ولد بلال يكتب : تفيريت و بطلان القياس
تفريت،
يحكى أن أحد علماء وقضاة “تومبكتو” في القرن السادس عشر (م)، أفتى بجواز الحُكم ب”القياس” مطلقا في أي مسألة أو نازلة لم يتضح فيها الحسم بالقطع والظن. وكانت المدينة في عهدها الذهبي عاصمة للعلم والتجارة وقبلة القوافل في إفريقيا. وقد هاجرت إليها قبائل وأسر من شتى أطراف القارة.
و ذات يوم حل بها عدد من طلبة العلم ونزلوا بباب الإمام وقاضي المدينة. رحب بهم و أمر بإكرامهم. و جاء أحد فتيانه بطبق من الفول السوداني (گرْتَه). وقال القاضي: “بسم الله، تفضلوا”. ولكن الطلاب لا يعرفون “گَرْتَه” ولم يروها من قبل.. فسألوا القاضي عن طريقة تناولها. وردّ: “عليكم بالقياس! قيسوا على ما عندكم في بلادكم”. فبدأ الطلاب يكسرون الحبة و يأكلون القشرة و يرمون النواة .. قياسا على “التمور”.
وبعد ذلك بعقود، سافر الإمام التومبكتي في رحلة حج و كان من قضاء الله أن يبيت ليلة في ضيافة إحدى القوافل العربية. رحبوا به و جاؤوا بطبق من التمر العلي. وقالوا “بسم الله، تفضلوا”. سألهم: ما هذا؟ و كيف تناوله؟ قالوا : “عليكم بالقياس، قيسوا على ما عندكم في بلادكم”. قال نعم، و أخذ يرمي القشور و يأكل النواة. و بعد ليلته تلك: أصدر حكما جازما ببطلان فتواه بجواز القياس مطلقا.
سؤالي:
ماذا لو نقل شباب “تفريت” كميات من الأوساخ وكبّوها كبّا كبّا على انواكشوط، وقالوا لأهلها: “بسم الله، تفضلوا”؟ هل تطيب لهؤلاء القشور أم يتسنى لهم – بالقياس – معرفة أضرار القمامة وإصدار حكم ببطلان جواز رميها على الناس؟