الأخبار

نظام التراتبية الفئوية في موريتانيا: من المحاكم الخاصة إلى التعذيب في الملأ

ينحدر موديبا دمبيا، الذي بدا في شريط فيديو ضحية لسوء المعاملة و التعذيب و الوحشية أمام الشهود، ودون أي نجدة من الجمهور الحاضر، من جمهورية مالي، وهو راقٍ دجال (حجّاب) يقطن منذ 11 سنة في قرية دافور. وتارة يوسّع أعماله الخفية(الشعوذة) لتصل داخل مقاطعة ولد ينجه بولاية كيديماغا في الجنوب الموريتاني. وإن مضيفه الأول ووصيه وضامنه هو المدعو سالو فوديي كمرا.
وكان السيد دمبيا، المتاجر بالخدمات الغامضة(الكهنوتية)، يستفيد من تسامح و مباركة الأعيان من السكان الأصليين في قرية دافور. وبما أنه مطلوب لخدماته الواقعة على نفس المسافة بين السحر وتبتلات رجال الدين المحليين، استفاد من ريع تعويضاته المرغوبة.
إلا أن اعتراضه على النظام التراتبي الذي تحفظه ذاكرة الاسترقاق في الوسط السونينكي، جاء ليتسلل إلى مهنة الرجل ما عرّضه لتهمة الخروج من حياده داخل النزاعات والحسابات بين النبلاء والفئات الدنيا المسترقة أصلا. فالنبلاء يأخذون على طبيب الأرواح هذا تعاطفه مع حركة كمباناخو المعادية للامتيازات والتفاوتات بالمولد و بقايا الاسترقاق في المجتمعات الصوننكية. هذا “الميل السافر”، غير “المحتشم”، أغضب مالكي زمام السلطة المجسدين في شخص دياديي كاني كمرا زعيم دافور منذ 1988 وعميد العمد الموريتانيين. فاتهم العمدةُ الراقي دمبيا بالدجل وأنذره بمغادرة المكان. فاستبعد دومبيا أن يغادر القرية قبل أن يسترد مبالغ يستحقها على بعض القرويين مقابل عمله الفضفاض. وفي وجه الرفض غير المسبوق نسبيا هنا، نظم العمدة وقاد، يوم 18 يونيو 2020، حملة عقابية اتجهت نحو المنزل المستأجر من طرف المتمرد. إذن كان دياديي كمرا، مرفوقا بابنه محمد سيلي، على رأس الجمهور المسلح بالهراوات وحبال الماشية كما تظهره الصور.
ارتمت الثلة على دمبيا قرب المسجد وأوثقه عدة رجال ينحدرون كلهم تقريبا من أسرة الوزير السابق آمادي كمرا المتعاون المقرب من الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز والعضو في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
إطلاق العنان للعنف الجماعي، كما لوحظ بوضوح، تورط فيه عدة أعيان من بينهم مستشار بلدي باسم كولي مامادي كمرا، شقيق آمادي. فيما يقبض هاديتو كمرا، رئيس اللجنة القروية ودمبه ادياني كمرا، اللذان تمكن مشاهدتهما على شريط الفيديو، بطرفيْ الحبل المربوط بالحجّاب.
لم يأت أي شخص ضمن الجموع لنجدة الضحية الذي شُدّ وثاقُه وتعرض للضرب والإهانة وتم تصويره. وقد ظل يستجدي إلى أن تداركته عناصر من الشرطة القضائية أرسل العمدة في طلبهم مع أن عميد العمد في موريتانيا هو مرتكب العمل الانتقامي. لقد سلم لهم جثة دمبيا الدامية. وبرغم التعذيب واصل دمبيا الإلحاح على القرويين لتسليمه نقودا كانت بحوزته يقدرها بمبلغ 53700 أوقية جديدة. لقد رد عليه هذا العسس(أفراد الدرك) بأن المطالبة بدينه و المبالغ التي كانت بحوزته يجب أن يقدمها للسلطات في مدينة ولد ينجه عاصمة المقاطعة. بيد أن الأمر ليس إلا وعدا عرقوبيا، إذ رمى عناصر الدرك بدمبيا على الحدود مع مالي وهو خالي الوفاض من كل شيء. فبات من المهم أن نشير إلى تسلسل الأحداث ونطلب من السلطات أن تعالج القضية بأسرع ما يكون:
1-من خلال تصرفاتهم، فإن المواطنين وعناصر الدرك المتورطين في الجريمة، يُلزمون حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية بانتهاكهم المادتين 3 و4 من الميثاق المؤسس للاتحاد الإفريقي والمعاهدة المناهضة للتعذيب والعقوبات أو المعاملات القاسية وغير الاسانية والمهينة الصادرة سنة 1984 حيث وقعت بلادنا وصادقت على آليتي القانون الدولي وكانت قد أدينت، طبقا للآلية الثانية، يوم فاتح يوليو 2005، خلال محاكمة النقيب اعلي ولد الداه أمام محكمة الاستئناف بمدينة نيم الفرنسية. وحتى اليوم، تمتنع الدولة الموريتانية، على المستويين الجنائي والمدني، عن تنفيذ أحد القرارات الهامة ضمن صلاحيات متابعة الجرائم في أوربا. ولعله من الجدير أن نذكر إلى أي درجة من السببية يعزز الإفلات من العقوبة فرص العودة إلى ارتكاب الجرم.
2-إن مجموعة البراهين المتوفرة، كالتسجيلات الصوتية والصور عبر شرائط الفيديو، لا تسمح بأي شك في هوية مرتكبي الفعلة التي يتباهى بها البعض خلال النقاشات على المجموعات الألكترونية. كل الحاضرين للمشهد يستحقون التجريم على عدم نجدة الضحية وتمجيد الرق والحث على الكراهية.
3-سيكون على الحكومة والقضاء أن يطبقا على الجناة والمتواطئين معهم كافة الآليات القانونية الردعية بعد متابعتهم قضائيا. إن مثل هذا المستوى من الوحشية لا يمكن للقانون أن يتصامم عنه إلا في مكان لا تحكمه القيم الأخلاقية.
هذا النداء موجه إلى الهيئات المحلية المتكفلة بالدفاع عن كرامة الانسان ونجدته وجبر أضراره جراء المساس بكرامته الجسدية ومضايقته.
4-على ضوء الحدث، يكون لزاما على البرلمان، من الآن فصاعدا، أن يصادق على تشريع صريح في مجال حماية الأجنبي على الأرض الموريتانية. وبحكم مبدأ المعاملة بالمثل، فإن اعتماد هذا المعيار الأخلاقي يشكل إجراء احترازيا سيسهم في المحافظة على أمن وممتلكات مواطنينا في المهجر.

مبادرة انبعاث الحركة النعتاقية (إيرا)
نواكشوط بتاريخ 6 يوليو 2020

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى