أقلام

رجب طيب أردوغان.. الثابت والمتحول/ محمد سالم جدو

 

لم يكد الإعلام العربي يعلن فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية أخرى حتى انفجر بعض مناصريه في العاصمة انواكشوط بالاحتفال والفرح، والحقيقة أن ذلك لم يقتصر على شوارع انواكشوط فحسب بل تعداها إلى أغلب الدول العربية، خصوصا عرب المشرق.

وإذا نظرنا إلى هذا المشهد بتوأدة وعناء تتعرضُنا بعض التساؤلات: لماذا تركيا؟ لماذا حزب العدالة والتنمية؟ لماذا أردوغان؟

لكي نحاول الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نعرف ما هي أبرز المواقف المحورية والحاسمة في مناصرة الشارع العربي، ويمكن أن نختزلها في الموقف من القضية الفلسطينية والإسلام كمعتقد للفرد أولا ثم الكيان.

وإذا أخذنا بالمعيار القاضي بدعم القضية الفلسطينية فليس لنا أن ننظر لها إلا من الناحية الدولية، بمعنى أن موقفا شخصيا لزعيم أو قائد لا عبرة به مالم يعكس رؤية الحزب الحاكم الذي يحدد السياسة الخارجية بالضرورة للبلد، بالتالي فهذا يقصي تركيا لأنها ذات علاقات وطيدة بإسرائيل، ويقصي حزب العدالة والتنمية لأن العلاقات الخارجية رهينة بإرادة الحزب وفلسفة، ويقصي كذلك أردوغان لأنه الراعي الرسمي لرؤية حزبه، كيف لا وهو مؤسس الحزب ومهندسه من حيث المبادئ والميثاق، وعلى الرغم من ذلك كان أردوغان كثير التصريحات المتضامنة مع المقاومة الفلسطينية، وأحيانا يصف علاقته بإسرائيل بأنها مستقلة عن دعمه لفلسطين.

أما المعيار الثاني فيتعلق بالإسلام وعلاقته بالدولة التركية، فيرى جبحُ كبير من الجمهور العربي أن أردوغان قام بترسيخ الطابع الإسلامي في تركيا وقام بدحر العلمانيين الترك، وهذا تصور قد يكون مخطئا، لأن أردوغان نفسه علماني التوجه تحركه المصلحة القومية ولاشيء غيرها، لأن الدستور التركي في مادته الثانية ينص على أن تركيا جمهورية علمانية بصريح العبارة، حتى التعديلات التي أجراها أردوغان عام ٢٠١٧، لم تطل هذه المادة لأنها محصنة عند الأتراك، وركزت على نظام الحكم وصلاحيات الرئيس..، ودائما ما ينفي أردوغان الاتهامات القائلة بتوجهه الإسلامي.

وحسب رأيي فإن الثابت في سياسة أردوغان هو القومية التركية والعلمانية الغربية الصرفة، أما المتحول الوحيد فهو المصلحة القومية للأمة التركية – بمختلف دولها – والمصلحة الوطنية للدولة التركية بمختلف شعوبها، لذلك فتقربه من الإسلاميين لا يعدو كونه مصلحة مؤقتة تفرض على الحزب نوعا من التحالف والانفتاح على القوى الإسلامية في المنطقة العربية، وبقاءُ هذا التحالف رهينٌ ببقاء تلك المصالح، وليس من المنصف لوم أردوغان في سياسته التي توجهها المصالح فمنطق السياسة قائلٌ بذلك، ولعل ما يؤشر على آنيةِ المصلحة التي تربط إدارة أردوغان ببعض الإسلاميين، سياستُه مع بعض الأوجه والكيانات المصرية المحسوبة على حركات الإسلام السياسي، كفتح أبواب اللجوء لهم واحتضان مؤسساتهم الإعلامية التي كانت تبث من قلب تركيا بدايات خلافه مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فما إن بدأت المصالح تتغير حتى مَهّد للقاء السيسي على هامش مونديال قطر ٢٠٢٢ بحملة اعتقالات طالت مجموعة من الصحفيين المصريين الإخوان، بعد دعواتهم للتظاهر في ميدان رابعة بالقاهرة ضد نظام السيسي، هذه الحركة نفذها الأمن التركي أواخر تشرين الأول ٢٠٢٢، وقد كان لقاؤه بالسيسي في الدوحة بعد ذلك في أواخر تشرين الثاني، هذا بالإضافة إلى إيقاف بث بعض القنوات الموالية لحركة الإخوان المسلمين.

فالرجل يتقن بمهارة فن الواقعية السياسية، ويطبقها حرفيا في سياسته مع الإخوان المسلمين، في الدول العربية، فيحتضن معارضتهم لترتب صفوفها من داخل تركيا، فإذا وصلت إلى السلطة كان ذلك البلد امتدادا لمجاله الاستراتيجي، كالحال مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، أما إذا لم تستطع الحكم، اتخذ عناصرها كباش فداء للتقرب من النظام الحاكم كما فعل مع مصر.

هذا النموذج تماما طبقه الرئيس أردوغان بتصرف مع المعارضة السورية المسلحة، التي وفر لها التدريب العسكري وأنفق على تجهيزها مقابل غصب السلطة في سوريا، ولمّا تبين له أن ذلك لن يستتب بسهولة، رماهم على حدود أرمينيا وأذربيجان التي كان يدعمها، رماهم في عمق القوقاز للدفاع عن الحوزة الترابية والاستقلال الوطني لأذربيجان، فجعلهم يتخلون عن هدفهم الذي حملوا السلاح ودمروا وطنهم من أجله، وهو إزاحة الرئيس بشار الأسد عن حكم البلاد، كيف لمعارضة وطنية تضحي بأرواحها وبنيتها التحتية وسيادة بلدها أن تجد نفسها على جبهات الصراع في حروب الماء والماعز بين الترك والإرمن، لايمكن لوم أردوغا على هذا لأن المصلحة والواجب القومي التركي يملي عليه ذلك، لكن أين المصلحة والواجب الوطني والقومي العربي السوري؟، تبخر ببساطة، لأن مناعتهم ضد مد القومية التركية صفر، فالأذربيجانيون هم أتراك حضاريا وثقافيا لهذا قلنا بقومية أردوغان وحنكته السياسية التي استخدمها للدفاع الامتداد الحضاري التركي، بسواعد شباب العرب ودمائهم الزكية.

والآن نحن نتابع الأحداث اللاحقة، فأردوغان حظي بمأمورية أخرى والنظام السوري قد تعززت مكانته بين العرب، وجل الدول التي كانت ساعية لإسقاطه تولت عن أردوغان، سنرى ما ستفرضه المصالح التركية المتغيرة، هل سيحاول أردوغان التقرب من بشار الأسد؟ ومن هم كباش الفداء السوريون هذه المرة؟ وكيف سيكون موقف مناصري الرئيس التركي في الوطن العربي، لو تقررت إعادة اللاجئين إلى أوطانهم قسرا.

نعود إلى موضوع تأثر بعض العرب بالرئيس التركي الذي كانت سياسته تجاههم سياسة مدمرة أهلكت البلاد والعباد، فمعيار موقفه من فلسطين لايُحظيه بهذا المستوى فهو مطبِّع من الدرجة الأولى، كذلك معيار إسلاميته، لأنه في الأخير علماني متأثر بفكرة العثمانية الجديدة وهي تجديد وتنقيح لرؤى مصطفى كمال آتاتورك.

أرى أن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام العربية ذات الخط التحريري الداعم لرؤية الجماعة، كان فعالا في تسويق الرجل، حتى أوهم العوام بأن أردوغان “أمير المؤمنين” صانع الأحداث في المنطقة والثائر على الغرب.

محمدسالم جدو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى