الأخبار

باريس : الكاتبة تانيا تينوكو تقدم النسخة الفرنسية من كتابها عن نضال رئيس حركة إيرا

 

احتضنت جامعة  السوربون يوم / 7 أكتوبر 2021/ تقديم الكاتبة تانيا تينوكو للنسخة الفرنسية من كتابها المتعلق بنضالات الزعيم الانعتاقي الموريتاني تحت عنوان: “بيرام الداه اعبيد.. ميثاق النهضة” ، وكانت الكاتبه قد قدمت في السابق نسخا من الكتاب بعدة لغات .

وقد ألقى رئيس حركة إيرا النائب البرلماني بيرام الداه اعبيد كلمة بالمناسبة هذا نصها :

مساؤكم سعيد، إخوتي في القناعات،

أحيي، بادئ ذي بدء، فرنسا الأساطير الفكرية والخلقية التي خدمت الجنس البشري، فرنسا ملجأ المضطهدين والمعذبين من كل حدب وصوب. نعم، بدأنا نفتقد فرنسا الأنوار والقانون وعين أعاصير الثورات ضد الظلامية، فرنسا أرض جبر الأعطاب بالنسبة للرجال والنساء المهددين في كرامتهم، الباحثين عن ملجأ وعن راحة بال، وبكلمة واحدة فرنسا حرية الضمير والنضالات من أجل حقوق النساء وإلغاء حكم الإعدام. هذه الأمة العظيمة تمثل، اليوم، أحد الأماكن النادرة والأخيرة على الأرض حيث ما زلنا نحلم بإنسانية كونية دون إنكار الوجه المعتم لتجارة الرقيق والاستعمار. إننا نحترم هذا البلد الذي أصبحت صورته الجميلة تنحو إلى الأفول، للأسف.
كم كانت خيبتنا كبيرة، نحن الموريتانيين المكافحين ضد الطغيان والرق والعنصرية، عندما ألمح وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، خلال نقاش في الجمعية الوطنية الفرنسية، سنة 2018، إلى أن النائب بيرام الداه اعبيد، المعتقل حينها في نواكشوط، كان “سجين حق عام”. هذا التموقف الفرنسي، وعلى لسان وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، يشكل انحيازا عفا زمنه ضمن التنافس الأبدي بين الخيرين وأشرار التفوق العرقي. ذلك التصريح يفسر الصعوبات الحالية والمتصاعدة لعلاقة القوة الاستعمارية السابقة مع إفريقيا. بيد أننا نحيي ونشيد بدعم والتزام العديد من الأصدقاء الفرنسيين. أذكر من بينهم منظمة ” إيرا فرنسا-موريتانيا” للدفاع عن حقوق الانسان، وهي رابطة حقوقية أوربية ظلت في مأمن من المصادرة والترهيب المميز للحكومات الواقفة في وجه الحقوق والشفافية على قارتنا المنهوبة والمداسة من قبل أبنائها أنفسهم. كما أنني أشيد بالشخصيات، المتسمة بنكران الذات والزهد، والتي استطاعت أن تديم فينا الفكرة المعطاء والخلاقة المتمثلة في طموح الفرد إلى التحرر من الانسلاب كما تلخصه المادة الأولى من إعلان 1789: “يولد الناس ويبقون أحرارا ومتساوين في الحقوق، ولا يمكن للفروق الاجتماعية أن تتأسس إلا على المنفعة العامة”. هذه الكلمات العادلة ليست نتاج ثقافتي حتى ولو وجدت فيها صدى رجعيا. إنها نتاج تجربة تاريخية بعيدة من حيث نشأتُ، ومع ذلك آمنت بها، عفويا، مباشرة فور قراءتها وإعادة قراءتها. إننا نبذل قصارى جهدنا من أجل نقل هذه الرسالة أينما تفاعلنا مع أمثالنا بمن فيهم البعيدون جدا. إنها مهمتنا وأفق مستقبلنا كموريتانيين.
إنني لأنحني بإجلال أمام رفاق دربنا –تانيا، آنتونيو، إنياسيو، خوان، ماتيوو ، راعد – الذين ترجموا تأثرهم الوجداني تجاه إيرا-موريتانيا إلى كتابة تهدف إلى نشر تنازلنا عن مصالحنا وذواتنا من أجل الآخرين والتعريف بذلك، كذلك أساليب التزامنا ومرجعياتنا في النضال السلمي بلغات عديدة وفي كل جنبات الأرض. علاوة على ذلك، أشعر أنني مرغم، في هذا اليوم المفعم بالرمزية، على استحضار روح وذكريات أشخاص أعزاء غادرونا دونما تقاعس عن متطلبات الكفاح. ولتسمحوا لي بإطراء أولئك الأحياء الذين يحافظون، دون مواربة، على الحماس والإصرار ويرفضون الاستسلام للرشوة والإحباط.
كما أذكّر وأعيد التذكير، بلا كلل، بما أورثني والدي الداه اعبيد ووالدتي اماته أحمدُّ سالم من تربية وقيم منذ ريعان طفولتي، تمهيدا لما سأواجه في سن البلوغ في مجتمع فئوي لا يحترم كرامة الشخص. لقد علمني المرحوم الداه اعبيد رفض ومعارضة الظلم مهما كان مصدره بصفة عفوية ودون أي حساب أو لف ودوران. أما المرحومة اماته أحمدُّ سالم فزرعت فيّ ميلا إلى أن أتقاسم مع المساكين كل متاع الدنيا، وأن أعطي حتى آخر فلس بعيدا عن الخوف من العوز  وما يخبئه الغد. هذه المبادئ تقود عملي على رأس الحركة الانعتاقية وتوجه حياتي في فضاءي الخاص.
أتوجه إلى كل هؤلاء، من بلادي وخارجها، من الذين ملأت الأخوة والرأفة قلوبهم وتسارعت دقاتها بانسجام بغية خدمة ونشر التفاهم بين البشر المحبين للتنوع والاكتشاف المتبادل، بعيدا عن الطوائف والتقوقع الديني وأوهام المتطرفين الميتافيزيقين المحاربين للعقلانية، ومن بين هؤلاء أمتدح المدافعين عن القانون والبيئة والسلام وفق منظور يحترم الاختلاف. والحقيقة أننا في عجلة من أمرنا لإنهاء معركتنا في موريتانيا قبل أن نكرس جهودنا، معكم، لأم التضامنات: إننا نحلم بتوزيع عادل لمصادر الأرض وبتجديد هذه المصادر من أجل أن نحسّن الولوج إلى الماء والغذاء والعلاج وإلى مستوى من التعليم يعزز، بالتميز والامتياز، المعارف والفنون والفلسفة والأدب بعيداً عن مطبات المصادرة والانجرافات الاستقصائية. كما سنساهم في تراجع كراهية الأجانب والجوع والشعبوية الفاحشة والرغبة في الهيمنة، خاصة تلك القاتلة منها أي التطرف الديني العنيف.
بالنسبة لحالتنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، فقد قررنا، منذ 2008، إطلاق إنطلاق مراجعتنا للموروث العقدي-المجتمعي باسم مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا) هدفه إعادة النظر في الأفكار والعبارات والتصرفات الخاصة بالهيمنة. وقد أقصينا كل عنف جسدي من منهجيتنا وركزنا على الجانب النفسي لقيادة الجماهير بغية تسريب الشك واللبس في المراكز الحساسة للمنظومة المهيمنة. وقد بقينا مخلصين لهذا الأسلوب لأننا تثبتنا وتحققنا من نجاعته. وهذا ما يشهد عليه مقررو الأمم المتحدة.
البرنامج الشامل لإيرا يستهدف، منذ اللحظة الأولى، هدم السيطرة الذهنية لملاك الماشية البشرية (العبيد). كان لابد من تقويض أداة وإسمنت تبعية المسترقين للأقلية المهيمنة. الحرب التي فرضتها علينا السلطة المركزية، بتفويض من القابضين على السلطة في المجتمع و المتمسكين المستفيدين من زمام الرق والعنصرية والتفوق اللغوي، أرهقتنا بالعنف و الضربات في مجالات الحرية والسعادة والحرمة الجسدية والمعنوية. كانت السجون والشيطنة والمنع من العمل والإصابات وسوء المعاملة المتعدد الأشكال، جزء من حياتنا اليومية على مدى أكثر من عشر سنوات. المأموريتان اللتان حكم خلالهما الرئيس محمد ولد عبد العزيز جلبتا لنا الكثير من الحزن لكنهما عززتا إصرارنا. اليوم، وقد قبع في السجن بتهمة ارتكاب جرائم اقتصادية، فإننا نحجم عن التحامل عليه.
في آخر مواجهة خلال العشرية الأخيرة، برهنت تشريعيات ورئاسيات 2018 و2019 على ما نملك من إمكانات. وقد خرجنا من صناديق الاقتراع منتصرين بالرغم من التزوير ورغم تحريم أجهزة مشاركتنا الديمقراطية كحزب الرك و حركة إيرا. وعكسا لحسابات منتقدينا، وبالرغم من الترهيب وقلة الوسائل، تمكننا من الحصول على نواب ومستشارين بلديين. وحسب الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات، فقد حصلتُ على المرتبة الثانية بعد رئيس الجمهورية الحالي. واليوم أزعم أنني أجسد عرض التناوب على السلطة الوحيد و الممكن في وجه التحالف الأرستقراطي البيروقراطي القبلي والفئوي كما هو موجود، بأشكال ملمّعة شيئا ما، منذ 10 يوليو 1978.
الآن، أصدقاءنا الأعزاء، نعيش مرحلة ثانية من تحقيق مشروعنا لصالح موريتانيا والموريتانيين. فالدولة، خلال السنتين الأوليين من مأمورية محمد ولد الشيخ الغزواني، تخلت عن خيار القضاء علينا بإجتثاثنا العنيف عكسا لسلفه.
الدعوة إلى القتل، وحملات التشويه، والحرمان، والسجن في الفيفاء تحت سقف من الزنك في لهب تبلغ حرارته أكثر من 50 درجة، والعقوبات الجسدية، لم تعد تطبع الخط الرسمي تجاهنا. فيما يظل خطر التراجع قائما لأن شخصيات مؤثرة من الحكومة، ومن الإدارة، ومن الأجهزة المالية، ومن المحيطين بالرئيس غزواني، تحاول تأجيج النار بغية إنهاء التهدئة الحالية.   إنهم يمثلون مصالح المحافظين والقبائل والطوائف والغلو وكل الفصائل التي يخيفها طموحنا إلى المساواة والمواطنة.
نعم، أصدقاءنا الأعزاء، فكما هو الحال خلال مرورنا الخاطف بالحياة، فإن التاريخ والفنون علمتنا أن الطمأنينة والصفاء والوفاء أمور تُشترى وأن ثمنها الإنصاف وأعمال الخير والصداقة والحوار الصريح. السعر ليس باهظا ولا المنتج باهظ. أنْ نعيش دون حرب وبعيدا من الخوف مسألة تستحق الاحتياط والإنفاق المفرط في التورع. هذا الميثاق الانتقالي من الإصلاحات هو ما ندعو إليه مواطنينا والسلطة الزمنية. إننا نريد أن نقيم وضعا اعتياديا لصالح إخوتي السود من جنوب الصحراء: السكان الأصليين، بناة البلاد، الوطنيين المتحمسين كابرا عن كابر، وأطفال مجتمع الحراطين الكادّ، المتعهدين بالسدود والحصاد والآبار ورعاية الماشية، هذه القومية الصبورة المحاصرة دائماً، و منذ الأزل، على أعمال العضلات و الشمس و العرق السحيقة. إننا نلتزم بمطاردة الرق وكل ممارسة شبيهة به إلى آخر قلاعه. ونتمنى أن لا يتعرض الزنوج الموريتانيون للقتل بعد الآن، وأن لا يتعرضوا للتعذيب والتهجير دون عقاب. وإننا نصر على إلغاء القوانين التي تحمي الجلادين وتفرض على الضحايا واجب الصمت من أجل المحافظة على انسجام المجتمع ذي المصير المشترك، كما يقال. أمام محنة الحرمان وإنكار العدالة، فإن الحيلة لم تعد تنطلي على أحد. بيد أنه لا ينبغي لأحد أن يتصور الخوف بسبب خطواتنا المشروعة: فنحن لم نقتل أبدا خلال مسيرتنا نحو المساواة، ولا نحوز أي سلاح قاتل عكسا للكثير من مواطنينا ومنتقدينا من المدنيين الذين يحوزون بصفة حصرية بنادق هجوم وذخيرة حرب. كم مرة طلبنا من السلطة أن تضع حدا لهذا الخلل في توازن الرعب الذي يسارع الكل إلى الضغط على تقلباته المأساوية في أول نزغة. ولتسمحوا لي أن أكرر هنا مناشدة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لأن نزع سلاح المجتمع يبدو لنا مستعجلا إذا ما نظرنا، دون رتوش، إلى انهيار السياق الأمني في الساحل.
إننا نراهن على التعايش الهادئ مع نظام الرئيس غزواني والتعاون على البحث عن قواعد تنافس لا تنتهك حقيقة الإقتراع حسب مبدأ “لكل إنسان واحد صوت واحد”. غير أن الهدف يتطلب ديباجة: فالمشرّعون ليسوا منتخبين بنفس عدد المصوتين بما يوحي أن البعض يمتلك شرعية أو قيمة أكبر، فالتقطيعة الانتخابية تعطي حظوظا أوفر لمجموعات من السكان على حساب مجموعات أخرى. لا مأساة في قبول تطور المجتمع، ووحدها إعادة التأهيل واستصلاح دولة القانون والحريات الديمقراطية والمجلس الدستوري وقوى الأمن والقضاء، تمكّن من الحيلولة دون دفع فدية التمرد والاستياء. إننا نعتز بالسلام لا شك، غير أن عنصرا ثمينا مثله لا يمكن الحصول عليه بالإهمال ومرض التوحد والعمى.
أشكركم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى