أقلام

ثنائية السيف والقلم ….الصراع الثقافي في مجتمعنا/محمد محمود حماه

 

 

ثنائية السيف والقلم ….الصراع الثقافي في مجتمعنا

لاشك أن الكثير من أبناء مجتمعنا لازال يعيش فكريا على مخلفات الطبقية الاجتماعية خاصة في ( موريتانيا الأعماق ) تلك الطبقية التي أنتجتها هذ المجتمع في مرحلة ما من تاريخه ورسخها وحافظ عليها ، ورغم التغيرات العميقة التي تراكمت على المجتمع منذ العقود الثلاثة الأخيرة ونتائج هذه التغيرات على الواقع إلا أن الصبغة الاجتماعية لازالت عصية على الاندراس بشكل نهائي وكان من أهم خصائص هذه الصبغة الفصل بين التخصصات الاجتماعية
لقد بنى هذ المجتمع جدارا اجتماعيا منيعا يفصل بين تخصصات أبنائه الاجتماعية
فعلى سبيل المثال ليس من حق أصحاب السيف التحدث في الأمور الثقافية والعلمية
كما ليس من حق أصحاب القلم حمل السلاح حتى في حالة الدفاع عن النفس
وليس من حق باقي أطياف المجتمع الطموح لأكثر من لقمة العيش
إلا أن أشخاص قلائل استطاعوا في تلك الفترة اختراق هذه المنظومة واستطاعوا الجمع بين شهوة القلم وعزة السيف وحصلوا على ثمرة العلم وكرم النفس
حتى جسدوا ظاهرة ( الفتى )
تلك الظاهرة التي ترمز لكمال الإنسان في مجتمعه الحساني في ذلك الآن
كان من لوازم الفتى أن يكون عارفا لأحكام دينه قويا رابط الجأش
عارفا بفن الحرب ( مايخبط ماه اكصير لعمر )
عارفا بهول البيظان وطرقه عارفا ب ( لغن ) وابتوته
خبيرا بالحيوان ( ركوبه وسلخه حلبه وعلاجه ….. )
غير متكبر ولا مكسال ينفع الصديق ويضر العدو يعين الضعيف ويترفع عن سفساف الأمور
وكان ممن تجسدت فيه ظاهرة الفتى أمراء ومشايخ وأدباء وأشخاص عاديين سطروا أسمائهم في الذاكرة الجمعوية لهذ المجتمع نذكر منهم لا الحصر
المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين ولد الشيخ محمد فاضل
الأمير الأديب الكفيه ولد بوسيف
الأمير الأديب سيد احمد ولد عيدة
الأديب والكريم المنفق دودو سك المعروف محليا ب : ولد ابنو المقداد
الأديب المجاهد ولد امسيكه
الأمير الأديب احمد الديد
إن صراع السيف والقلم هذا ظاهرة معدومة في المجتمعات الإنسانية وإحدي الخصوصيات الثقافية لمجتمعنا فالمتتبع للتاريخ الطويل الذي درجت عليه البشرية يلاحظ أن هذه الظاهرة لا وجود لها في أي مجتمع آخر
فلا يكاد مجتمع يخلوا من ملاحم أدبية تجسد فيها عناق السيف والقلم منذ عهد الإلياذة الإغريقية مرورا بحرب التوابل الهندية ( الماهابهاراتا ) وسيفيات المتنبي وملحمة بيوولف الانكليزية وأغنية رولان الفرنسية وحملة إيكور الروسية وقصيدة السيد الإسبانية وصولا إلى عهد المراسل الحربي،
كما لم يخل ميدان من ميادين المعركة من قادة وأدباء دونوا تلك المعارك وحفظوها لنا بأسلوب أدبي رفيع ،
كما أن المتتبع للتاريخ العربي أيضا لايمكنه إنكار أنه لولا شعر الصعاليك ومعلقات أصحاب المعلقات لما حفظت أسماء هؤلاء وأفعالهم في كتب التاريخ.
والمكتبة العربية تزخر بأدب الحماس منذ العهد الجاهلي وحتى العهد الحديث حتى صار الحماس غرضا معروفا من أغراض الشعر العربي
أي منا لا يذكر أبيات الصحابي الشهيد خبيب بن عدي رضي الله عنه
ﻓﻠﺴﺖ ﺃﺑﺎﻟﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻗﺘﻞ ﻣﺴﻠﻤﺎً *** ﻋﻠﻰ ﺃﻱّ ﺟﻨﺐٍ , ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺼﺮﻋﻲ
ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻹﻟﻪ ﻭﺇﻥ ﻳﺸﺄ *** ﻳﺒﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺻﺎﻝِ ﺷﻠﻮ ﻣﻤﺰّﻉ

أو أبيات المتنبي
وقفت وما في الموت شك لواقف *** كأنك في جفن الوغى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم

أو أبيات البارودي
ويوم كأن النقع فيه غمامة *** لها أثر من سائر الطعن كالوبل
تقحمته فردا سوى النصل ساعدي *** وحسب الفتى أن يطلب النصر بالنصل
كما أن كتب السير مليئة بأبطال وقادة وأئمة سطروا أسمائهم في التاريخ الجمعوي للأمة بشجاعهتهم وأدبهم منهم لا الحصر
خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه
والخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وابنه يزيد
والحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن الداخل وعبد الملك بن مروان وأبي فراس الحمداني هؤلاء كلهم فرسان وشعراء وغيرهم كثير
إذا لماذا تجسدت هذه التفرقة في ثقافتنا ؟ ولماذا تعمقت الفجوة بين أصحاب السيف والقلم حتى صارا نقيضين ؟ .
مما دفعني إلى تدوين هذه الأسطر كثرة الأستفهامات التي تعرضت لها كوني حاولت الجمع بين الثنائيتين النقيضتين في مجتمع النقضاء الذي لا يسمح إلا بتخصص واحد وراثي لا دخل للطموح والهواية فيه ،
فمن ولد حراثا يجب عليه أن يعيش ويموت بين السهول إذا كان لا يحب صعود الجبال ،
ومن ولد حدادا يجب عليه أن يحيى ويموت بين المطرقة والسندان
ومن نشأ راعيا يجب عليه أن يحيى ويموت بين ظهر الدابة وحوافرها
ألم يآن لمجتمع التقسيمات الجينية أن يتجاوز هذه المفاهيم فكريا ويدرك أن قيمة الإنسان بنفعه للناس وحب الخير لهم
بما يقدمه للوطن لا بأصوله وجذوره
ويدرك أن المجد ليس للسيف وحده كما زعم المتنبي في بيته المشهور
المجد للسيف ليس المجد للقلم
لا فالمجد للسيف والقلم والريشة والتيدنيت والمطرقة والمنجل والعقل والشراع
المجد في اجتماع هذ كله في لوحة وطنية مكتملة العناصر تمثل الأصالة والتنوع والإنفتاح والإنتاج والثبات

# سلام عليكم طبتم

#محمد #محمود #حماه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى