أقلام

المعلم والأستاذ.. ومنطق الراتب المقلوب/ أبو محمد ولد الشيخ محمد الحسن

 

تابعت في هذا الفضاء الأزرق نقاشين متوازيين، الأول حول زيادة مرتبات القضاة وكتاب الضبط، ولا شك أنهما يستحقان أكثر، أما الثاني فحول واقع التعليم وحراك المعلمين والأساتذة الذين يطالبون بمجرد نقلهم من أماكن نائية خدموا فيها سنوات طويلة حتى تفطرت أكبادهم، وأخذ منهم الملل كل مأخذ.
وبشيء من التدقيق يتضح أن الخيط الذي يجمع القضيتين هو العدل نفسه، فالقاضي يجلس على كرسيه ليقيم ميزان العدل، ومن علمه قراءة الحروف الأولى كان المعلم، فإذا كان للقاضي الحق في أن يحصل على أجر يليق بمقامه، فالأولى أن يُكرم من وضع له الأساس ومهد له الطريق.
فلننظر إلى الامر بعيني العقل والمنطق، فكل حكم يكتب، وكل محضر يحرر، وكل قرار يصاغ.. لم يكن ليخرج إلى النور لولا من غرس البذرة الأولى، وكل مسار مهني مهما علا وتنوع فإن جذوره تمتد إلى مقعد الدراسة، وصبر المعلم، وكفاح الأستاذ. ولولا المعلم والأستاذ لظل القضاة والوزراء يركعون أمام أبسط قواعد الكتابة والفكر.
من هذا المنطلق، يبدو غريبا أن يرفع الفرع فوق الأصل، وأن يقدر المتعلم أكثر ممن علمه وغرس فيه العلم.
لقد آن الأوان أن ندرك أن تبجيل المعلم والأستاذ لا يقاس بخطب المناسبات، ولا بشعار “قف للمعلم”، بل بأجر يليق بقداسة المهنة، وبالاعتبار والاحترام والدعم الحقيقي، فكيف لمن تنهكه لقمة العيش أن يضيء شمعة في عقل طفل؟!، أو يغرس بذرة قيمة في وجدان ناشئ؟!.
إن كرامة المعلم والأستاذ ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية، فلا تنمية بلا تعليم، ولا تعليم بلا معلم محترم مدعوم ومحفز، وأي إصلاح لا يبدأ من هذه الحقيقة مصيره التآكل والتراجع.
ليس المقام هنا مقام توبيخ، بل مقام التذكير، وبلغة يختلط فيها الأسى بالأمل، الأمل في أن الإنصاف ما زال ممكنا، وأن الدولة حين تقرر تستطيع.
ولا شك أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بما عرف عنه المقربون منه من رغبة في الإصلاح، يملك الإرادة لوضع ملف التعليم في موضعه الصحيح، وإعادة الاعتبار لمن حملوا الطباشير، ووقفوا في فصول ضيقة؛ ليصنعوا وطنا أكبر.
فلتكن بداية العام الدراسي القادم بداية لعدالة طال انتظارها، ولنهضة لا يكون عنوانها المباني فقط بل الإنسان الذي يبني: المعلم والأستاذ، فحين ينصفان تنصف أمة بأكملها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى