نظرة على الصيام صحيا وروحيا / خدجة منت سيدي محمد
الصحة هي مفتاح السعادة، وما نستهلكه من طعام يؤثر على صحتنا بشكل مباشر، و يحث الإسلام المسلمين على التأكد من مراعاة صحتهم على الوجه الأمثل؛ فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: “اغتنم صحتك قبل سقمك” كما حث الإسلام المسلمين على بذل قصارى جهدهم في سبيل اتباع نمط حياة صحي يتضمن نظاما غذائيا متوازنا و ممارسة تمارين ذهنية وبدنية بانتظام و تحقيق التوازن بين الاحتياجات المادية و الروحانية.
فمع رمضان التغيير يشمل عدة أشياء، منها العادات السيئة و هذا التغيير إلى الأحسن يحتاج إلى شهر هذا ما وصل إليه العلم بالتجربة، إذا فصومك لهذا الشهر المبارك الذي اختار الله مدته يمكن أن يكون سببا لترك أمور و البدء من جديد فليس عبثا أن تكون المدة أربعة أسابيع ، قال تعالى : « أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » .
أياما معدودات مليئات بالخير و المضاعفة فكيف يمكننا التزود والانتفاع منها ؟ نعم يمكننا إذا كانت هناك أهداف و برامج مكتوبة قابلة لقياس كمي و زمني، فالزمني لا إشكال فيه مدته رمضان، و الكمي لابد له من خطة و لا تبدأ فيها بمستحيلات بل حدد ما تقدر عليه -طاقتك- و يجب أن تجعل الجرعة الأكبر من رمضان هي العبادة التي هي العلاقة مع الله وهذه فرصة لتجديدها .
كما يلزمك في هذا الشهر أن تعطي معدتك فرصة للراحة و بذلك تكون قادرا على تحطيم السموم المتراكمة في جسمك و طردها منه , قال صلى الله عليه و سلم : : «ما مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا من بطن، بِحَسْبِ ابن آدم أُكُلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه،ُ فإن كان لا مَحَالةَ، فَثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِهِ» [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد] .
(طعامكم دواؤكم و داؤكم في طعامكم) مقولة ارتبطت ب (أبقراط) الملقب بأبي الطب و اتفق معه الطبيب العربي ابن سيناء، كما أيدتها رحلة الطب الممتدة عبر التاريخ البشري والتي ربطت بين الغذاء والحالة الصحية للشخص .
التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء الصيام:
بالنسبة لكثير من الناس فالسؤال الرئيسي الذي يتعلق بالصيام يدور حول مدى تأثيره على صحة الصائم بالسلب أو الإيجاب، تتطلب الإجابة على هذا السؤال إلقاء نظرة سريعة على ما يحدث داخل الجسم أثناء الصيام : الفسيولوجية في الصيام .
إن التغيرات التي تحدث في الجسم كاستجابة على الصيام تعتمد على طول فترة الصيام المتواصل (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) حيث يدخل الجسم تقنيا في حالة الصيام بعد ثماني ساعات أو نحو ذلك بعد آخر وجبة عندما تنتهي الأمعاء من امتصاص العناصر الغذائية الموجودة في الطعام.
فبالنسبة للحالة الطبيعية يكون الجلوكوز الذي يقوم الجسم بتخزينه في الكبد والعضلات هو المصدر الرئيسي للطاقة في الجسم، أما أثناء الصوم فيتم استهلاك هذا التخزين من الجلوكوز أولا ثم يصبح المخزن التالي لمصدر الطاقة في الجسم هو الدهون، و هذه الهندسة تساعد في فقدان الوزن و الحفاظ على العضلات، وتقلل من نسبة الكوليسترول في الدم بالإضافة إلى تحسين السيطرة على مرض السكري و انخفاض ضغط الدم.
إن تناول الطعام المتوازن و قدر كاف من السوائل بين ساعات ما بعد الصيام أمر ضروري حيث تقوم الكلى بدور فعال للغاية في تمكين الجسم من الاحتفاظ بالماء و الأملاح مثل الصوديوم و البوتاسيوم، و يجب أن تحتوي الوجبات التي يتم تناولها على مستويات كافية من الكربوهيدرات وبعض الدهون.
إليك نصيحة إبتعد عن المعجنات – و المقليات – و السكريات .
الروحانية و الطعام :
إن الغذاء له أهمية بالغة في الإسلام، فهو مرتبط بعلاقة المؤمن مع الله عز و جل ،يقول عز وجل في سورة طه- : « كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ » فالجسم هبة من الله يتم منحها للبشر باعتبارها أمانة واجب عليهم رعايتها لفترة محددة، و تؤثر كمية الطعام المستهلكة و خيارات الغذاء تأثيرا مباشرا على صلاح الإنسان من الناحية الجسدية و الروحية، كما يؤثر الغذاء الذي تتناوله على سلوكك و شخصيتك حيث أن الطعام المفيد الطبيعي و الصحي يساهم في بناء الشخصية الجيدة و الإفراط في تناول الطعام مكروه في الإسلام؛ حيث يعتقد أنه يزيد من الشهوات الدنيوية و يسبب الخمول و يؤدي بالتالي إلى تبلد الروح فيعيق التطور الروحي و يفاقم من الأمراض الجسدية.
يعتبر الإسلام الصحة و الصلاح أكثر من مجرد صحة جسدية، فالصلاح يتطلب علاقة صحية مع الجانب الروحاني للمؤمن و صحة بدنية و سعادة نفسية و شعورا بالهدف و حسن الخلق، فالإسلام يقيم علاقة قوية بين الغذاء و العبادة و بالتالي يخلق الإسلام في المؤمنين شعورا بالمسؤولية حول اتباع أسلوب حياة صحي بالفطرة، و يعلمنا الصيام في شهر رمضان تنظيم و ممارسة القيم الروحانية و ليس تناول الطعام بإفراط فليس هذا الشهر شهر إقتناء اﻷواني و لا الأطعمة المتنوعة بل شهر التخفيف من هذا كله ليقوم الصوم بدوره الرباني في جسمك.
و لقد أثبتت الدراسات اليوم اﻹعجاز العلمي لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم منذ أربعة عشر قرنا، أن فترة الصيام يقوم فيها الجسم بمختلف أجهزته بترتيب أوراقه لبدء سنة جديدة مليئة بالنشاط و الحيوية، و حتى الحيوان يعيف الطعام فترة فسرها العلماء و الخبراء في هذا المجال أنها فترة صوم، أضف إلى مزايا الصوم التي لا ينضب معينها تبني علماء الغذاء و الحمية عالميا فاعلية الصوم المتقطع فكيف بنا نحن و الصوم من أركان اﻹسلام الخمسة ، قال تعالى : « وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ » ، و قال صلى الله عليه و سلم : (صوموا تصحوا) ، و قد نشرت جامعة هارفرد على موقها اﻹلكتروني دراسة أكدوا فيها أن صيام 35 يوم يعطي نتائج مذهلة ، قال صلى الله عليه و سلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر ) والصيام في شهر رمضان فرصة للقيام بتغييرات جوهرية في نمط حياتك و تأكيد العزم على اتخاذ خيارات صحية في الحياة على جميع المستويات .