أقلام

المصطلحات الحسانية وجذورها العربية/محمد محمود حماه

 

 

 

 

 

الجزء الأول

قررت أن أنجزهذ البحث بعد أن استوقفتني الكثير من الكلمات العربية الأصيلة أثناء تصفحي للمراجع اللغوية المعتمدة ( لسان العرب ـ القاموس المحيط ـ مقاييس اللغة ـ الصحاح …. ) وشد انتباهي أن هذه الكلمات ما زالت حية ترزق في لهجتنا الحسانية وبعد جهد مضن وتوفيق من الله تعالى جمعت بعض هذه المصطلحات وسأقوم بنشرها إن شاء الله عبر سلسلة مقالات تحت عنوان : المصطلحات الحسانية وجذورها العربية وأرجوا من كل من له دلو في هذ الموضوع أن يدلى به فإن موضوع البحث أعمق وأوسع من أن يحيط به أي مجهود فردي وخاصة إذا كان صاحبه يسعى إلى توسيع هذ المجهود ليصبح مرجعا معتمدا لأصول اللهجة الحسانية العربيىة إذا كتب الله له التوفيق .

أولا نشأة وخصائص الحسانية
النشأة
مما هو معروف أن الحسانية إحدى اللهجات العربية الفصيحة فهذه اللهجة تنتمى إلى قبيلة حسان المعقلية التي سيطرت على أغلب القطر الموريتاني ومناطق إقليمية مجاورة له كإقليم الصحراء الغربية وإقليم أزواد شمال مالي وتندوف في شمال غرب الجزائر وقد انتشرت هذه اللهجة العربية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين كبديل للأمازيغية التي كانت تتحدثها قبائل صنهاجة السكان الأصليين لتلك المناطق
والحسانية مزيج بين اللغة العربية واللغة الأمازيغية إضافة إلى تأثيرات بسيطة من اللغات الإفريقة المحلية واللغة الفرنسية ( لغة المستعمر ) التي وصل تأثيرها مؤخرا .
الخصائص
تتميز اللهجة الحسانية بأنها لهجة تنطق جميع الحروف العربية مع أنها تستبدل بعضها ببعض وهذه بعض الأمثلة :
القاف : ينطق في الحسانية نطق الجيم المصرية
الغين : أحيانا تنطق في بعض المناطق الجغرافية نطق القاف فمثلا تنطق كلمة ( المغرب ) هكذا ( المقرب )
الضاد : تنطق كحرف الظاء فكلمة أبيض تنطق أبيظ كما تنطق الوضوء
الوظوء
السين : تنطق صادا أحيانا كما في الكلمتين التاليتين ( يسرق : يصرق و يسوق : يصوق )
تكثر اللهجة الحسانية من استعمال المحسنات البديعة سواء معنوية أو لفظية خاصة ( الطباق والتورية والإيهام والجناس )
كما تعتمد الحسانية في أسلوب الخطاب على الأحداث والنصوص المحفوظة في الذاكرة الجمعوية لمجتمع البيظان ولذلك يصعب على الأشخاص الغير نبهاء أو الذين لا يملكون رصيدا وافرا من الثقافة الحسانية الإندماج في المجتمع الحساني بسرعة واستيعاب كل التعابير الصادرة عنه , ولذلك يطلق على هذ النوع من الأشخاص لفظ ( ماه متبيظن ) أي لا ينتمى إلى ثقافة البيظان ـ أو لا يفهمها .
ثانيا عوامل ومظاهر التأثر بالعربية
لاشك أن اللهجة الحسانية وإن تعددت روافدها فإنها إحدى اللهجات العربية الأصيلة ولا شك أن المجتمع الحساني أحد أكثر المجتمعات العربية تمسكا بهويتة وجذوره الثقافية فقد أثرت فيه لغته الأم بشكل باد واستلهم ليس فقط المصطلحات العربية بل الثقافة العربية أيضا وأسلوب الحياة ويعود ذلك إلى عدة أسباب من أهمها
ا ) أسلوب الحياة البدوية المشترك
عرف مجتمع ( البيظان ) بطبيعته البدوية فهو يعتمد بشكل أساسي على الثروة الحيوانية وينتجع المراعي ويضرب الخيام يضاهي في ذلك حياة الأعراب والبيئة الثقافية التي احتضنت لغة الضاد منذ نشأتها وتطورت في ظلها ونضجت
ب ) عامل المحيط والبيئة
كما أن عامل المحيط والبيئة أحد العوامل المهمة في الحفاظ على طابع الهوية العربية للمجتمع الحساني فانزواء هذ المجتمع في صحراء شاسعة وانقطاعه شبه الكلي عن الحياة المدنية التي عاشتها أغلب الشعوب المغاربية خاصة السواحلية أوجت لهذ المجتمع نظاما اجتماعا خاص وطابعا بدويا أصيلا أشبه ما يكون بالبيئة الجاهلية التي عاشت فيها القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية قبل الفتوحات الإسلامية واندماج العناصر الأخرى والتأثير المتبادل وكانت المفارقة العجيبة أن هذه الانزوائية لم تؤثر على التعاطي الثقافي لهذ المجتمع فكانت المحظرة تلك المنارة الشامخة والجامعة المتنقلة التي حفظت لهذ المجتمع هويته الدينية ومقوماته الفكرية وخصوصيته الثقافية
نحن ركب من الأشراف منتظم == أجل ذ العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة == بها نبين ديــــــــــــن الله تبيانا

ج ) طبيعة مجتمع البيظان المحافظ
يتميز مجتمع البيظان قديما بالتمسك بالمعتقدات والتعاليم الدينية والمحافظة عليها وتقديس مصادر التشريع ولغته وممارساته هذ التقديس قاد إلى المحافظة على مكانة اللغة التي أنزل بها القرءان لدى هذ المجتمع فهي اللغة المدللة عنده بكافة استعمالاتها سواء استعملت في خطاب ديني أونوازل فقهية أو حكم قضائي أو في أبيات غزلية إباحية أو عذرية المهم أن يكون النص بلغة الضاد ….
يقول لمرابط محمد سالم ولد عبد الودود رحمه الله ما معناه : ( أي شيخ يستنكف أن يقرأ على أبنائه أو يدرسهم قول امرء القيس )
جزعت ولم أجزع من البين مجزعا == وحييت قلبا بالكواعب مولعا
وأصبحت ودعت الصبا غير أنني == أراقب خلات من العيش أربعا .
فهذه القصيدة الماجنة وغيرها من نصوص الشعراء الجاهليين وشعراء المجون في العصر الأموي وما بعده تدرس وتشرح شرح وافي ليس بغرض إحياء النزعة المجونية وإنما بهدف حفظ وعاء الدين ولغة أهل الجنة وتمثل القيم الإيجابية للمجتمع العربي من شجاعة وكرم ووفاء …… )

د ) النزعة الأدبية
إذا كان الأدب العربي وخاصة الشعر قد تبوأ مكانة عليا لدى العرب قديما حيث دونوا به أحداثهم وتاريخهم وتغنوا به، وأقاموا له الأسواق الأدبية، والمنابر الخطابية. حتى أنهم علقوه على أستار الكعبة ، وكتبوه بماء الذهب , فإنه حافظ على نفس المكانة لدي مجتمع البيظان فقد نظموا به متونهم الفقهية وشواهدهم القرءانية واللغوية ودونوا به التاريخ والسيرة النبوية وعلوم الحديث والأخلاق ووصل ذلك إلى أن نظموا به أسلوب حياتهم الخاصة وأسفارهم وألغازهم ونكاتهم .

سلام عليكم طبتم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى