الأخبار

رئيس حزب الوطن يكتب عن محرقة إيرا

 

 

 

 

غدا هو يوم السابع و العشرين من شهر ابريل ، الذي أشرف فيه زعيم حركة إيرا على حرق كتب مالكية في خطوة هي الأولى من نوعها في بلدنا، و في أبرز عمل رمزي لتحدي المنظومة الاجتماعية العتيقة، و ما ترمز إليه أنساقها من تكريس للهرمية الوظيفية المتوارثة عن تاريخ مهين لقطاع واسع من شرائح مجتمعنا. و يخطئ من يظن أن تلك العملية ، لحرق الكتب المالكية، كانت مجرد عمل طائش ، نزغ شيطاني عابر ؛ بل كانت عملا واعيا جدا ، و يهدف إلى إحداث صدمة في البناء الذهني للمجتمع ، باتجاه هدم قواعد بنائه المادي و الفكري و النفسي، سبيلا لإرساء ما يسمى في الغرب ب ” التعددية الثقافية الرخوة “، التي تدعو إلى فتح و توسيع مناهج التعليم و نقلها من حالة التيبس إلى حالة السيولة لتشمل كافة مكونات المجتمع . و من أبرز المنظرين لهذا الطرح ، داخل المنظومة الليبرالية، كيملكا و تايلور . فقد كان كيملكا، مثلا، ينظر للتمايز الثقافي و الموروثات الاجتماعية بين الجماعات ، بخلاف الطرح الليبرالي التقليدي الداعي إلى اندماج الجماعات الثقافية في الوعاء الثقافي العام للدولة – الأمة، الذي يركز على الحرية الفردية بدلا من حرية الجماعات الثقافية داخل الدولة .غير أن ما يؤخذ على عملية الحرق ليس في “عنصر الحرق في حد ذاته”، و إنما في أمرين :
– الأمر الأول هو الطابع الشمولي لعملية الحرق، فقد كان يكفي لإحداث الصدمة الاجتماعية ، في ما يتعلق برمزية الفعل، انتقاء مجموعة من الفتاوى في موضوع العبودية حصرا و حرقها ، بدلا من حرق قرآن عظيم و أحاديث شريفة و أحكام شرعية في مجالات الحياة و المعاملات و في العبادات، كأحكام البيوع و الطهارة و التوحيد و الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج ، و في أحكام الطلاق و النفقة و الميراث و التربص … و غيره كثير مما تضمنته تلك الكتب المحروقة .
الأمر الثاني ، أن ما ينظر له أنصار التعددية الثقافية داخل خيمة الليبرالية الغربية يتعلق بمجموعات الأقليات القومية و الثقافية، بينما لحراطين لا يشكلون عرقا و لا قومية داخل المجتمع الموريتاني، بل هم من ضمن المكون الثقافي و القومي العربي في المجتمع الموريتاني ، عادات و تقاليد و لغة و زي و موسيقى و ذائقية و جمال و سواه من مكونات الفلكلور الشعبي العربي …
و قد رأينا من يقدم أدلة على التمايز الثقافي بين لحراطين و البظان في آلة ” كمبره” و لعبة ” الدبوس” و ” المديح النبوي ” .
و مع أنه لا يمكن أن تنهض هذه الأمثلة أدلة على التمايز الثقافي، حتى لو افترضنا أن هذه الرموز خاصة حصريا بلحراطين، و لكن حين نطرح الأسئلة التالية ، فإن هذا التمايز الثقافي يتبدد و لا يصمد ، فمثلا أليست “كمبره ” هي مجرد تبسيط للتدنيت لتسهيل استخدامها بعيدا عن تعقيدات أزوان?
ثم ما هي اللغة التي يترنم بها لحراطين الذين يستخدمون هذه الآلة، و ما هي اللغة التي ينظمون بها أحاسيسهم و معاناتهم و قلقهم الوجودي ? و ما هي اللغة التي ينظمون فيها المديح الشعبي و يتغنون فيها? و على إيقاع أي آلة ، أليس الطبل العربي ?
أما لعبة الدبوس ، فهي الأخرى تجري على الزغاريد على الطريقة العربية، و بحسانية مبينة ?
، إذن، أتفهم الإقدام على عمل صادم للمجتمع يصعقه من نومه العميق على عقلياته الاستعبادية، و أستهجن و أدين اشتمال عملية الحرق على قرآن و أحاديث شريفة و أحكام شرعية ليس لها علاقة بتقاليد و موروثات المجتمع، و يجب الاعتذار عن هذه، على نحو خاص …

محمد. الكوري العربي رئيس حزب الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى