أقلام

المصرفية فى موريتانيا/د. محمد منا ولد الشيباني

 

(الحلقة الأولى)

المصرفية
(La bancarisation)
هي العملية التي يتم من خلالها تمكين الأشخاص من الوصول إلى الخدمات المصرفية، ويشمل ذلك الحسابات فى المؤسسات المالية سواء البنكية منها أو المرتبطة بوسائل الدفع الإلكتروني.
تهدف المصرفية إلى تعزيز الشمول المالي، والحد من الاعتماد على النقود الورقية، وتأمين المعاملات المالية، وتشجيع الادخار والاستثمار.

في موريتانيا، كانت نسبة الاستفادة من الخدمات المصرفية شبه منعدمة عند تأسيس النظام المصرفي، وذلك أمر طبيعي. وقد استمرت المصرفية في مستوياتها المتدنية حتى مطلع الألفية الثانية بسبب مواجهة هذا المسار للعديد من التحديات، ومن أبرزها ضعف البنية التحتية المالية، ونقص الكفاءات الفنية، وغياب الإطار القانوني المنظم لهذا المجال وثقافة المجتمع الذي تعود على المعاملات بيعا وشراءا بالنقود الورقية والمعدنية. والشاهد على ذلك أول محاولة للدفع الإلكتروني “موبي كاش”، حيث كانت أول تجربة من نوعها في البلاد، أطلقتها شركة الاتصالات “موف موريتل”. غير أن هذه الخدمة التقنية توقفت في بداياتها نتيجة غياب إطار قانوني خاص بالتكنولوجيا المالية، ونتيجة لتجاوز صلاحيات رخصة المشغل .

فى إطار تحديث وسائل الدفع وتعزيز القطاع المالي، أطلق البنك المركزي الموريتاني 24 يناير 2019 مسابقة “تحدي التكنولوجيا المالية” لدعم الابتكار المالي. وقد دفعت هذه المبادرة البنوك إلى تغيير نهجها واحتضان مشاريع التكنولوجيا المالية بشكل مباشر، دون الاعتماد على الفاعلين المتواجدبن والذين كانوا في طور الحصول على التراخيص. وقد شكّل هذا النهج قطيعة مع النموذج التقليدي المتبع في معظم الدول.

وقد انتشرت التحويلات الخارجية عن طريق شبكة من الصرافات المرخصة وغير المرخصة.
كانت “غزة” أول مؤسسة خدمية لتحويل الأموال داخل موريتانيا منذ 2016 وامتازت بتغطية وطنية واسعة مع أنها لم تحصل على رخصة من البنك المركزي قبل عام 2018 . وقد انتشرت التحويلات المالية الداخلية عن طريق ” غزة ” وأخواتها.

كل هذه الأجواء المستوحاة من المشاريع المعروضة خلال الحفل الختامي لمسابقة البنك المركزي الآنفة الذكر، ووجود وحدات خدمية تجارية فى قطاع تحويل الأموال داخليا وخارجيا ساهمت كلها فى ولادة فكرة إنشاء منصات إلكترونية لتحريك وتحويل الأموال لصالح الشركات والأفراد ورواد الأعمال ومشغلي الاتصالات للاستفادة من مزايا تقنيات التكنولوجيا الجديدة.

كان البنك الشعبي الموريتاني أول بنك يطلق عام 2018 تطبيق “بنكيلي”، وذلك قبل صدور القوانين المنظمة للتكنولوجيا المالية. وقد شكّل هذا التوجه حافزًا للبنك المركزي لمواكبة هذا التطور. وسرعان ما تبنّت البنوك المحلية الأخرى هذا النموذج، مما أدى إلى تحول كبير لم يسبق له مثيل في المشهد المصرفي الوطني. وجدت البنوك نفسها أمام تحدٍّ جديد يفرض عليها التكيّف مع هذا التحول الرقمي المتسارع، سواء عبر تطوير خدماتها أو من خلال الدخول في شراكات تقنية مبتكرة.
وقد ساهمت هذه الطفرة الرقمية في تعبئة جزء كبير من الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي وإدماجها ضمن الهيكلة المالية الوطنية.

إذاً، لقد حققت التطبيقات الجديدة بشكل واضح ما لم تتمكن البنوك من إنجازه طوال عقود من الزمن. وقد مثّل ذلك تكاملاً ناجحًا بين التكنولوجيا والإنترنت، يُعرف اليوم بمصطلح الرقمنة.
وقد شكّلت هذه الثورة الرقمية الرافعة الأساسية لدفع نسبة المصرفية في البلاد إلى الأمام، حيث تسارعت وتيرتها منذ أن طورت البنوك تطبيقاتها، مما أتاح لفروعها ووكالاتها المصرفية وممثليها الإنتشار على كامل التراب الوطني. يمكن القول بأننا دخلنا فى ثورة مالية ضخمة تمتاز بالصمت والهدوء.
وهكذا، أصبحت آلاف النقاط التجارية والمتاجر غير البنكية مرتبطة بهذه التطبيقات، وتؤدي وظائف مصرفية مثل الإيداع والتسديد والتحويل. كما ظهرت نوافذ مصرفية غير مرخصة، تمثّلها مئات الآلاف من الهواتف المحمولة التي يستخدمها الأفراد للاستفادة من هذه الخدمات.

في هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري:
كيف يمكن للنظام المالي تعبئة الكتلة النقدية والمدخرات من خلال تقديم منتجات مالية جديدة، وعبر مقدّمي خدمات شبه مصرفية لا يخضعون لترخيص من البنك المركزي؟

لإثراء النقاش حول هذا الموضوع، من المهم أن نتناول مسألة تعبئة المدخرات الموجودة خارج النظام المصرفي.
إن سياسة الوسطاء الماليين تركز غالبًا على تلبية احتياجات العملاء. لكن، هل هذا التوجه كافٍ لاستقطاب المدخرات غير المهيكلة؟

 

وما هي الآليات الكفيلة بترجمة الرغبة في الادخار إلى ممارسة فعلية ومستدامة، خاصة في مجتمع تتأثر سلوكياته المالية بالقيم والعادات الثقافية؟

المنتج المالي الفعّال ليس فقط من يقدم خدمة جديدة، بل ما يوسّع خيارات الأفراد ويجعل ما كان غير ممكن سابقًا في متناولهم.
فكيف يمكن تصميم منتجات مالية قادرة على استغلال الدوافع الكامنة للادخار وتحويلها إلى سلوك واقعي يلبّي حاجات المدّخر الحقيقية؟

عادةً، يبحث المودع عن خدمات محددة يقدّمها الوسيط المالي، مثل توفر السيولة فى الزمان والمكان، والحماية والأمان، والمرونة، سهولة وسرعة التحويل، والعائد الربحي المناسب وقلة التكاليف.
لذا، يمكن تقييم فعالية النظام المالي من خلال معايير أساسية، من بينها:
*
*توفر السيولة فى الزمان والمكان
*مدى تنوع وجودة المنتجات المالية المعروضة؛
*قدرة هذه المنتجات على تلبية الاحتياجات الفعلية للمدّخرين؛
*شمولية الخدمات ووصولها إلى الفئات غير المصرفية؛
*كفاءة الوسطاء في بناء الثقة وتعزيز السلوك الادخاري.

تبقى كل هذه الأسئلة مطروحة للنقاش والتأمل من أجل بناء نظام مالي أكثر شمولًا ومرونة

 

تسعى الخدمات المصرفية الرقمية، عبر تطبيقات الهاتف المحمول، إلى تقديم حلول مصرفية شاملة وسهلة الوصول، تشمل الحسابات الجارية، التحويلات المالية، تسديد المبيعات، دفع فواتير المرافق العامة، الاشتراكات، وغيرها من الخدمات المالية. وتختلف الميزات المتوفرة من تطبيق إلى آخر ومن بنك إلى آخر، إلا أن الهدف المشترك هو توفير تجربة مصرفية متكاملة ومريحة للعملاء.

تتميز نقاط ومتاجر مزودي الخدمة (fournisseurs de sevices) بحضور جفرافي واسع النطاق فى البلاد تحت مظلة٤ سوبير ماركات مالية كبيرة (hypermarket financier) من خلال بنكيلي وسداد ومصرفي وبيم بنك وبقالات مالية أخرى ( supermarché financier)تتقاسم بقية الكعكة تحت مظلة ما يزيد على 14 منصةمن ضمنها اكليك وباميس دجيتال وأمانتي وغزة الرقمية، والتجاري اباي، وبريد كاش، وموف موني ورصيدي.

وقد قامت البنوك بتحويل تكاليف التجهيز والتشغيل على ظهر مزوّدي هذه الخدمات; وقد ساهم ذلك في فتح المجال أمام شريحة واسعة من المواطنين لفتح حسابات مصرفية للذين لم تكن لديهم حسابات من قبل.
هذه الخدمات الجديدة ساهمت في كسر العديد من الحواجز الجغرافية والعوائق التقليدية
وبات بإمكان فئات مختلفة من المجتمع المشاركة فى هذه العمليات، وشمل ذلك كل فئات الموظفين والعمال وسائقي سيارات الأجرة، والجزّارين، والخبازين وطلبة المدارس وأصحاب المحالات الصغيرة والبسيطة، ورعاة المواشي فى البوادي، وأصحاب ميشلينه michelin، والمتسولين والأفراد الذين لا عنوان لهم ولا عمل لهم معروف.

بعد فتح الحساب لأول مرة عند أي نقطة من موفري الخدمات، لم يعد من الضروري حضور الزبون شخصيًا، إذ أصبح الهاتف المحمول أداة كافية لتفعيل مختلف العمليات، مثل السحب، والدفع، والتحويلات المالية المحلية والدولية بصفة آنية .
(تابع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى