أقلام

رجالاتُ الواجهة وظاهرة الإساءات اللفظية / د.أمم ولد عبد الله

 

يُجمع المهتمون بالتاريخ الراهن  لموريتاني على  أن ثمة ثلاثة عوامل تتمثل في (الاستعمار الفرنسي وقيام الدولة الحديثة وجفاف السبيعنيات من القرن الماضي )  هي التي كانت وراء  التحولات “الظاهرية”  الكبرى  التي أثرت بشكل مباشرعلى  نظم مجتمع كان يمهتن التنقل بانسيابية في مجال مفتوح.

كان من المفروض أن تُحدث تلك التحولات  قطيعة مع كل المسلكيات الغارقة في البداوة؛ لكن طبيعة تنقل  الطبقة البرجوازجية  داخل المجال الحضري ( من تفرغ زينه إلى E -Nord إلى  ترانس أمتير إلى حي الجامعة الجديدة) أثبت أن التحول بالمفهوم الحضاري مازال استيعابه صعبا على ساكنة هذه الأرض.

وليست التسجيلات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعكس تحكم اللاشعور في الواقع المعيش سوى تثملات لذاكرة من التخلف؛ يبدو أنها عصية على النسيان.

يمكننا في ظل وضع كهذا تفهم ردات فعل من أناس عاديين دفعتهم ظروف معينة للانتقام من الذاكرة؛ أو محاولة البعض استخدام السياسة بطرق مستفزة لتحقيق مكاسب معينة؛ وهو في الحقيقة أمر صار بحكم العادة طبيعيا؛ بعد أن استخدمه النظام السابق لتطويع فئات بعينها.

لقد ظل رجالات الواجهة، رغم كل هذه البروبكندا، بعيدين نسبيا عن  التجاذبات في صيغها المسيئة لأي مكون من مكونات هذا المجتمع؛  فقد كانوا ،على الأقل؛ يتظاهرون  بنوع من الرزانة ورجاحة العقل؛ الأمر الذي  جعل العامة تدرك أن  أثمة خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها؛ خصوصا وأن المسؤولين حريصون في مجالسهم الخاصة والعامة  على إعطاء صورة ناصعة عن النظام وسياساته.

إن موجة الشعوبية التي اجتاحت العالم بعد انتخاب ترامب رئيسا لأمريكا؛  شجعت الكثير من ممتهني  السياسة على الخروج عن لباقتهم المعهودة؛ لاسيما في موريتانيا التي انخرط بعض رجالات السياسة فيها  بشكل هستيري  في موجة خطاب الكراهية التي تهدد السلم الأهلي.

فالمقاطع المتداولة لوزير الاقتصاد؛ كان عثمان؛ تظهر بجلاء أزمة في الخطاب السياسي  يعانيها المسؤولون قي هذا البلد؛ وعلى ما يبدو فإن هذه الظاهرة آخذة في الانتشار نتيجة غياب الرادع القانوني والوازع الأخلاقي لدى نخبة تفتقد لبوصلة وطنية؛.بعد أن قررت الإبحار في الشأن العام دون اتخاذ التدابير اللازمة لذلك .

فلم يكد الرأي العام يتناسى قضية وزير الاقتصاد حتى سُربت تسجيلات للمستشار الفني لوزير العدل السيد : أحمدولد هارون الذي تجاوز هو الآخر كل صلاحياته القانونية؛ ليظهر وكأنه الوزير المتندب لدى رئاسة الجمهورية ..أو الشخص المسؤول عن تقويم أداء الرئيس؛ المؤسف أن  أحدث البدائل التي قدمها ولد هارون تعود للحرب العالمية الثانية؛ ما بعني بالضرورة أنه لم يستوعب بعد أن العالم لديه مراكز Think- Tank المسند لها إعداد الدراسات الاستشرافية؛ وأن نظريات “الجنرال دكول” لم تسعف أحفاده في تجاوز مشكلة الديموغرافيا التي تهدد كيان الجمهورية الخامسة.

تكررت أخطاء رجالات الواجهة وبشكل يسيئ لمصداقية النخب سواء في الموالاة أوالمعارضة؛ فالتسجيلات المسربة لنقيب الصحافة أحمد سالم ولد الداه التي أساء فيها بشكل  مقيت لمكون أساسي في المجتمع ولمناطق معينة؛ توضح أننا أصبحنا أمام أزمة حقيقية في اختيار رجال الواجهة الذين أصبحوا معاول لهدم كل الثقة بين الدولة والمواطن من جهة وبين مختلف  فئات المجتمع من جهة أخرى.

انتشار  هذه الظاهرة وبالأساليب ذاتها يجعلنا أم فرضيتين تعكسان خللا عميقا ومركبا في الوقت نفسه؛ تتعلق أولهما باحتمالية انخراط البعض ؛عن قصد؛ في صب الزيت على النار خدمة لأجندة معينة ؛ تسعى لتسويق عجز النظام الحالي عن إدارة الدولة؛ وبالتالي فتح المجال أمام كل البدائل المتاحة وغير المتاحة.

أما الثانية فتبرز غياب معايير فنية في اختيار رجال الواجهة الذين تم تعيين معظمهم على أساس جهوي اوشرائحي؛ وهي توازنات لا تأخذ بالحسبان مدى قدرة أولئك الأفراد على التمييز بين  مصلحة الوطن ومصالحهم الشخصية؛ مايدفعهم لارتكاب أخطاء في منتهى الخطورة ؛ لكون ثمنها يُدفع من حساب تماسك المجتمع وقدرة الدولة على  أداء وظائفها الحيوية.

نحن إذن بحاجة ماسة لمراجعة معايير تصدر الواجهة ؛ لأن تغييب الوازع الأخلاقي سيفتح المجال أمام مجموعة من الانتهازيين المستعدين بطبعهم للإساءة لكل فرد وكل شريحة ولمصلحة وطنهم؛ من أجل تحقيق مكاسب شخصية؛ قد يكون من أبسط نتائجها عجز  موريتانيا، لاقدر الله؛ عن فرض سيادتها على حيزها الترابي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى