أقلام

مذكرات : معلومات تنشر لأول مرة عن البعث الموريتاني (الحلقة الثانية )

 

 

 

و هكذ بدأ العمل الحزبي المنظم

لقد كان اختيار الرفاق لي كأمين سر مفاجئ لي لأني لست أكثر أهلية و لا أقدمية و لا أكثر دورا في مبادرة
استأناف العمل و لكنني قبلت المهمة انطلاقا من رغبة
الرفاق في البدإ بأي شكل من النشاط يخدم الوجود و يخلق حراكا يهدف لوقف الحرب التي أصبحت تشتد بوتائر متسارعة.
لقد كان المطلوب منا يفوق قدراتنا المحسوسة فنشر فكر الحزب الذي لم يكن معروفا بالقدر الكافي كما هو الحال لدي الناصريين الذين كانوا مدعومين بهالة عظيمة منا للسمعة التي يتمتع بها عبدالناصر و نشر واسع و إذاعات قوية مسموعة و بالنسبة لليسار الماركسي المدعوم بإعلام و نشر ثقافي عالمي بينما
لم تكن إذاعة بغداد تسمع إلا في أضيق نطاق أما إذاعة دمشق فغير مسموعة اطلاقا ونشر القطرين ضعيف او معدوم.
و لم يكن للحزب جهاز متمرس بالنشاط و لا كادر يمكن تهيئته لمباشرة المهام المتشعبة التي تضمن وجودا فعليا قادرا على التأثير و رغم كل شيء بدأنا بالعمل على ثلاث محاور متوازية أولا بدأ ربط الحزب بالقيادة القومية وتحقيق الارتباط المحقق لشرعية الانتماء لتنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي.
ثنيا: بدأ نشر فكر الحزب بكسب وتنظيم من يقتنع وتتم تزكيته .
ثلثا: العمل لخلق رأي عام مناهض للحرب والتنسيق مع مختلف القوة المشتركة معنا في التوجه و لقد كانت البداية عندما عقدنا اجتماعنا الأول بعد تشكيل القيادة و كان في منزل”محمد يحظيه بريدالليل” فقمت بعد افتتاح الاجتماع بتقديم عدد من القرارات التي يجب تبنيها و هي:
١- الغاء راحة العطلة الاسبوعية والخروج للراحة والاستجمام وتخصيصها للاجتماعات والمهام الحزبية.
٢- تكليف كل شخص بمهمة أو مهام محددة يكون مسؤولا عن تحقيقها و انجازها و يكون كل شخص مكاف بتقديم اسم شخص يتابع اقناعه بفكر الحزب وكل شخص يحاسب على ماحقق من مهام محددة و متابعات ورغم صعوبة وغرابة الاقتراحات فقد تم اقرارها وتم التقلب على التذمر والاحتجاج الذي ابداه بعض الرفاق و أسجل هنا أن موقف “محمد يحظيه بريدالليل” المؤيد لهذا الاقتراحات كان حاسما ولقد كان علينا أن نعمل في المحاور الثلاث في نفس الوقت لقد كنت و”محمديحظيه” في عمل لا ينقطع لتزويد القيادة بما نرى وتلقي التعليمات و كانت جوانب من هذه الأخذ والرد في غاية الصعوبة والتعقيد فمن جهة لم نكن متعودين على العمل بتوجيهات لانقتنع بوجاهتها خصوصا كثير من الشكليات التنظيمية وملئ الاستمارات وأمور كثيرة ل انراها جوهرية وتراها القيادة في غاية الأهمية كما أننا صدمنا بموقف القيادة من حرب الصحراء ومن القضية بكليتها لقد كان اختلافنا مع القيادة كبيرا في هذا الموضوع لقد تحملت و محمد “يحظيه الجهد” الرئيسي أو الكلي في التبادل مع القيادة في مختلف المواضيع ومع أن القيادة كانت تطلع على رسائل القيادة القومية و ردودنا إلا أن ما تم ببننا والقيادة كثير جدا و متشعب.
و كان علينا جميعا أن نبحث عن العناصر القديمة لربطها بالتنظيم ومع أن الجميع بذلو مجهودا في المهمة إلا ان مابذلته و “محمديحظيه” أكثر و لقد فشلنا في استيعاب بعض العناصر القديمة لأنهم لم يقتنعوا بالاسلوب الجديد و لم يرق لهم الانخراط فيه و أذكر أننا مرة سألنا عن مكان البعثي الشهير “احمدبن بياه” وعندما جئناه وجدنا معه “عبدالله بن محمدو” وكان الاثنان يعملان في الاذاعة وانتسابهم للبعث قديم وكانوا منقطعين في فترة انخفاض النشاط التي استمرت سنوات و بدأنا الحديث معهم
حول استأناف النشاط وضرورة اشتراك الجميع فاستفز كلامنا “أحمدبن بياه” فقال: كيف تستطيعون أن تقترحوا علينا العمل و نحن لانعلم أين كنتم وكنا وحدنا و هذا المكان يعني منزله آخر مكان مورس فيه نضال و أشار لنا إلى اصباغ على الحائط على أنها من آثار الكتابة على الجدران! فهدأنا روعه بالقول ان ذلك عمل كان في ذلك الوقت و الآن اتفق جمع من الرفاق لاستأناف العمل بشكل آخر من يرى ذلك فعلى الرحب والسعة ومن لم يرى ذلك فلابأس عندها تدخل “عبدالله محمدو” و قال مادام هناك اتفاق على العمل من الجماعة فنحن مستعدون له
هذا من الأمثلة الكثيرة لظروف ربط الذين كانوا منقطعين عن النشاط ولقد بدأ التقدم سريعا بشكل
فاجأنا جميعا وقوى ذلك في رفع معنوياتنا مما زاد في فعالية الكثير من العناصر ولقد كانت العناصر الجديدة اكثر قابلية للتطوير و اكثر فعالية في النشاط بل أن تكاسل العناصر القديمة وعدم طواعيتها لمتطلبات بناء الحزب شكل معضلة استعصت على العلاج واستمرت مع الحزب في كل مراحله ولقد اطلعت بعد ذلك في العراق إلى أنهم وجدوا نفس المشكلة من أناس حزبيين لكنهم غير مستعدين للتفاني في أداء الواجبات وتحمل مختلف المسؤوليات.
وفي المسألة الثالثة : النشاط السياسي بذلنا مجهودات كبيرة لربط تحالفات أينما امكنت وقد بذلنا مجهودا مضنيا مع الاخوة الناصريون وشكلنا جماعة تحاورهم كنت عضوا فيها مع “محمديحظيه” و”ممد بن احمد” وكان تقدمنا ضعيفا وعقدنا حوارا سياسيا مع الكادحين الجناح الرادكالي جناح “ولدبدرالدين” و”دف بكاري” وقد عقدنا اجتماعات كنت و”محمد يحظيه بريد الليل”من جهتنا وكانوا “موسى فال” و”دف بكاري” من جهتهم وتوصلنا إلى تفاهم إن لم أقل تحالف حول عدد من الامور في اطار معارضة الحرب و لقد كان دورنا في معارضة الحرب متميزا رغم عدم انسجام هذا الموقف ورؤية وسياسة قيادة الحزب القومية ولقد كان البيان الذي اصدرناه في أوائل سنة: ١٩٧٨ بعنوان: “لا لانتحار موريتانيا” مؤثرا و هيأ الأجواء للقوة التي كانت تعد للانقلاب. هذ البيان كتبته أنا و”محمد يحظيه بريد الليل” ليس لأحد غيرنا كلمة فيه ولقد طبعه أحد الزملاء ولم نجد من يمكن أن يوزعه في انواكشوط سوى أهل القيادة و عنصر واحد أعطيته أنا بعض المناشير وحددت له مكان توزيعها هذالعنصرهو” الدد
ولد محمد الأمين السالك”.
لقد كانت مرحلة البداية صعبة جدا لكن ماتحقق فيها يشبه المعجزة لقد صار لدينا في سنة واحدة حزب منتشر و يتطور بوتائر مهولة كل ذلك بسبب الجدية وبرمجة المجهود و لقد كنا في هذه الفترة قريبين من الجهات التي تعد لانقلاب عشر يوليو لكننا لسنا طرفا و المعلومات السائدة بأنا طرفا في الانقلاب خاطئة فنحن نلتقي ب”شيخن بن محمد الاقظف ” نسأل الله له المغفرة و هو من العناصر المدنية التي تلتقي “المصطفى بن محمد السالك” و”جدو بن السالك” غفر الله لهما و كان لنا بعض العلاقة مع عناصر رئيسية في تدبير الانقلاب لكن لم ترق إلى مستوى الاشتراك و الضباط القليلين ذلك الوقت المنتمين للبعث ليس لهم دور يمكن ذكره و”جدو بن السالك” ليس بعثيا و “مولاي هاشم “صديق لنا
وليس منا و لقد كنا مثل الكثيرين نطلع على بعض تطور الإعداد للانقلاب وكان مثلنا “سيداحمد بن ابنيجاره” و مثله “المحجوب بن بي “وا”حمد بن الزين” رحمة الله عليم جميعا لقد كان عدد كبير من الناس يعلم شيء عن الانقلاب لدرجة أن البعض يرى ان “المخطار داداه” نسال الله له الرحمة قد علم به و رفض التعرض له و لأنني كنت مطلعا كنت أعلم أن الانقلاب سيكون يوم : ٩ يوليو يوم السبت و كنت أمثل الوكالة الموريتانية للصحافة في تغطية مهرجان في دار الشباب يترأسه وزير الدولة للتوجيه “عبدالله بن بي” و كان حول ما أعلنته السلطة آن ذاك من تطبيق للشريعة الاسلامية و لقد تناول “عبدالله بي” السلطة و القوة والقدرة على استعمالها و كنت أتألم فأنا و”عبدالله بي ” لنا و شائج و علاقات وصداقات و كنت أعلم أن فجر ذلك اليوم لن يكون عاديا و الصبح قريب لكن مالعمل تحاملت على نفسي و سلمت الأمر لمالك الأمر و من الصدف أن الانقلاب لم يقع في ذلك الصباح لسبب ما لم يتحرك قائد المنطقة وفي الصباح تحرك “جدو ولد السالك” بقواته من ازويرات بحجة أن هناك آثار لقوات ليبوليزاريو قطعت سكة الحديد متجهة إلى انواكشوط وانه يطاردها ورفض الرجوع فتحركت قواة انواكشوط ليلة الأحد عشر يوليو و وقع الانقلاب الذي أنهى حكما رشيدا وأسس لمرحلة ما تزال موريتانيا تتعثر في اوحالها و يعلم الله وحده كيف يمكن تجاوز المآزق التي سنبذل الغالي و النفيس قبل أن نتقلب على تأثيراتها اذا كان سيمكن فعلا التغلب على تأثيراتها…….

مذكرات الأستاذ التراد سيدي قيادي من الجيل الأول من البعثيين ، الرا ستنشر المذكرات كاملة على شكل حلقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى