات والحيوانات لأن الجداًر المحيط بالمستشفى لا يحجب الرؤية مثل نظيره في قلعة ولاته. وكنت أسمع أصوات المدينة حتى ساعة متأخرة من الليل. وللوصول إلى كيفه غادرت ولاته تحت جنح الليل متجها إلى النعمة على متن سيارة لاندروفير صحبة النقيبين انجاي كان ومحمد فال والمساعد سيدي المختار و«لجنة الاستقبال».
وبعد الوصول إلى النعمة استقلينا طائرة بيفالو Buffalo لتقلنا إلى كيفه، ولكن أحد محركيها تعطل وتطلب إصلاحه نحو ساعتين بقيت خلالهما داخل الطائرة في وضع نفسي غير مريح. لكن الأمور بخواتمها، فقد تم لحسن الحظ إصلاح المحرك وأقلعت الطائرة باتجاه كيفه. وفي المطار، كانت سيارات لاندروفير تنتظرنا، واتجه الموكب إلى المستشفى سالكا طريقا ملتويا لتفادى عبور المدينة. وفي المستشفى استقبلنا الفريق الطبي الصيني، وبدأت الفحوص الطبية في اليوم نفسه، وجرت في الغالب بحضور الدكتور كان. وقد عدت إلى ولاتة عبر وسائل النقل السابقة، وحسب خط السير المعاكس نفسه، وبرفقة المجموعة نفسها بعد أن شفيت من علتى وشعرت براحة أكثر. ولدى الوداع مع الطبيب الرئيس الصيني، طلب مني العودة في شهر إبريل أو مايو لإجراء فحوص مراقبة. وكان ذلك سبب مقامي الثاني في كيفه الذي سمح بالتخلص من «ضرس العقل» التي ظهرت متأخرة وسببت لى آلاما حادة. وما أشبه الليلة بالبارحة، فظروف السفر والمقام هي نفسها باستثناء تغيير واحد هو إبدال محمد فال ولد المرابط بالنقيب محمد ولد لكحل. وعلى مستوى آخر، جرى أول لقاء بينى وبين عضو من القيادة العسكرية الجديدة في البلاد يوم 13 أغسطس 1978، ويتعلق الأمر بالمقدم محمد خونه ولد هيداله رئيس الأركان الجديد.
وقد بدا مهذباًً للغاية، خجولاً أو مُرهَباً. وكان برفقته النقيب محمد فال. وبعد تبادل التحية المألوفة، صرح لى بما معناه: «لقد جئت مبعوثا من لدن اللجنة العسكرية ومن قبل رئيسها العقيد المصطفى للسلام عليكم ولتطلعونى على ظروف مقامكم، ولأطرح عليكم جملة من الأسئلة تتعلق ببعض المشكلات…». ثم أشار خفية إلى مرافقه بالانصراف. وعندما بقينا على انفراد، طلب منى باسم رئيسه توضيحات حول بعض الملفات المالية المتعلقة بطلبات قروض قدمت إلى الحكومات المغربية والعراقية والسعودية. وقد بينت له حالة تلك الملفات كما كانت في بداية يوليو. وسيخبرنى لاحقاً، دون أن أسأله، عن هذه الملفات إبان عودته إلي في فاتح سبتمبر رفقة أستاذى وصديقى المحامى بواسيى- باليه Boissier-Palun الذي كان أول مدني يزورنى. وقد أثلجت زيارته المفاجئة صدرى وأثرت في نفسى. فقد وصل صحبة المقدم في طائرة صغيرة إلى النعمة وتجشما عناء السفر منها إلى ولاته الذي يعتبر امتحانا صعبا بسبب تهاطل الأمطار حيث تعثرت سيارة لاندروفير عدة ساعات في الوحل. وهذا ما جعل أستاذى يشكو آلاما حادة في قطنية الظهر. وكان الأستاذ بواسيى- باليه يزور نواكشوط بانتظام بوصفه محاميا للشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) حيث كنت ألقاه باستمرار.
وقد تناولنا العشاء معا في نهاية يونيو أو بداية يوليو 1978. وبفضل تلك العلاقات حصل على ما كان يعتبر حينئذ امتيازا وهو السماح له بزيارتى. ولم أحظ طيلة اعتقالى بزيارة مدني سواه ما عدى زيارة واحدة سأتحدث عنها لاحقاً. لقد كان الأستاذ بواسيى- باليه حديث العهد بمريم وبالأطفال في دكار وزودنى بآخر الأخبار. كما حمل إلي أولى رسالة من مريم وسلمته الرد عليها. وزيادة على الأخبار العائلية التي كنت إليها بالأشواق، أبلغني رسالة ود وتضامن شفوية من «العميد» هوفوت بونيى Houphout-Boigny يؤكد فيها أنه سيسهر شخصياًً على رعاية أسرتى. وسيعمل بالتنسيق مع الرؤساء: آهيدجوAhidjo وسنغور Senghor وبونغوBongo وبورقيبه… ومع الملك الحسن الثاني ومساعدة الرئيس جسكار دستيه على إطلاق سراحي، وهو متفائل. وعلى مستوى آخر، كان تبادل الرسائل بينى وبين مريم يتبع سلسلة في اتجاهين: أحدهما من ولاته إلى دكار، والثاني من دكار إلى ولاته. فقد كنت أسلم رسائلى للعسكريين الزائرين أو المقيمين معى ليوصلوها عبر النعمة إلى نواكشوط لتسلم إلى ابن خالى أحمدو ولد محمود لإبراهيم الذي يوصلها شخصياًً أو بواسطة إلى مريم. أما في الاتجاه الثاني فإن مريم تسلم رسائلها إلى أحمدو أو وسيطه ليسلمها للقناة نفسها التي تقوم بإرسالها إلى النعمة. وقد لاحظنا بعد اجتماع الشمل أن رسائلنا لم تصل إلى وجهتها إلا بنسب محدودة. وكانت نسبة ما أتلقاه من رسائل زوجى أكثر قليلاً مما تلقته من رسائلي. وأذكر بأن الشخص الوحيد الذي سمح له بزيارتى بعد أستاذى هو ابن خالى أحمدو ولد محمود لإبراهيم الذي زارنى مرتين، كانت أولاهما في ولاته أثناء مرضى وبقي إلى جانبى نحو اثني عشر يوماً في ملتقى سنتي 1978-1979. ثم عادنى إبان مقامى الثاني بكيفه ومكث معى يومين أوثلاثة. وكان في كل مرة يحمل إلي آخر الأخبار الشفوية والمكتوبة من مريم والأطفال الذين يزورهم باطراد في دكار، وأخبار الوالدة والأهل في بوتلميت ونواكشوط. وقد أجريت محادثات مطولة مع ولد هيداله على هامش زيارته رفقة الأستاذ بواسى – باليه في فاتح سبتمبر 1978 وأطلعنى على أن المغرب والعربية السعودية دفعتا للنظام العسكري الجديد جزءا من القروض التي سبق وأن تعهدتا لى بها قبل العاشر من يوليو، ولكننى لا أتذكر المبلغ. أما بالنسبة لموضوع الصحراء، فكانت المعلومات التي قدمها أكثر عمومية. وأثرت من جهتى موضوع إطلاق سراحي، وأعربت عن أملى أن لا تدوم فترة اعتقالى طويلاًً. وفي السياق نفسه تطرقت إلى أنني أنوي الانتقال مع أسرتى إلى تونس للإقامة بها بعد الإفراج عنى. وقد أكد في إجابته، التي اتسمت بعدم الارتياح، أن حالتى تشغل اللجنة العسكرية ولكنه غير مخول للتحدث باسمها إلا أنه سينقل بأمانة ما دار بيننا إلى رئيس اللجنة. وأضاف أنه يأمل شخصياًً أن لا أبقى مدة طويلة في ولاتة. وبعد صمت محرج، خاطبني بأن لديه رأيا نابعا من تفكيره الشخصي يود إطلاعى عليه وقد يتطرق إليه مع العقيد المصطفى. وبعد موافقتي تابع حديثه، والارتباك باد عليه، قائلاً: «… إنكم تتمتعون بتجربة كبيرة وصيت عالمي يحتاج إليهما البلد، أفلا يمكن إيجاد صيغة تسمح باستفادة النظام الجديد والبلد كله من هذه الخصال؟ قد يكون التعبير خاننى، ولكن هذا ما أردت الإعراب عنه تقريبا…». «إنكم تريدون باختصار أن أصبح مستشاركم بعد أن طردتمونى من السلطة؟ إن حبى للشعب الموريتاني ولمصلحته يجعلنى أتمنى النجاح لمن أطاحوا بى نظرا لأن هذا الشعب سيستفيد من نجاحهم بقدر ما سيعانى من فشلهم. إلا أنني على أية حال لا أستطيع قبول اقتراحكم…». وعندما لاحظت مدى الإحراج الذي انتاب مستمعي، صرفت الحديث إلى موضوع آخر لا أتذكره. وفي 15 من نوفمبر 1978 زارنى الرائد جدو ولد السالك عضو «اللجنة العسكرية» و«وزير الداخلية». وكان بدوره مهذباً بل ووقوراً.
وقد وافانى بأخبار مريم والأطفال، والوزراء من فريقي السابق المحتجزين في جينى. وحدثنى عن مشكلات البلد كما لو كان عليه أن يقدم لي تقريرا حيث أطلعني على اتصالات تجريها اللجنة العسكرية مع «البوليزاريو» في مالي. وقد طرحت عليه كذلك موضوع إطلاق سراحي، ولكن إجابته كانت شبيهة بإجابة المقدم ولد هيداله. وفي بداية إبريل من سنة 1979، حدثت ثورة في القصر بنواكشوط استلم على إثرها المقدم أحمد ولد بوسيف مقاليد السلطة ليصبح الوزير الأول علما بأنه لم يكن من الانقلابيين أصلا. ومع أنه جرد المقدم المصطفى من كافة صلاحياته، فقد احتفظ به رئيسا للجنة العسكرية. وأفرج عن رئيس الجمعية الوطنية وكل الوزراء السابقين، وأشعرني عن طريق النقيب محمد ولد الكحل، الذي عين قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة، بعزمه على إطلاق سراحي الذي يأمل التغلب قريبا على ما يلاقى بشأنه من تحفظ داخل اللجنة العسكرية. وفي انتظار ذلك، فإنه ينوى نقلى إلى نواكشوط أو العيون حيث ظروف المحيط أقل قسوة مما هي عليه في ولاتة. ولكن تجرى الرياح بما لا تشته السفن. فقد توفي في حادث تحطم طائرة بالقرب من دكار في نهاية شهر مايو. وحل محله المقدم ولد هيداله الذي أبلغني بعد تعيينه بقليل عن نيته إطلاق سراحي فور مباشرة اللجنة العسكرية الجديدة وأعضاء الحكومة الجدد مهامهم. وتم ذلك الإبلاغ بواسطة النقيب ولد لكحل الذي نقل إلي لاحقاً أن ولد هيداله يجد بدوره تحفظات من بعض زملائه ولكنه يأمل التمكن من إقناعهم قريباً. وفي هذا السياق، اقترح علي ولد لكحل أن أكتب رسالة إلى ولد هيداله من شأنها أن تسهل مهمته. وبناء على هذا الاقتراح كتبت إليه لأعبر له عن رغبتي في إطلاق سراحي دون أخذ أي التزام. وغداة حلول شهر رمضان في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس 1979، شعرت بأعراض المرض الأولى الذي اتضح لاحقاً أن منشأه وجود حصاة في الحويصلة الصفراوية. ومع أنني لم أكن طريح الفراش، فقد كنت أعانى من آلام عرضية في البطن، وأتقيأ الصفراء أحياناً. وعندما أُشعر الطبيب انجاي كان حضر على جناح السرعة من نواكشوط وقام بعلاجي بضعة أيام معرباً عن نيته تقديم مقترح بنقلي إلى أحد المراكز الطبية التي تتوفر على تجهيزات متطورة تمكن من إخضاعي لتحاليل دقيقة يصعب القيام بها في الجمهورية الإسلامية الموريتانية. ويوجد مثل تلك المراكز في دكار وآبدجان أو فرنسا. وقد ترك بحوزتى بعض الأدوية وأطلعني على أنه سيسافر إلى فرنسا لقضاء فترة تدريب، ولكن نائبه الطبيب الملازم الأول فاصا Fassa سيصل ليحل محله. وسيعهد إليه بملف الرفع الطبي الذي سيسهر على متابعته شخصياًًً. وقد قام الطبيب فاصا بزيارتى مرتين خلال شهر سبتمبر كانت آخرهما من 24 إلى 30 منه. وكان خير خلف لخير سلف، لا يقل كفاءة وإخلاصا عن الدكتور كان. وبعيد ظهيرة فاتح اكتوبر، أطلعني الملازم أسلمهم على ما يلى: «لقد علمت للتو أن عليكم التأهب ابتداء من هذا المساءً أو صبيحة الغد للذهاب إلى النعمة، ومنها ستسافرون… ولم تحدد لى وجهتكم بعد ذلك، وإن شئتم ساعدتكم في تهيئة الأمتعة…».
وقد شرعت بمساعدته في تهيئة الأمتعة بسرعة. وهي عبارة عن «كرتونين» يحلان محل الحقاًئب تتكدس فيهما كل كتبى وملابسى وأدوات النظافة. وهكذا أصبحت جاهزا للتوجه إلى حيث لا أعلم… وعندها خاطبني أسلمهم قائلاًً: «سأعود لإشعاركم حالما تصلنى أوامر جديدة…». ومع أنني لم أغير أي شيئ في مسطرتى الزمنية، فإن تلك العشية وليلتها كانتا طويلتين في نظري وإن كنت قد نمت تلك الليلة نوماً هادئاً. وفي حدود الساعة التاسعة من صبيحة اليوم الثاني من أكتوبر، أبلغني الملازم الأول أسلمهم بأنه قد أزف الترحل. فسيارات لاندروفير جاهزة، وعليه يمكن الانطلاق. وفي أقل من ساعة خرجت نهائيا من «إقامتي» ومن القلعة، وودعت رئيس المركز قبل أن أجلس بجانب السائق الذي تقدمت سيارته القافلة الصغيرة. ورافقني المساعد سيدي المختار وأعضاء «لجنة الاستقبال» الأربعة وعدد آخر من الجنود. وكانت المرة الأولى التي أغادر فيها القلعة في وضح النهار. فقد انطلقنا باتجاه مطار النعمة الذي وصلناه في حدود الساعة الواحدة زوالا، حيث كان الطبيب فاصا في انتظاري بكل فرحة. وفور نزولى من السيارة أخذنى جانبا ليطلعني على النبأ السار: «ستنقلون إلى باريس مساءً هذا اليوم على متن طائرة خاصة تابعة للحكومة الفرنسية وعلى متنها فريق طبي. إن هذا الخبر السار الذي ما زال طي الكتمان، أطلعنى عليه للتو إبراهيم ولد عالى انجاي مساعد قائد الأركان الذي وصل في طائرة دفاندير الماثلة أمامكم لنقلكم إلى العاصمة. وقد ذهب إلى المدينة ولكنه سيؤوب قريبا، إذ يلزمنا الإقلاع دون تأخر كبير لنتمكن من الوصول إلى نواكشوط مع حلول الليل علما بأننا سنتوقف في العيون للتزود بالوقود. وفي انتظار ذلك سنتناول الغداء بسرعة تحت ظل هذه الشجرة حيث أعد لكم المكان…».
وعلى الرغم من سخونة الجو ووعورة الطريق…، فإننى لم أشعر بتعب زائد ولم أكن مستاء… لقد كانت الأنعام المحيطة بالمطار، من بقر وإبل وضأن ومعز، تزين مشهد نهاية الخريف النموذجي في الحوضين. فبعضها يرعى على ما تبقى من أعشاب جافة متناثرة خلفها موسم الخريف، والبعض الآخر اكتفى بالوقوف أو التمدد في ظل الشجيرات. إنه مشهد بدوي أصيل لا أمله أبداً يذكرنى بصباي وريعان شبابى. وعقب صلاة الظهر، ودعت النقيب محمد ولد لكحل ورفاقي الولاتيين واتخذت مكانى في الطائرة مع الرائد إبراهيم ولد عالى انجاي والطبيب الملازم الأول فاصا. وقد أجرينا توقفا خاطفا في العيون للتزود بالوقود وتابعنا الرحلة إلى نواكشوط بعد حلول الليل.
وخلال الرحلة، أكد لى الرائد إبراهيم ولد عالى انجاي المعلومات التي حدثنى بها فاصا ونحن في النعمة، مضيفا أنني سأستقل الطائرة الفرنسية فور وصولى إلى مطار نواكشوط دون المرور بالمدينة حفاظا على سرية الموضوع. وأعلنت له عن رغبتي في لقاء ابن خالى أحمدو وأخوي عبد الله ويعقوب، أو أحد الثلاثة على الأقل، بالمطار. وقد نقل طلبى إلى مستقبله في نواكشوط عبر جهاز اتصال الطائرة مستخدما لغة الرموز. ولدى هبوط الطائرة، استقبلنى بكل أدب الرائد أو المقدم أحمدو ولد عبد الله رئيس أركان الجيش عند طرف المدرج ونقلنى في سيارة يقودها بنفسه. ثم توقف على حافة الطريق قائلاً إنه من الأفضل أن نتحدث داخل السيارة.
وعندها نزلت لقضاء فوائت الصلاة ثم عدت إلى السيارة حيث نقل إلي محدثى تحيات العقيد ولد هيداله معلناً في الوقت نفسه أن سفري محاط بالسرية بموجب اتفاق مع الفرنسيين. وعليه، فإنه لم يستطع إبلاغ أهلي بمروري. وأضاف قائلاًً: «إن ظروفكم الصحية الراهنة تتطلب إرسالكم للعلاج في الوقت الحاضر، ولكن إطلاق سراحكم التام والنهائي هو الآن قيد الدراسة، وسيتم ذلك بعد شفائكم وعودتكم إلى أرض الوطن». وعلى إثر هذا الحديث المسؤول والهادئ، قدم لي حقيبة تحتوى كسوتين كاملتين من الثياب الموريتانية، وبرنسا مغربيا من الصوف، ومحفظة نظافة تشتمل على لوازم الحلاقة والاستياك. وقد شكلت تلك الحقيبة المتاع الوحيد الذي حملته معي إلى باريس.
وفي حدود الساعة التاسعة مساءً، صعدت إلى طائرة طبية فرنسية من طراز ميستير 20 Mystère واتجهنا إلى باريس… وقد أطلعنى رنى جورنياك René Journiac في باريس على أن إطلاق سراحي النهائي ونقلي إلى فرنسا تم بتفاوض مباشر أو بواسطة بين الرئيس جسكار دى ستيه Giscard d’Estaing وبين العقيد ولد هيداله. فقد تدخل لدى الرئيس الفرنسي وولد هيداله عدد من الرؤساء هم: هوفوت بونيى، وآهيدجو، وسينغور، وبورقيبه وبونغو. ومن الملوك: الحسن الثاني ملك المغرب، والحسين ملك الأردن، وخالد ملك العربية السعودية.
هوامش
– ينبغي عدم الخلط بينه وبين حماده ولد الزين، والى سابق وعم المعني.
– «كيف يعقل أن الحزب وقادته الرئيسيين لم يتحركوا؟ وهل يعنى ذلك أنهم كانوا على اطلاع على كل ما جرى؟» هذا هو السؤال الذي طرح علي باستمرار بعد انقلاب 1978. وأعتقد أن خلاصة تفكيري في تلك الظرفية التي سطرت أعلاه تشكل إجابة في حد ذاتها. كما أعتقد أن مرد ذلك هو انتهازية قادة الحزب الذين تلزمهم مسؤولياتهم بتعبئة المناضلين للمشاركة في القضايا التي يتبناها الحزب. فقد تم اعتقال أعضاء الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية، لكن أعضاء المكتب السياسي لم يعتقلوا بحكم وظيفتهم الحزبية. إنها انتهازية أولئك الذين أرادوا أن يكونوا تبعاً للفريق الجديد…
– صاحب هذا الاسم (كَالودك Gallouedec) نعرفه جميعاً. فهو طيار قديم في الجيش الفرنسي طاب له المقام في موريتانيا وأنشأ بها مؤسسة خصوصية للنقل الجوي بواسطة طائرات صغيرة ذات محرك واحد. وقد شغل بعيد الاستقلال منصب رئيس ديواني العسكري لبعض الوقت. وقيل لي فيما بعد إنه «تمرتن»، حيث تزوج موريتانية وأنجبت له أطفالا وأصبحت له دراية جيدة بمجالنا الجوي الواسع اتساع جيبه. وهكذا كانت تسند له في الغالب قيادة رحلات بعض المسؤولين والخبراء والباحثين الأجانب في مختلف أرجاء البلاد.
– بما أنني لم أحفظ أسماء هؤلاء كاملة، فقد أقتصر على الاسم الشخصي ولذا ألتمس منهم العذر في إثباتها على هذا النحو.
– تطلق القبلة في الاصطلاح المحلي على الركن الجنوبي الغربي من موريتانيا.
– للأسف غاب عنى اسمه الكامل.
– للأسف غاب عنى اسمه الكامل هو الآخر.
– لقد أجريت تدريب المحاماة تحت إشراف الأستاذ بواسي – باليه فيما بين 1956-1957 بدكار، وسأتحدث عته لاحقاًً عندما أصل إلى تلك الفترة.
– أنشئت، منذ استقلال الدول الإفريقية المنبثقة عما كان يعرف بالمجموعة الفرنسية الإفريقية، كتابة عامة للشؤون الإفريقية والملغاشية تابعة لرئيس الجمهورية الفرنسية. وقد تولى أمانتها العامة جاك فوكار في عهد كل من الجنرال ديكول والرئيس بومبيدو. أما في عهد الرئيس جسكار دى ستيه، فقد عهد بها إلى رنى جورنياك الذي كان معاونا لجاك فوكار.
المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»