المعهد العالي..لفتا للانتباه / صلاح حمدنا
كان المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، حاضنة للعلم الشرعي، منه بزغت شموس المعرفة مضيئة سماء القُطر، ومن بابه خرجت رحلات الدعوة والتعليم تجوب أصقاع المعمورة، ومنه انطلقت كواكب العلم إلى مداراتها في فضاء العطاء، منذ إنشائه سنة: 1978 وحتى منتصف العقد الأول من القرن الجاري، حيث بدأت الملامح تتغير والمسارات تتحور.. ولم يزل به الأمر حتى صار إلى ماهو عليه الآن.
ترى مالذي هو عليه الآن؟
إن الجواب على هذا السؤال يكون أوضح إذا تعرضنا لبعض النقاط التي أراها مسؤولة بالدرجة الأولى عما عليه المعهد الآن، وربطناها بالموضوع ربطا تفهمون منه العلاقة.
1- على مستوى الولوج والاستقبال: إن أي مؤسسة تعليمية لها شروط ولوج وطرائق محددة تدخل منها، وكان المعهد كذلك قبل البلوى، حيث كانت أمام مريدي التسجيل فيه طريقين:
الأولى: مسابقة سنوية لدخوله، وهي مسلك خريجي المحاضر غالبا.
الثانية: شهادة باكلوريا آداب أصلية.
أما الآن فأمست الطرق إلى المعهد كثيرة منها معلن وماليس بمعلن ومشرعن وغير مشرعن، وباتت الوساطة أكثرها تعبيدا ويسرا وسالكين.. فضلا عن فتح المعهد الباب أمام حملة البكالوريا من مختلف الشعب (( آداب عصرية – علوم – رياضيات…))،بعد أن كان مغلقا إلا عن حملة باكلوريا آداب أصلية كما أسلفنا.
2- على مستوى البرامج، بدأ التغير مع تغيير النظام من تلقيدي إلى حديث ((LMD)) مرورا بإنشاء قسم خاص بالإنجليزية هو ألأحسن في المعهد من حيث التأثيث والتجهيز، وانتهاء بإقرار علم الاجتماع مادة أساسية في شعبة الفقه وأصوله، وجعلُ عالي الضوارب سافلها!!
3- على مستوى الوراد طلبة ومؤطرين، من الوادر والمتوقع أن تُحْدثَ هذه التغيرات على مستويي طرق الولوج والبرامج تغيرا على مستوى الوافدين، حيث لم يك يؤم المعهد -سابقا- غير العلماء مدرسين، وطلبة العلم الشرعي ناهلين من معينهم، تحدوهم همة عالية، يتجللون جلابيب الوقار، أما الآن وقد فتح الباب على مصراعيه فلا غرابة أن طغت مظاهر الإنحراف وانحل عقد السمت الحسن سواء تعلق الأمر بالطلاب أو تعلق بالأساتذة فصرت ترى في طليعة أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية أستاذة آمريكية تخففت من الثياب حتى لكأنها عارية!!
وصرت ترى وتسمع دفعة من خريجي المعهد شعبة الفقه وأصوله يقيمون ((بنچة)) شكرا لله على تخرجهم!! مثالا لاحصرا.
يفهم من العرض محل استغرابنا، ومكمن تعجبنا، ونحن نرى المعهد يتخفف من لبوسه أهبة لخوض لجج الحداثة، ماجعل أمل البعض فيه يتبدد، ولا أخفيكم أني كنت أحسبه ماء حتى إذا جئته لم أجده شيئا، كما لا أخفيكم أن الشريعة وأهلها أضحوا غرباء في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية!! .
ختاما، إنني أعلم أن جعل المعهد جامعة مسعى حكوميا في ظل قلة الجامعات في البلد وضعف طاقتها الاستيعابية والنمو الديمغرافي المتزايد، وأعلم أيضا أنه مطلب عند بعض منتسبي المعهد، بيد أني أعتقد في ذات الوقت أن طمس المعالم الإسلامية فيه ليس من ضرورات جعله جامعة، فما أحسن أن يكون جامعة إسلامية على غرار جامعة الأزهر، أو الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، أو الجامعة الإسلامية بلعيون على الأقل.
أما جعله جامعة عصرية بما تحمل الكلمة من معاني القطيعة مع ما أنشئ هو خصيصا له، فظلم بواح، وجور صراح..في حق العلم والعلماء وفي حق المحظرة الشنقيطية رافده الأساس.