أقلام

رئيس اللجنة الإعلامية للجنة الوطنية لحقوق الإنسان يكتب: لن يوقف القتلَ إلا قتلُ القتلة

 

حتى لا تذهبوا بعيدا في البحث عن أسباب انتشار الجريمة.
لي تجربة مع دولتين عربيتين أقمت فيهما للدراسة، وكل منهما كانت تحت قبضة دكتاتور .. كانت إحداهما آمنة لدرجة الخيال، وكانت الأخرى فاقدة للأمن في كثير من تقاطعات الزمان والمكان خصوصا حين يسدل الظلام سدوله على الأحياء الشعبية؛ ومع ذلك كان شعب الأخيرة بوجه عام أكثر تعليما من الأولى وأكثر رفاها بوجه عام أيضا، ولا توجد هوة كبيرة بين طبقات المجتمع فيها .. لا قبائل .. لا شرائح .. لا إقطاع؛ في الوقت الذي تحتكر فئة قليلة كل شيء في الدولة الأولى .. المال .. السلطة .. الإعلام .. الفن .. قيادات الجيش والأمن ..
حين بحثت عن أي سبب يمكن أن يكون العامل الأهم في استتباب الأمن في الأولى وفقدانه في الثانية؛ وجدت سببا واحدا وهو أن الاولى جعلت التوقيع على أحكام الإعدام من اختصاص المفتي، وتطبيقها يأتي مباشرة فور صدور الأحكام النهائية، حتى أهل المتهم عندما يصدر قرار إحالة ملفه إلى المفتي يشرعون مباشرة في تجهيز قبره وتقسيم تركته، بينما الدولة الثانية جعلت التوقيع على حكم الإعدام من اختصاص الرئيس الذي ظل يتلكأ في توقيعه لأسباب سياسية، مما عطل أحكام الإعدام في تلك البلاد منذ 29 عاما.
إنهما مصر مبارك وتونس بن علي.
مصر مبارك آمنة للغاية والنهاية، رغم مظاهر الترف لدى القلة واحتكارهم لكل شيء، ومظاهر البؤس لدى الكثرة وعوزهم لكل شيء، وانتشار الأمية بين ظهرانيهم.
مصر مبارك ليلها كنهارها؛ سرْ كما تشاء وأينما تشاء ووقتما تشاء، فلن تجد ما يعكر صفوك ولا مزاجك، ولا سكينتك.
تونس بن علي تتوقف فيها الحياة بتوقف أشعة الشمس، والمرور في أحيائها الشعبية ليلا هو مجازفة قلّ من ينجو منها عقب تجشمه عناء تجربة المرور في سوحها ونهوجها، رغم أنه لا أثرياء يشار لهم بالبنان هناك، ورغم أن الطبقة الوسطى هي الأعرض، ورغم تركيز البلد على دعم التعليم وتوفيره وتوفير مستلزماته.
عندنا .. يتم القبض على المجرم ويحال إلى سجن من الإسمنت المسلح هو على كل حال أفضل من كوخ الصفيح الذي تربى فيه ويعيش فيه، فيصبح الأكل والماء والكهرباء متوفرين له ومجانيين، يستحم متى شاء وينام وقت ما يشاء؛ بينما كان في الغالب يفتقر لكل هذه “الكماليات” في حياته العادية قبل السجن .. لقد تمت مكافأته على جرائمه بالإقامة في فندق خمس نجوم مقارنة مع إقامته الطبيعية .. يدخن السجائر ويحصل على المخدرات المهربة إلى داخل السجن ويساكن وسطه المناسب معززا مكرما غير منبوذ ولا ملوم فالكل في الهواء سواء، ويتبادل الخبرات مع أقرانه، ثم يخرج من السجن بعد استراحته وقد اشتد عوده واستفاد خبرات نظرية وتجربة تطبيقية وعلاقات أمنية وقضائية، ويعود إلى الميدان منتظرا إحدى الحسنيين إما الظفر بالغنيمة أو العودة إلى الظل والراحة والأحباب.
أقولها مدوية وليبلغ الحاضر عني الغائب: لن يوقف القتلَ إلا قتلُ القتلة ..
قال تعالى: ولكم في القصاص حياة.
بدون ذلك ستظل الجريمة تتزايد هندسيا وأُسّيّا، بعد أن أصبحت ثقافة لدى بعض الأوساط الأسرية، وأصبحت من صفات الفتوة لدى كثير من أبناء الجيل الصاعد الذين أمِنوا العقوبة ومن أمِن العقوبة أساء الأدب.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص.
جعلنا الله من الذين آمنوا وطبقوا ما كُتب عليهم.
أقولها مدوية: لن يوقف القتلَ إلا قتلُ القتلة .. وغير ذلك من التخبطات والتحاذقات والسفسطات هو مجرد طمر للرؤوس في الرمل والطمي.

عالي أبنو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى