قاض ينتقد تحويل قضاة بمذكرة صادرة عن وزير العدل

إنا لله وإنا إليه راجعون!
أعزي الجمهورية عموما، وبخاصةٍ السلطةَ القضائية: في موت “مبدأ الفصل بين السلطات”!
أن يُحوّل أعضاء في السلطة القضائية بمذكرة صادرة عن وزير العدل الذي هو عضو في السلطة التنفيذية: فتلك طامة كبرى في دولة المؤسسات!
كبّروا أربعا على مبدأ الفصل بين السلطات!
أحسن الله عزاءكم فيه.
وليتنا تفادينا هذا الخلل وحذونا حذو الدول التي لا تجعل النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية، حتى لا تكون ثمة غضاضة في تبعية النيابة العامة لوزير العدل.
لقد كتبنا في الدستور نصوصا جديدة، ثم أبقينا في القوانين مقتضيات تخالف الدستور.
ولم نكتف بذلك، بل أصبح الوزراء يصدرون “مذكرات” لا تستند إلى أي نص قانوني ولو كان مخالفا للدستور!
كهذه المذكرة المرفقة، التي أصدرها اليوم صاحب المعالي السيد وزير العدل الموقر، حفظه الله ورعاه.
#أما_بعد،،
فقد يقول قائل: إن القاضي في فترات ماضية كان يحوّل بمذكرة عمل..
فأقول له: صدقت. ثم أزيده من الشعر بيتا مفاده:
أن أحد قضاة التحقيق في نواكشوط (قبل تقسيم العاصمة إلى ثلاث ولايات) أصدر قرارا، فقال له أحد أقارب الطرف المتضرر من القرار:
“صرتك ما اتگيّل في نواكشوط”!
وبعد قليل جاءه الشخص نفسه بمذكرة عمل تحمل توقيع وزير العدل، تقضي بتحويل القاضي إلى إحدى المدن الداخلية!
أجل، لقد أمعنت وزارة العدل حينئذ في إهانة السلطة القضائية من خلال الازدراء بذلك القاضي؛ فلم تكلف نفسها عناء إخباره بالتحويل، بل أعطت مذكرة تحويله لأحد المتقاضين لكي يوصلها إليه!
ذلك صحيح، كان هذا في الزمن الماضي..
ولكنني ظننت أننا الآن في زمان مختلف.
ففي “عهد الإنصاف”: لا ينبغي أن يحول القضاة بمذكرة صادرة عن وزير العدل؛ إذ لا علم لي بوجود نص قانوني يسمح بتحويل القاضي “بمذكرة”!
وقد كنا ومازلنا نأسف ونكرر اعتراضنا على وجود فقرة في المادة 4 من النظام الأساسي للقضاء، مخالفة للدستور، تسمح بتحويل قضاة النيابة العامة “بمقرر صادر عن وزير العدل”: فكيف نرضى الآن بتحويل القضاة بمجرد مذكرة عمل؟!
امتعضنا من التحويل بمقرر، وبدلا من تصحيح الوضع صرنا نُحوّل بمجرد مذكرة عمل!!!
مع أن ثمة من يرى أن العطف الوارد في المادة 4 يجب أن يفهم في سياق القواعد العامة، وخصوصا: مبدأ الفصل بين السلطات؛ بحيث يكون ذلك المقرر الوزاري “بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء”.
#نداء_استغاثة
أرجو وآمل من صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حفظه الله ورعاه: أن يتلافى السلطة القضائية!
ونرجو أن لا يكتفي بوضع حد لهذا الخرق السافر لمبدأ الفصل بين السلطات، بل يتكرم ويأمر بتعديل النظام الأساسي للقضاة بما يضمن استقلال القضاء، انسجاما مع نصوص الشريعة الإسلامية، والدستور، والعهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا حرسها الله.
وأختم بالتذكير بنص المادتين 89 و90 من الدستور:
■ #المادة_89:
“السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء.
ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه.
يتألف المجلس الأعلى للقضاء من تشكلتين:
▪︎ إحداهما مختصة في القضاء الجالس؛
▪︎ والأخرى مختصة في قضاء النيابة العامة.
ومع مراعاة مبدأ استقلالية القضاء، يحدد قانون نظامي النظام الأساسي للقضاة، وقواعد تنظيم وسير المجلس الأعلى للقضاء.
■ #المادة_90:
لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمى في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه.
القاضي: عمر السالك