أقلام

الجيش والسياسة في العالم العربي/ امود ولد أمد

 

أظن ان العلاقة الحميمية بين الجيش والسياسة في العالم العربي جاءت مبكرة وكانت مصاحبة لنوات تأسيس الجمهوريات العربية المستقلة في العصر الحديث ولعلى الانقلابات والثورات العسكرية، كثورة الضباط الاحرار في مصر وفي العراق بعد ذلك، ثم في ليبيا، والتنظيمات العسكرية السرية المسيسة التي كانت هي الاخرى سببًا لسلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا واليمن والمغرب والجزائر وموريتانيا والسودان إلخ…كانت اكبر دليل على ترسيخ مفهوم ارتباط الجيش بالسلطة المدنية وتوجيهاته لصيرورة الانطمة السياسية في البلدان العربية، ليصبح الانخراط في صفوف الجيش هو الأدات الأوفر لتحقيق (حلم) الوصول الى السلطة من خلال انقلاب عسكري او ثورة عسكرية ذات طابع إيديولوجي كسابقاتها، مع أنه من المؤكد أن الجيوش في العادة لاتصلح الا لكونها ادات لحماية الشعب والأرض من اي عدوان خارجي محتمل اما بالنسبة لإدارة الشؤون الداخلية لأي دولة فهنالك اجهزة اخرى متخصصة في جميع الميادين، (امنية) (قومية) (إدارية) (قضائية) (تشريعية) إلخ… طبقا للهيكلة الإدارية لكل دولة،
وهنا يبقى السؤال المطروح دائما، من هو المسؤول تاريخيا عن هذا التمييع والخلل البنيوي القاتل والمعيق للتقدم والانفتاح التنموي والاقتصادي والديموقراطي للبلدان العربية ككل؟
بحثت عميقا عن ما يمكنني من تفسير الإشكال البنيوي في مفاهيم العمل السياسي في العالم العربي والعلاقة المطبعة بين الجيش والسياسة، ووجدت ان أغلب الانظمة السياسية العربية تم تأسيسها أصلا في جو سياسي مفتعل، واقرب مثال على ذلك أن معظم الدول العربية تأسست بعد استقلالها من المستعمر الفرنسي او الانكليزي ومن المؤكد أيضا ان المستعمر لن يسلم السلطة إلا لمن يثق به في تأمين مصالحه الآنية والمستقبلية وعلى هذا الاساس تمت صياغة الانظمة السياسية العربية المستقلة، ووجدت ان هذا كان عاملا مهما من العوامل التي أدت الى الثورات والانقلابات العسكرية في ما بعد التأسيس، لأن أغلب المجتمعات العربية كانت تنظر للحكام في تلك الفترة على انهم عملاء للغرب وحافظين لمصالحه السياسية والاقتصادية، ووجدت ايضا ان الاكراهات الجيوسياسية في اغلب المناطق العربية وخاصة في الشرق الاوسط كانت تقتضي وجود إدارة سياسية عسكرية قوية لما شهدته المنطقة من اضطرابات سياسية كان ابرزها توافد الحركة الصهيونبة الى فلسطين بتأمين بريطاني، ثم إقامة مشروع دولة اسرائيل بعد ذلك والخلافات الطائفية في لبنان، والاوضاع المزرية في سوريا ومصر والسودان واليمن، لأن الحكام العرب في تلك الفترة كانو يتصرفون طبقا للإملاءات الخارجية حرفيا وكانت إزاحتهم بالنسبة للضباط القوميين العرب هدفا اساسيا وامرا ضروريا بغض النظر عن طبيعة الآلية المتبعة لبلوغ ذلك الهدف، وكان ذلك مقنعا في إطار تسيير المرحلة الاولى من مراحل التأسيس، مع أن الثمن كان غاليا وخصوصا بعد اندماج مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة، حيث شنت القوات الاسرائيلية والبريطانيه والفرنسية هجوما موحدا والذي سمي بعد ذلك بالعدوان الثلاثي وكان كارثة انسانية وسياسية واقتصادية بالنسبة للدول العربية في الشرق الاوسط خاصتا، وظلت الاجواء السياسية محتقنة ومضطربة الى حد كبير وجاءت حرب اكتوبر بعد ذلك وتدخل الاتحاد السوفياتي كطرف داعم للعرب لتتوقف سلسلة الهجمات المسلحة ضد العرب مؤقتا، وبدأت مرحلة تشكل مفهوم السيادة الوطنية للدول العربية واستغلالها لمفهوم السلطة التقديرية في تسيير شؤونها، بغض النظر عن طبيعة ومدى ذلك الاستقلال مع انه كان استقلالا نسبيا ومرهونا ايضا نظرا لنفس الاكراهات الجيوسياسي التي اشرنا اليها سابقا،
وبعد كل هذه التغيرات التي كانت من المفترض ان يتم استغلالها في اطار معالجة الانظمة السياسية العربية وتحيين الدساتير والنصوص السيادية والتحضير لمدنية الدولة وتسليم المدنيين زمام امورهم للنهوض بالمجتمعات العربية كبقية دول العالم
ولكن للأسف الشديد ظلت الجيوش العربية تهيمن على السياسات الداخلية والخارجية لبلدانها وتقرر مصير الآخرين بالقمع والسجن والتصفية الجسدية احيانا اذا تطلب الامر ذلك، مع ان المفاهيم السياسية تحينت وتأطرت وتغيرت، والدولة المدنية الديموقراطية صارت نموذجا ومثالا للدولة التقدمية الناجحة والقوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا،
والمسؤولية في كل هذه الأوضاع المتدنية اظن انها ترجع اساسا للدول الغربية التي كانت هي السبب في كل تلك الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي اشرنا اليها بشكل مفصل في بداية المقال،مع انني أظن أن النخبة السياسية العربية التي واكبت عصر التأسيس وتشكل البنية السياسية والاجتماعية للدول العربية تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية التاريخية في كل ما تعيشه الشعوب العربية الآن من تهميش واقصاء وارهاب وتخلف لأن النخب السياسية هي من شرع للجيوش العربية استمرار الانظمة الشمولية، وكانت جميع القرارات التي توطد المفاهيم السلطوية العسكرية تجد صدا ومباركة من النخب السياسية العربية في بلدانهم، والسياسيين العرب هم من تآمر وتمالئ مع العسكريين ضد شعوبهم وهم سبب من الاسباب الاساسية في تشريع الميوعة والتناقضات التي تشهدها معظم الدول العربية الآن، وابعاد الجيش عن السياسة امر ضروري ومطلب مشروع وحق طبيعي لكل شعوب العالم ولكنه وللاسف الشديد صار حلما صعيب المنال بالنسبة للشعوب العربية، ولكننا نرجو من النخب السياسية العربية الحالية العسكرية منها والمدنية اعادة النظر في ترتيب اوراق المستقبل من خلال معالجة اخطاء الماضي السياسي الجائر في حق الشعوب العربية المشردة، والتغيير متاح للجميع والفرص متكافئة في استغلاله فعملية التغيير والتحول السياسي طبقا للمفاهيم السياسية الحديثة هي عملية سهلة وبسيطة وغير معقدة وترتكز اساسا في الإرادة السياسية والقرارات الرسمية الداعمة لها والفريق المناسب الذي بدوره سيطبع تلك الإرادة السياسية ليحولها الى واقع سياسي طبيعي بغض النظر عن حجم التحول وطبيعته والظروف المصاحبة له،
والله ولي التوفيق

بقلم؛ امود ولد امد
Emoud Emed

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى