الأخبار

موريتانيا: من المرأة الأداة إلى الضحية البكماء ( مذكرة تنبيهية مستعجلة)

 

 

 

منذ اعتماد مشروع القانون، المُعَد سنة 2016 الذي تم إبطاله عدة مرات، لم تتمكن موريتانيا، حتى الآن، من إنتاج معايير لحماية المرأة من العنف والازدراء والإهانة والقصور المدني. فحتى اللحظة، لم يتمكن النواب من التصويت على إجراء ما فتئ يُراجَع بين التطابق المظهري مع المعايير الدولية والاهتمام بمسايرة شعبوية لجمهور النساك.
وكما هي العادة عندما يتعلق الأمر بهامش الشخص في المجال العربي-الإسلامي، يصبح الجدل هو المسوغ للمجابهة بين دعاة التقدم والمدافعين عن التقليد. ومن أجل إنارة الرأي العام، تتوجب الإشارة إلى أن الروابط التي كانت وراء الإصلاح تسعى إلى وضع حد للمساس بالعرض ووضع حد للشتم والاستغلال الجنسي والتخلي عن واجبات المنزل، ورفض دفع المعاش، تلك الأمور التي غالبا ما ترتكب في إطار الزيجة، مع ما يرافقها من وحشية وسوء معاملة ومنع من التركة ومختلف أنواع الإكراه المتعلق بالعازبات خاصة الفتيات الأمهات.

رهان عاطفي
الكل متخم بالاعتقاد بالدونية الشرعية والفعلية للمرأة بالمقارنة مع الرجل سواء كان زوجا أو قريبا أو حتى دون علاقة معها.  كما أنه ثمة جدل يقوم حول حق التطليق وحالة الترمل والتمتع بالشخصية القانونية التي يعتبر الحق في السفر والتملك تجسيدا ملموسا لها.
وأخيرا فمن المهم أن لا نغفل التحرش والحجز والزواج القسري. إن الوضع الراهن للمرأة ينهار حاليا تحت تأثير العولمة ومبدأ التكافؤ. أما المنافحون عن المحافظة فيتمنون التمسك بصيغ غامضة حتى لا يصدمون الناس الذين يعتبرون أن بنود المشروع ستكرس مفهوم “النوع” وهو اختراع غربي لا يلقي بالا لتعاليم الشريعة، بل تشجع محوها. أما أصحاب معسكر المسلكيات العلمانية، فيلحون على تأخر البلد في هذا المجال بالمقارنة مع إفريقيا جنوب-الصحراء والدول المغاربية. ويرافعون عن ضرورة سد فراغ قانوني ظل مصدرا للانفلات من العقوبة وعامل تكرار.

معركة الخنادق
في يوم 8 مايو 2020 احتاج الأمر إلى منشور، على الفيسبوك، لنائبة إسلامية ليشتعل النقاش قبل أيام قليلة من نظر الجمعية الوطنية في المشروع تمهيدا لنقاشه والتصويت عليه في جلسة علنية. وقد عبرت النائب الموقرة سعدانا بنت خيطور في منشورها عن دعمها للمشروع ودعت حزبها (تواصل) للتحرر من خط الترويج والدفاع  عن التفوق الذكوري والظلامية. وبسبب المصلحة والحماس الذيْن تثيرهما تصريحاتها لدى التيار المناهض للرق والمنظمات المدافعة عن حقوق النساء والحراك اليساري، اعترضها الجناح المتشدد في منبرها–أئمة وبرلمانيون ومدونون- بضراوة وقحة، بعض المتحاملين عليها اتهموها، بأسماء مكشوفة، بعدم الانضباط وبالخيانة وحتى بالزندقة. وفي ردها، برصانة غير معتادة لدى الاسلاميين، رفضت بنت خيطور الإذعان لضراوة بائعي الأغذية الفاسدة والأدوية المزورة، وهي التجارة التي يزاولون تحت درع اللحى ووراء الزهد الزائف. وتواصل الخصام فشارك فيه، في نفس اليوم، محفوظ ولد والد المكنى بأبي حفص، النائب الثاني والمستشار السابق لزعيم القاعدة بن لادن.
وقد حذر ولد والد الحكومة من مغبة إثارة الفتنة والتمرد المسلح الذي ستغرق فيه موريتانيا إذا تعنت التشريع الجديد في فرض المساواة بين الجنسين. ومن الأكيد أن أبا حفص يستغل حقه في التعبير للحث الضمني على أعمال الشغب، وإن سجله السيء السمعة يمنح، بالتلويح، مصداقية للابتزاز. فداخل بنيته الذهنية، المحنطة في قفص القرون الغابرة لثقافة شبه الجزيرة العربية، فإن الرجال يذهبون إلى ساحة المعركة للدفاع عن المعتقد وإفناء الكفار، بينما تنتظرهم الزوجات الخاضعات لتقدمْنَ لهم العلاجات والحضن وراحة المحارب. أما باقي الطغمة النسوية تفنشغلن بالعناية بالأطفال وركوب الخيال وتفاهات العفش، دون امتلاك العبيد لأن مثل هذا التمثل الإنساني يمنح، من خلال استرقاق السود، كامل آليات الوجود في المجتمع. هذا العالم الميت، وإن قاوم التعفن، يسعى أبو حفص لإنعاشه وازدهاره لدرجة أنه يلوّح مهددا بمخاطر السلاح وخيار التعرض للهجمات.
هذا الشخص ليس مبتدئا في الأمر. فمنذ مقدمه من أفغانستان إلى موريتانيا، وهو يراكم الغموض من خلال تصريحاته ونشاطاته تاركا احتمال استمرار مصيره الأول. إن سلطات الجمهورية، بادعائهم أنهم حماة الإسلام المحلي، يعرضون الشراكة العالمية من أجل السلام والأمن للمخاطر في وجه تمدد الغلو.

نصائحنا
تطلب إيرا من الحكومة والمنتخبين أن يأخذوا الوقت لنقاش النص وشرحه للناس بأخلاقيات مزودة بالوضوح وزحام العقول بغية الحصول على التحسينات الأمثل، ومن التجربة سينتج إعلاء شأن السلوك العالمي لدرجة ما من الكرامة واحترام البشر.
الآية 70 من السورة 17 تتضمن مضمونا مفيدا في هذا الصدد: “ولقد كرمنا بني آدم”.
إن نص المشروع في صيغته الحالية يضحي كثيرا بتواضع ومحرمات وإحراجات بيئة اجتماعية اختفى وسطُها بشكل لا رجعة فيه.
إن إجراءات القانون المشار إليه ينقصها الانسجام والشجاعة، كما لو أن المرأة لابد أن تعتذر على الدوام عن كونها ضحية. وإن خفة العقوبات وجبر الأضرار الخطيرة تناقض الإلتزامات الخارجية لموريتانيا. فمثلا المادة 7 من مشروع القانون تنص على أن “سحب الشكوى أو الصلح بين الزوجين يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون”. ويلعب النظام وغالبية المعارضة على  ازدواجية غالبا ما تخضع لحسابات انتخابية قصيرة المدى.
وأخيرا، فإما أننا ننتمي إلى مصاف الأمم، وإما أن نختار أن نعيد ونتابع، من الآن، تجربة الوهابية المبيدة للحريات حتى ولو أن أمراء وفقهاء السعودية لم يعد بإمكانهم أن يتجرأوا على المجاهرة بها. خاصة أن بعض المؤرخين أصبحوا يضعون الوهابية في خانة الهمجية، بينما تصر تركيا على الحفاظ على نمط علمانيتها.
في نفس خانة الاستعجال في تحرير الضمائر ورفع رهان الإرهاب الهادم للعقل، تبرز المادة 306 من القانون الجنائي التي تعاقب بالموت “جرائم” غير مادية، عكسا للعنف الزوجي والاغتصاب. إن موريتانيا بحاجة إلى الخروج من القرون الوسطى. وكلما تأخر خروجها منها، كلما غاصت فيها أكثر.
مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية في موريتانيا
ايرا-موريتانيا
13 يونيو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى