الأخلاق السياسية للنخبة السياسبة / د.محمدعالي الهاشمي
يقول ماركس ان الاخلاق صناعة ابتكرها الأغنياء والاقوياء لكي يستعبدوا بها الفقراء والضعفاء ويضحكوا على ذقونهم، فالأغنياء لا يعبئون بالفقراء بقدر استغلالهم لضمان مصالحهم .
الأخلاق برأي ماركس وسيلة إنتاجية تحمي الأغنياء من سطوة الفقراء، أي هي منتج رأسمالي بحت. هذا القول فيه الكثير من الصحة اذا ما نظرنا الى الاخلاق على انها ممارسات خالية من البعد الانساني وبعيدة عن المنظومة الاخلاقية الانسانية، وهي لا تخلف مع باقي المنظومات الاجتماعية والدينية اذا ما استخدمت كشعارات فارغة من الروح، أو تتحول الى سلعة لكسب المال والجاه الحرام، فلا معنى ان ترفع شعار الصدق وانت كاذب ولا معنى ان تتحدث بالنزاهة وانت سارق أو تنادي بالوطنية وانت خائن . حينها ستنقلب الموازين وتضيع القيم .
الأخلاقيات السياسية هي الممارسات التي ترتبط بالعمل السياسي، وتوابعه، وتفترضها الدراسات والقواميس والادبيات منعزلة عن السجايا التي يتّسم بها الفرد، وسلوكياته في المجتمع.
بتعبير أدق، فإنها سلوكيات متحزّبة، لأيديولوجية او مجموعة عمل، ولا تعكس الأخلاق الشخصية المستنبطة من دين او مذهب، أو تربية مجتمعية.
ميكيافيللي، الأب المؤسّس الأخلاق السياسيه، يجزم انّ متحزباً، او عضواً في حزب يرتكب أفعالا تتناقض مع اخلاقه الشخصية، ويعمل على إنجازها بحسب أوامر، والا يعتبر غير ملتزم بأخلاقيات العمل السياسي.
اما الديمقراطية الموريتانيه تأبى ذلك نظريا، لكنها في الواقع تمارس هذه السلوكيات، تحت شعار “الغاية تبرّر الوسيلة”، وهو الشعار التاريخي الذي يضرب الاخلاقيات الدينية والاجتماعية، عرْض الحائط، ويراعي السلوكيات السياسية التي تختلف من مجموعة مؤدلجة الى أخرى، ويقلل من وطأة تنازلها عن المبادئ والشعارات، فيُطلق عليها وصف “الدبلوماسية” أو “المناورة”.
الأخلاق في السياسة الموريتانيه هي اللا اخلاقيات، لهذا أصبح فن إدارة السلطة، خلال السنوات العشر الماضية أقل تحضرا ودماثةً، كاشفا عن نفاق وتملق النخبه السياسيه والممارسات والالفاظ السوقية تجاه الخصوم مثل “نصّاب” و”مجنون” و”مريض نفسياً” و”محتال”، لمهاجمة معارضيه، وبشكل منتظم.
فسدت السياسة، التي كانت على الدوام مرتبطة بسلوك حضاري للنخب السياسيه، الكياسة، والصبر، والسكوت على الانتهاكات الشخصية، والتوجس من انهيار الصورة الإعلامية، لكن السياسيين الحاليين في بلدنا، بدأوا يتصرفون على نحوٍ فظٍ وغير لائق، ولم تعد تهمّهم الاتهامات التي توجّه اليهم بالفساد، والتورط في الفضائح والسرقه والنفاق .
في الكثير من النقاشات السياسية المفتوحة، والتي تُنقل في التلفزيون الموريتاني الى الجمهور، تجد سياسيين بارزين واسماء ثقيله، وخبراء في التحليل ومعالجة الاحداث، لايستطعون النقاش ولا التعبير ، وتنقصهم الدماثة والالتزام بالموضوعية في النقاشات، ويمكن للمتابع ، أن يرصد بيسر، كيف تدور النقاشات والعجز عن تشخيص الواقع .
أحد أسباب الفساد الأخلاقي في السياسة، هو الرياء الذي ينكشف حين تحصل لحظة تقاسم الغنائم، عندها يتحول أصحاب المبادئ في الكلام، الى طلاّب مصالح في الواقع، كما يتحوّل التنظير الأخلاقي المثالي الى سلوك منحرف، وتتحول الأيديولوجيا المثالية في بطون الكتب الى اختبارات ميدانية فاشلة، ولعل ذلك، احد أسباب انحسار الثقة بالسياسيين في بلدنا.
يقول احد المفكرين انّ “السياسة هي فن السفالة الأنيقة”، وقد أصبح واضحا ان الممارسة السياسية في بلدنا ليست غير مقيّدة بمبادئ اعتبارية، وان اقطابها ينقصهم الصدق الشخصي، والمهني على حد سواء.
كل ذلك لا يبدو غريبا لميكيافيلي الذي يعترف بان العمل السياسي يجب ان يكون بعيدا عن تطفل الأخلاق والدين، وان السلوك في السلطة ومجتمعات الأحزاب، لا صلة له بالأخلاق، بل يجب أن نحكم على الفعل السياسي من خلال النتائج، وفيما اذا هي مفيدة او لا.
علي عكس الرسول صلي الله عليه وسلم اللذي قال في الحديث لا تنظروا الى كثرة صيام الرجل وقيامه بل انظروا الى صدق حديثه وأداء الامانه، فالمعايير الاخلاقية ليست شكلية بل هي مصاديق عملية , وهذا يعني ان الدين اذا أفرغ من محتواه الاخلاقي فلا قيمة له .
ففي أوربا لا سطوة لحكم الدين أو المقدس في الحياة العامة، لكن هناك اخلاقيات تحولت الى مقدسات اجتماعية وصارت بحكم الدين لا يمكن تجاوزها، مثل الصدق في المعاملة واحترام الوقت والاتقان بالعمل والالتزام بالقانون وغيره……
هذه السلوكيات الاخلاقية مفقودة تماماً في العمل السياسي الموريتاني. فقد عكست لنا التجارب السابقة مع كثير من السياسيين الكذب والخداع الذي مارسه هؤلاء، وكم وعد انتخابي وكم كلام اطلق في الحملات الانتخابية كان للاستهلاك وكم من الاخلاق أبداها هؤلاء ثم تبخرت بعد الانتخابات،وربما سنرى في الانتخابات القادمة الشعارات والوعود الكاذبة واستغلال الدين والقومية. والخشبيه في المعركة الانتخابية، فكل الأدوات التي سيستخدمها الكثير من السياسيين هي ادوات غير اخلاقية، فسنشاهد نعومتهم في فترة الانتخابات وبشاشتهم وتواصلهم الجماهيري فالسياسي في فترة الانتخابات متسامح ويوزع الهدايا ويزور الفقراء ويتفقدهم، ويصافح الناس ويقطع الوعود بالتوظيف وحل المشاكل والنزاعات…. وووو، لكنه بعد ان يفوز يردد مقولة عبد الملك بن مروان حينما اصبح خليفة اذ قال لصديقه: هذا فراق بيني وبينك . عندها تصبح مقولة ماركس واقعية . وتتحول الاخلاق الى وسيلة خداع وإيهام
لكن يبقى السؤال متى تتحول الاخلاق الى مقدسات في مجتمعنا.
تتحول فقط عندما تتملك المجتمع رغبة بالفضيلة، حينما يستهجن الرذيلة ويعتبرها قرف اجتماعي، عندما يُرفض الكاذب والسارق ويقف الناس بوجه المنافق، عندها تتحول الاخلاق الى دين وتكون مفرداتها مقدسة.
البعض يقول ان الاخلاق. والسياسة خطان متوازيان لن يلتقيا مهما امتدا ونقيضان لا يجتمعان، لكن هذه المقولة لا اساس لها من الصحة فيما لو كانت السياسة هماً عاماً وليست مهنة او وسيلة كسب للأرباح والمتاجرة بالمعاناة.