كوبني بأي ذنب قتلت؟ / المهندس سيدي ولد أحمد مولود
صحيح أن التصريح بالجهوية أو المقاطعية أو القبلية أو العرقية أو غيرها من المصطلحات التجزيئية لا تتماشى وروح العصر الذي نطمح لعيشه، عصر دولة القانون والمساوات والعدالة، عصر لا فضل فيه لعربي ولا أعجمي إلى بالكفاءة والوطنية والصدق والأمانة.
لذا فإن تناول موضوع من هذا القبيل غير مستساغ بمفهوم الشهية الجمعوية، وقد يعتبر متطرفا إن كان لصاحبه مآرب لا تتماشى وروح دستور البلاد أو تلحق ضررا بما هو مقدس أو ثابت أو عام، إلى أن للضرورة أحكامها خاصة إن تعلق الأمر بمسألة سقف الآمال فيها هو تحقيق العدل فقط أو السعي نحوه على الأقل.
مقاطعة كوبني لمن لا يعرفها، هي أكبر مقاطعات الحوض الغربي من حيث تعداد السكان، إذ تجاوزت المئة ألف نسمة (100.000) منذ أكثر من ثمان سنوات لذا تمثل بثلاث نواب في البرلمان للمرة الثانية، وتضم سبع بلديات تعداد بعضها يناهز تعداد بعض مقاطعات الوطن.
وتعتبر المقاطعة عينة مصغرة من الوطن تزهر بالتنوع السكاني الذي يعتبر مصدر قوة وثراء للبلد، وتتداخل اجتماعيا مع المقاطعات المحاذية لها كلعيون والطينطان وجيكني إلى أن ساكنتها يجمعها أكثر مما يفرقها فهي ذرية بعضها من بعض.
وتعتبر كوبني البوابة الرئيسية نحو الشقيقة مالي مما يبرر ازدهار التجارة فيها، والنشاط الرئيسي لجل ساكنتها هو التنمية الحيوانية إضافة للزراعة البعلية أساسا وبعض الجيوب لزراعة الخضروات، حباها الله بكميات وافرة من المياه تعبرها سنويا على شكل سيول هادئة لا يتم الاستفادة منها بعد إلا بشكل تقليدي تدعى محليا بمصطلح (وامه).
هذه المقاطعة المهمة فعلا جغرافيا واقتصاديا وديمغرافيا وهو ما تعودت الساكنة على سماعه من كل زائر مهما كان مستواه من رئيس جمهورية أو عضو حكومة أو مدير حملة في مستهل كلمته، حيث يضحكون عندما يسمعون قوله “إن مقاطعة كوبني لمن أهم مقاطعات البلد”، ليتدخل أحدهم قائلا أما آن لهؤلاء الزوار أن يكملوا هذه الجملة لتكون ذات معنى، فالأجدر بالواحد منهم قول “إن مقاطعتكم هذه لمن أهم مقاطعات البلد المنسية”، ثم ينشغلون عن بقية خطابه بالنقاشات حول مناحي تجلي هذه الأهمية، هل تتناسب مع ما يرصد لهم من ميزانيات الدولة في السنوات المتتالية والتي عادة تكون مترجمة بتوفر ضروريات الحياة من مياه شرب ومرافق صحية وتعليمية على الأقل، أم تتجلى في إشراك منحدريها في تسيير المرافق العمومية للدولة أو حتى هيئات الحزب الحاكم الذي دأب جلهم على الانخراط فيه منذ ميلاد الديمقراطية في البلد.
ولكي لا نظلم الأنظمة المتعاقبة على البلد ولا نسفه الأهالي فإننا نترك الإجابة على الأولى وننصح المهتم أن يطلع على المعطيات وهي متاحة لدى الدوائر الرسمية ويقوم بنفسه بجملة من المقارنات تشمل الإعداديات و الثانويات والنقاط الصحية وعدد الشبكات المائية ومجموع طول أنابيبها وعدد المعلمين والأساتذة والأطباء مقارنة بمساحة المقاطعة وعدد السكان لينتهي بحقائق متمثلة في عدد من الساكنة مقابل كل طبيب أو ممرض أو معلم أو أستاذ أو شبكة مياه أو مولد كهرباء …إلخ، تلك الأرقام تعبر عن نفسها وما أبلغه من تعبير.
أما عن الثانية فإن القارئ قد يستغرب إذا قرأ أنه منذ استغلال البلاد إلى يومنا هذا لم يصل بعد عدد من ذكرت أسمائهم من أبناء المقاطعة في بيانات مجلس الوزراء إلى العشرة (10)، أما بخصوص الثالثة فإنها كذلك حقيقة مرة إذ لا يوجد اسم واحد من أبناء المقاطعة من ضمن مجموع أعضاء المجلسين الوطني والتنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في ثوبه الماضي، رغم مضاعفة العدد مرات لعدد المقاطعات في البلد.
هذه الوصاية أو الحكم الغيابي على المقاطعة وأهلها هو ما انعكس سلبا في الانتخابات الماضية إذ انقلب الحزبيون على الحزب وهي رسالة وتنبيه من الأهالي على أنهم أحياء يرزقون ومطلب ورجاء على أن يشركوا مستقبلا ويتم التشاور معهم في أمورهم المحلية على الأقل إن كانت القضايا الوطنية محرمة عليهم.
تلك رسالة كانت إشارة لمن نور الله قلبه ، كان فحواها أن القرارات الحزبية لا تتخذ بنفس الأسلوب الذي تتخذ به القرارات في القصور الملكية أو الإمبراطوريات التجارية لأن جهات وآليات التنفيذ مختلفة ببساطة، رغم أن المعنيين آن ذاك لم يقدروا ذلك حق تقديره ولم يزل بهم الأزل إلى أن زجوا برئيس الجمهورية وقتها إذ حاول في خطابه أثناء الحملة الانتخابية البلدية والنيابية الماضية في مدينة لعيون ثني الغاضبين وإرجاعهم لدعم لوائح الحزب فكان الرد صريحا من مقاطعة كوبني بسقوط الحزب في أربع بلديات من أصل سبعة ونائبين من أصل ثلاثة نواب، وهو رد انتشرت عدواه في مناطق كثيرة من البلاد إذ هزم الحزب في بلديات ما هزم فيها حزب حاكم قط، واتضح أن القرارات الحزبية المتخذة انفراديا في مكتب مكيف على شاطئ المحيط غير قادرة على مقاومة شمس أيلول الحارقة في أعماق البلاد.
فات ما فات وكان ما كان وجاء عهد جديد فاستبشرنا وكان لذلك ما يدعمه من ماضي صاحبه وحاضره فتوكلنا وقلنا للقوم ابشروا ذهبت عهود النسيان والإقصاء بإذن الله، فعمتهم الفرحة والسرور وترجموها في صناديق الاقتراع بأغلبية مريحة رغم ندرة رجال الأعمال والأطر السامين في المقاطعة، إلى أن جاءت لوائح لجان الحزب المسؤولة عن التحضير لمؤتمره.
عشرات الصفحات ومئات الأسماء من أطر ومثقفين وفاعلين سياسيين ووجهاء فبدت حليمة وكأنها مصرة على عادتها القديمة، فتحطمت بذلك نظرية الإقصاء المتعمد من قبل الأنظمة السابقة لأهل المقاطعة وبدى أنه مجرد تقليد موروث عند كل من يدخل دائرة المسؤولية في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فللأهالي أقول: لا تيأسوا فإن الفرج قريب فأنتم الناخبون ومنكم الوحدات والفروع والمناديب وأنتم الغاية والوسيلة فأصبروا فإن الله مع الصابرين.
وللهيئات الحزب القادمة أقول: استفيدوا من تجارب من سبقوكم واعتبروا، وكونوا جامعين لا مفرقين، جاذبين لا منفرين، مبسطين لا معقدين، حياديين لا متخندقين، مغلبين المصلحة العامة على الخاصة.
ولرئيس الجمهورية أقول: اتق الله في نفسك وفينا وفي غيرنا، وارفع الظلم عنا وعن غيرنا ولا تظلمنا ولا تظلم لنا ولا بنا، ولا تسمع منا في غيرنا ولا منهم فينا، وأعدل فإن عدلت لأمنت وإن أمنت لعشت مرتاحا في الدنيا ولسلمت في الآخرة، وفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد.
وقبل أن أختتم فإنني أستسمح من الجميع، فرغم قناعتي بأهمية هذا الموضوع ومساهمته الإيجابية في التنمية المتكاملة للبلد ودوره في استتباب السلم الاجتماعي وتقوية الوحدة الوطنية، إلى أنني كتبته ويدي ترتعش لأني ببساطة كنت وقتها في تناقض صارخ مع شخصيتي وتكويني حيث تربيت وتكونت في أوساط كانت الأحاديث فيها عن أمة، عن مشاكلها، عن أسباب تدهورها و عن إمكانية توحيدها وكان المرء يكاد يخجل عند الحديث عن بلد بعينه أحرى عن مقاطعة من بلد.
المهندس الزراعي، سيدي أحمد مولود