أقلام

محمد ولد شيخنا يكتب :هل إسرائيل على سفود..؟ انقلاب الصور والأوضاع..

 

بشكل لم يخطر على بال و حتما فاق أفضل توقعات مخططي كتائب القسام سببت

عملية ” طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر الجاري شبه خراب حل بالهيكل الأمني و الدفاعي الإسرائيلي ناسفا معه غالب تأثير الردع الإسرائيلي و جاعلا في مهب الريح ما استقر طويلا في العقول والأذهان عن صورة الجيش الذي لا يقهر أو إسرائيل ” إسبرطة ” الشرق الأوسط .
وإذا ضربنا صفحا عن الحماسة و فائض الإعجاب المستحق مما لاحظه العالم أجمع
– ما بين مصدق و “مكذب ” – من أحداث سريالية في مشهدية العبور الأسطوري الثاني في شهر أكتوبر و حتى ذلك الدخول الملحمي إلى أرض نكبة 48 ، فإن هذا الإنجاز العسكري الضخم و التاريخي في تصوره و سيره و نتائجه رغم “تواضع الإمكانيات المادية لأصحابه ” قد استند
– وهذا لعمري أم المفارقات – إلى بعض من مفاهيم و مبادئ العقيدة العسكرية الإسرائيلية ذاتها و هي :

1- المبادأة و المباغتة أي القيام بالضربة الإستباقية – الوقائية ؛
2 – نقل الحرب إلى أرض العدو ؛
3 – الردع ؛
4 – جيش متفوق من حيث التدريب
و التقانة .
لقد ظل على الدوام التصور الإسرائيلي للحرب في صلبه هو تصور تعرضي هجومي .
وهي تعتمد لتحقيق ذلك المبدأ على مفهوم خوض المعركة الشاملة و المشتركة جوا وبرا و بحرا وهذا مما أخذت به أيضا المقاومة الفلسطينية في عملية “طوفان الأقصى” مع فارق الدرجة في الوسائل
والإمكانيات .
و لا يعني كون عقيدة إسرائيل هجومية في المقام الأول أنها لا تأخذ بالدفاع ، لكن الدفاع عندها هو وضع مؤقت و إنتقالي ريثما تتم تعبئة الإحتياط الذي هو العمود الفقري الحقيقي لقدرتها العسكرية عموما
و هو قوام قوتها البرية الضاربة خصوصا والتي عليها المعول في حسم الحرب عند الإنتقال إلى الوضع الهجومي .
و هذه المزاوجة بين الدفاع والهجوم كانت هي السائدة في تصورات إسرائيل للحرب خصوصا بعد عدوان 1967 و حتى حرب رمضان سنة 1973 غ خاصة و أن إسرائيل أقامت لأول مرة في تاريخها خط دفاع جد منيع هو “خط بارليف” المستند على عائق مائي كبير هو قناة السويس .
والمعروف أنه لم يغن مع ذلك عنها شيئا حال استحقاق رفع التحدي من طرف المصريين الموصوفين بأنهم خير أجناد الأرض و هو مما عزز وجاهة رأي المنظرين الإسرائليين القائلين بأفضلية اعتماد عقيدة الحرب الهجومية دوما لا سيما أن إسرائيل ليس لها عمق و لا بد لها أن تنقل المعركة بسرعة إلى أرض الخصم . و لقد رأينا بوضوح صحة ذلك المنطق مؤخرا حين دخل الغزاويون لبضع كيلومترات فقط فوصلوا إلى ما شل قدرة الرد للجيش الإسرائيلي لبعض الوقت دون إغفال تأثير هول المفاجأة طبعا .
من جهة أخرى و منذ إتفاق ( كامب – ديفيد ) مع مصر لم تعد إسرائيل تتوقع أن تغامر أية دولة عربية بالهجوم عليها و لو لتحرير جزء من أرضها المحتلة أو حتى لتحريك قضيتها أحرى أن يتم التجاسر على اقتحام خط الهدنة لعام 48 ، الذي هو حرم إسرائيلي مقدس .
غير أن إسرائيل و مع عقيدتها الهجومية الراسخة ظلت إلى حد ما وفية لذهنية دفاعية انعزالية قديمة جدا و ذات بعد ثقافي متراكم عبر الأجيال .
لقد وصفهم القرآن ب : ” لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ “. صدق الله العظيم.
و كما أن الجيش الإسرائيلي الحالي يعتمد بالدرجة الأولى في الحسم عند الهجوم أساسا على الزحف المدرع و الميكانيكي وهذا يعني أنهم يقاتلون في هياكل متنقلة لكنها محصنة بطبقات من جدر الحماية السميكة المتراصة .
من جهة أخرى و لأن إسرائيل بدأت كمستعمرات متفرقة فقد كان لدى الآباء المؤسسين تصورات أمنية غلقة و شبه متكاملة عن تنظيم إقامتهم الدائمة .
فتمت إقامة تلك المستوطنات في مواقع مشرفة مختارة و بحيث تكون مبنية بإحكام و تظهر كقرى زراعية منتجة بالنهار كما تبدو مع حلول الليل شبه وادعة مع كونها في الحقيقة ثكنات و حصون متقدمة منيعة وذات مهام قتالية محددة في الحرب على مستوي الدفاع ( التعطيل و العمل ضد المظليين…) كما في الهجوم كنقاط تحشيد و أنطلاق .
لا تقتصر خسارة إسرائيل فيما حدث حتى الآن في تلك المباغتة المميتة و لا بفقدانها أفضلية المبادرة و لا حتى في اقتحام حدود 48 المقدسة بعد إسقاط الجدر الدفاعية المنيعة و المكلفة و استباحة المستوطنات و أكثر من ذلك الإستيلاء على المعدات و الثكنات و تدمير أنظمة الأسلحة الرئيسية و كذلك المنشآت الحيوية كمقرات القيادة و كل ذلك ضمن طوفان من الصور المخزية ، انطلاقا من سهولة وضع اليد على كل شيء و السيطرة عليه وصولا للموضوع ذي الحساسية المفرطة و هو المتعلق باقتياد مئات الأسرى في مشاهد مؤذية لضميرهم الجمعي و لا سيما أن من ضمنهم رتب عليا ، دون أن نغفل حقيقة آلاف القتلى و الجرحى في خسارة يومية غير مسبوقة حتى أنها تجاوزت خسائر حروب كاملة (كنكسة 1967 مثلا ) التي خاضتها إسرائيل منتصرة ضد ثلاث دول عربية كبيرة مجتمعة . ثم هناك تلك الصور الصادمة لإخراج أطقم دبابات ال”ميركافا” من طرف مقاتلين يحملون فقط بنادق كلاشنكوف .
ولعل الأنكى من كل ذلك هو حالة الانهيار التي تردى فيها الجيش الإسرائيلي بسرعة خلال اليوم الأول للمواجهة بحيث ظهرت الدولة كلها شبه عارية ضعيفة و مستجدية للحماية و التعاطف وهي التي كانت من قبل تزبد وترعد و تتبجح مرشحة نفسها كرأس حربة و صاحبة المركزية في كل تحالفات مستقبلية في الإقليم و المعول عليها كحامية لغيرها .
كل هذا حصل بفعل منظمة محاصرة منذ عقود و في حيز ضيق ؛ فما بالك لو واجهت الدولة العبرية قوة إقليمية كبيرة كجمهورية إيران الإسلامية مثلا أو أكثر من طرف بشكل متزامن ؟
ربما لا يكون مجافيا للحقيقة أن إسرائيل من بعض الوجوه قد تكون أكثر راحة و اقتدارا على الردع والإيذاء حال استخدامها كامل جبروت آلتها الحربية مع مثل تلك الأطراف الإقليمية “القوية” أكثر مما هو عليه الحال مع تلك الحفنة الباسلة والجسورة من المقاومين الفلسطينين الموجودة معها في وضعية تداخل و التحام مكاني فوق و تحت الأرض كما أنهم أيضا في حالة إشتباك بشكل يومي و تفاعلي على كل المستويات الاستراتيجية
والعملياتية و التكتيكية.
و رجال المقاومة هم أكثر من ذلك ليسوا مرئيين و لا لديهم معدات يتم تجريدهم منها أو منشآت أو أصول عسكرية يتم تدميرها وقياداتهم لا تخشى أن ينقلب بعضها على بعض إذا ساءت الأحوال أو سنحت الفرص ، كذلك طلبهم للشهادة و رضاهم بالموت من أجل القضية هو تماما كمثل حرصهم على تحقيق النصر .
في الختام مهما تكن نتيجة هذه المعركة الحاسمة المنتظرة من هذه الحرب المصيرية الجارية فإن الخسارة الإسرائيلية الأكبر تبقى هي نفسية بالدرجة الأولى وعلى مستوى الوعي وهي غير قابلة للإسترجاع الكامل أبدا حتى و لو نجحت الحرب في ترميم شيء من قوة الردع المهشم بأن أثخنت إسرائيل في أعدائها ونالت فيهم ما تبغي من ضرر .
لقد كانت إسرائيل دائما تطرب لأن توصف في صراعها مع العرب على أنها صورة مطابقة لمنازلة” داوود ضد جالوت ”
DAVID contre GOLIATH
أي الصغير الشجاع المؤيد من الله ضد الوحش البشري الهمجي .
بعبارة أخرى فهناك الدولة الإسرائيلية الصغيرة الديموقراطية و التي تقاتل وتنتصر ضد بحر من الأعداء و من الأنظمة المتسلطة الحاكمة لدول العرب الكبيرة العدوانية و المتناصرة على إلقائها في البحر لو استطاعت .
لكن صورة انتصار داوود ضد جالوت اليوم يبدو الأقرب و الأولى بتلبسها هي المقاومة الفلسطينية المحاصرة و التي عصفت بجبروت قوة نووية و أذلت أقوى جيوش الشرق الأوسط وأكثرها تطورا تكنولوجيا وتسليحيا.
لم يعد بعد الآن من حق لأحد أو عذر لأية دولة أو جيش عربي أو مسلم أن ينكسر أو يستسلم أمام إسرائيل متعللا بأسطورة جيشها المتفوق وقوتها التي لا تقهر أو أن يصادر على نفسه و يضع لها محاذير أو تابوهات بعد كل الذي قد صار و قد يصير و لما ظهر بالفعل من تفوق المقاتل العربي الفلسطيني و عنفوانه في مقابل المقاتل الإسرائيلي عند المواجهة و الإلتحام بينهما كرجل لرجل ومقاتل لمقاتل .
إن تلك الإنتكاسة العسكرية المريرة
و المفاجئة ستؤدي حتما إلى تراجع المكانة الدولية لإسرائيل التي لن يكون بعد الآن من حقها أو بمقدورها تعاطي كل ذلك الإستعلاء في الماضي على الجوار و فرض الإملاءات في الإقليم و ما كانت تستمرئه من منطق البلطجة السائد في سلوكها و حتى الغطرسة إزاء الجميع بمن فيهم بعض داعميها الأساسيين التاريخيين .
عندما تعمد إسرائيل حاليا إلى تعبئة نصف مليون جندي ما بين المحترفين و الإحتياط لغرض محاربة بضعة آلاف من المقاتلين المحصورين في حيز جد ضيق والمعزولين عن كل مدد و عون و مع ذلك لا تكون واثقة من نفسها بما فيه الكفاية بل أنها تبدو محتاجة لمزيد طمئنة عبر إلتماس وجود الأساطيل الأمريكية في أفقها لردع من حولها بل للتغطية المباشرة إتجاه أطراف محددة كحزب الله وغيره ممن قد يتدخل عبر مختلف الساحات الأخرى المحتملة .
و يبقى اللافت حقيقة هو أن الموقف الأمريكي يبدو سافرا بشكل غير مسبوق في اصطفافه العلني العسكري و حتى العاطفي المستفز مع إسرائيل مضافا إليه ذلك البيان الذي تنادت له كل القوى الغربية الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا و إيطاليا مع أمريكا ذاتها و المعبر هو الآخر عن حالة من التأييد التام لإسرائيل عسكريا و المشفوع بإصدار وابل من التحذيرات الفجة لأي طرف آخر يتضامن مع غزة .
غير أن الموقف الحالي للغرب المنتصر تماما ل “تل آبيب ” مما أسقط عنه كل أوراق التوت لهو يختلف في خلفيته عما كان عليه الحال فيما مضى من تاريخ المواقف . لقد كان الدعم لإسرائيل في السابق مدفوعا بمنظور الإعجاب والتعاطف مع قوة عسكرية محاربة تنتصر دوما على أعدائها الكثر في حين أن الأمر اليوم هو من قبيل الذعر و الشفقة والخشية من إنهيار داخلي للدولة إذ أنها لم تتعاف حتى الآن من صدمة اليوم السابع ولأن إسرائيل أصلا تعاني من المطاردة النفسية للعنة العقد الثامن التي حذر منها مؤخرا الكثيرون و من ضمنهم مؤرخون و ساسة كبار و مفكرون من أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الأركان إيهود باراك .
فكل دول اليهود التاريخية السابقة المقامة في أرض فلسطين قد سقطت جميعا بحلول العقد الثامن من عمرها و هو نفس العقد الذي دخلته دولة إسرائيل منذ سنوات . لقد حصل ذلك في مملكة النبي داوود و النبي سليمان عليهما السلام و أيضا حصل مع دولة الحشمونائيم هذا فضلا عن استشفافات الشيخ أحمد يس القرآنية بزوال إسرائيل بحلول عام 2027 .
ومثل هذه الخلفية التاريخية المشوبة بعدم اليقين مضافا إليه الشعور بالمهانة هو ما يجعل المعركة الإسرائيلية المنتظرة في غزة حقيقة معركة جد خطيرة بل إنها معركة كسر للعظم بل ربما تحديد المصير . فإما أن تنتصر إسرائيل وترمم ردعها المكسور فتجدد شبابها أو أنها تعجز عن ذلك فتتردى في أتون الإنحسار و التفسخ وصولا إلى الزوال الذي هو حكم التاريخ المطرد على كل الكيانات الإستيطانية الإحلالية التي تفشل في استئصال كامل لأصحاب الأرض وفق رأي المرحوم عبد الوهاب المسيري . و لأن إسرائيل تلقي حاليا بكل أوراقها وثقلها و هدفها واضح و طموح ومعلن و هو الإطاحة بحماس وتغيير الشرق الأوسط لعقود ومن ورائها في ذلك يقف الغرب المفجوع في ربيبته وقاعدته العسكرية المتقدمة وفق وصف البعض فإن محور المقاومة هو الآخر و رغم رسائل التحذير المباشرة و الترهيب العلنية من جهة مع التسريبات المبرئة مرحليا لإيران وحزب الله مما حدث مؤخرا على حدود غزة ربما لغرض تنويمهم و طمأنتهم من جهة أخرى لإبعادهم عن التورط بالمواجهة .
لكن ليس أمام هذا المحور مع ذلك من خيار سوى النزول إلى ساحة المعركة ولو بشكل متدحرج مهما كانت المخاطر والتهديدات لأن ترك ركن أساسي في المحور يكسر ويختفي و الآخرون يتفرجون أو مؤثرون لسلامة مرحلية سيكون حسب الكثيرين بمثابة أكل للثور الأبيض و الذي سيأتي الدور بعده على الجميع حتما بحيث يلقون نفس المصير بعد الفراغ لهم و لات حين مندم عندها ، هذا مع فقدان المصداقية لا سيما أن هذا المحور و منذ بعض الوقت و هو يصدع الجميع بمقولات وحدة الساحات . كما يقال أن بعض أطرافه توجد ومنذ مدة منتظمة ضمن غرفة عمليات مشتركة .
وعلى كل حال وبغض النظر عن النوايا التي قد تكون بيتتها إسرائيل فحلف المقاومة هو من بادر بفتح المواجهة واختار لها التوقيت المناسب وليست مفروضة عليهم من إسرائيل .
إن قبول ركوب المخاطرة و تبني سياسة حافة الهاوية في مواجهة التحدي الإسرائيلي بالتصفية الكاملة للمقاومة في غزة رغما عن الوعيد الأمريكي و الغربي لربما هو خيار من قبيل البقاء أيضا . فإما أن ينجو جميع المحور بكل أضلاعه و تنتصر المقاومة مرحليا إذا استطاعت أن تخرج من عنق الزجاج الحالية مع ما تحصل لها من المكاسب المتحققة من “طوفان القدس” أو أن يواجه المحور مصيره مجتمعا بما ملكت أيديه وفق المقولة “كبرها تصغر ” لا سيما أن الغرب يوجد حاليا في ورطة كبيرة و ليست لديه المصلحة الحقيقية أو الترف في اشعال حرائق جديدة واسعة غير متحكم بها في الشرق الأوسط و كل العالم الإسلامي لا سيما في هذا الوقت التي لا تزال فيه حرب أوكرانيا غير محسومة بل هي في وضع حرج و المشاكل متفجرة في وجهه بكل مكان في إفريقيا و أمام الصين الشعبية .
أخيرا لقد رسمنا في الخلفية تصورات مفزعة لمعركة غزة المنتظرة على ضوء الدعم الغربي غير العادي و كذلك المنسوب العالي للشراسة الظاهرة لإسرائيل و في حرصهأ على الإنتقام و كذلك قوة دافعية الإسرائليين جميعا لخوض هذه الحرب لأسباب كثيرة . و لقد رأينا بالأمس تشكيل حكومة حرب مع المعارضة – من ضمنها قائدين سابقين للأركان- وهي تذكر بالتي أقامتها إسرائيل عشية حرب 1967 إضافة إلى أن هدف الحرب صار معلنا ومتطرفا و هو الإطاحة بحكم حماس و لا سيما على ضوء ضخامة الحشود المتحفزة حول قطاع غزة مقابل ضيق المساحة و التواضع الكمي لمقدرات الخصم .
لكن المفارقة العجيبة هي أن قوة غزة تكمن حيث يعتقد أنه نقطة ضعفها . فليس للإسرائليين في القطاع حيز للمناورة بحشودهم المدرعة و القيام بتكتيكات الخرق العميق و الإلتفاف والتطويق . كما أن إسرائيل ليست مستعدة لخوض حرب مدن في قطاع غزة ولا النزول عن دباباتهم و عرباتهم المدرعة لدخول الأنفاق و مقاتلة رجال حماس هناك .
من جهة أخرى فالجندي الإسرائيلي اليوم لا تبدو له نفس شجاعة و مضاء أجيال الرواد الأوائل كما أن فكرة الإنتماء للدولة و المشروع الصهيوني لم تعد بذات البريق و القناعة لديهم . وقد رأينا مؤخرا كيف كادت أن تحدث حرب أهلية بين إسرائيل العلمانية وإسرائيل التوراتية الدينية على مسألة التعديلات القضائية .
كما أن دخول الجيش الإسرائيلي لأرض القطاع سواء بتقطيع أوصاله أو السيطرة على أراضيه الزراعية المفتوحة أو عزله عن مصر أمور كلها ممكنة الحصول لكن يصعب الإحتفاظ طويلا بمكاسبها دون النية في إعادة الإحتلال التي لا ترغب بها إسرائيل أبدا .
مع ذلك ينبغي التنويه هنا بأن قطاع غزة هو إلى حد ما جزء من الأمن المصري وسكان القطاع مرتبطون تاريخيا و بشريا بمصر وأهلها و مصر هي البلد العربي المجاور ولديها مسؤولية خاصة إزاء أهل القطاع .
في الوقت الحاضر يوجد لدى إسرائيل حيز زمني وفترة سماح لإنجاز المهمة و لكن يتم حاليا الإقتطاع من ذلك الرصيد على ضوء ما يرتكب من فظائع في قصف غزة على مدار الساعة مما تجاوز ببعيد عقيدة غروزني وحلب و الضاحية.
ليس أكيدا أن تردع “هرمجدون” الجارية في غزة حزب الله أو غيره عن نصرة المقاومة لأن الأبنية يعاد تشييدها أحسن مما كانت أما الإنسان و المشروع والروح فهي أشياء ذات طبيعة أخرى بل ضنينة وعزيزة مطلب.
و سواء نجحت إسرائيل في حربها أو فشلت فإنها مع ذلك مقبلة على مسح الطاولة سياسيا وأمنيا وأيضا على مواجهة لحظة الحقيقة و حتى الإجابة على أسئلة مصيرية كبرى.
و يبقى السؤال المباشر المعلق هو : هل مع شلال دماء غزة المسفوحة ستفلح إسرائيل بما هي مقبلة عليه من مجازر ، بتضميد جراح قلوب شعبها المفجوعة وتبعث فيهم من جديد روح الطمأنينة والأمل أم أنها فقط ستزيد “الموجعة” و تفتح عليهم كوابيس المستقبل و انعدام الأمل والأمن . و المعروف أنه إذا إستحالت إمكانية الأمن إستحالت إمكانية الحياة ؟

السلام عليكم
محمد ولد شيخنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى