أقلام

أزمة الموالاة (1)/ محمد أفو

 

شباب الموالاة

يعتقد جل الموريتانيين أن كل الأزمات في بلادنا تعود لأزمة جامعة وهي أزمة السلطة.
لكن الحقيقة تقبع خلف ظهورنا تماما، فالأزمة تقوم على بعدين أحدهما سياسي والآخر اجتماعي.
وسأتطرق هنا لبعدها السياسي حصرا وفي جزئية منه تتعلق بقيمنا السياسية التي نصدر عنها.

اعتقد أن مأمورية الرئيس غزواني لن تواجه صعوبات تتعلق بالثروة ولا بإدارة هذه الثروة ، وإنما في صعوبة البحث عن الشياب الذين راهن عليهم في حملته وجعلهم شعارا لمأموريته.

في المشهد السياسي هناك وجوه مألوفة تظهر في كل مهرجان أو تظاهرة سياسية ، لكن ظهورها بحد ذاته يشي بسطحية القيم السياسية للشباب المنخرط في صفوف الموالاة (هناك استثناءات بكل تأكيد).
فالمتابع لمجموعات وأنشطة هؤلاء الشباب يمكنه حصر نشاطهم في فعلين سأذكرهما وأفسر دلالات كل منها..
الأول: نشر صورهم في كل تظاهرة (مهرجان، تعزية، صلاة الميت، حفل عشاء أو إفطار، مقابلة اولقاء أحد المسؤولين، عقد قران … إلخ).
الثاني: انخراطهم في تلميع الشخصيات السياسية في كل مناسبة.

أما من ناحية الوعي السياسي فهناك غياب تام ودائم، لا تجد أحدهم يسوق رؤية سياسية أَو يحلل حدثا أو يعلل خطابا أو قرارا.

إذا عين النظام قالوا “الرجل المناسب في المكان المناسب” هكذا بلا هوادة ولا سابق معرفة بالمعين نفسه.
إذا عين الوزير تأهبوا جميعا للاصطفاف على بيته (وهات يا صور).
إذا تحدث المسؤول قالوا إن حديثه يشبه الوحي وأنه يعلم من أين تؤكل الكتف (وصف غير أخلاقي أساسا).
لا رأي لهم ولا موقف ..
شفافون لدرجة التماهي المحاكي للغياب ..
يومهم يبدأ مع بداية دخول المسؤولين لمكاتبهم وينتهي بنومهم بشكل متأخر في بيوتهم مرهقين بزيارات غير مبرمجة ولا مبررة.

يدون أحدهم قصاصات يومية بلا طعم ولا رائحة وينثرها في سماوات التواصل الاجتماعي علها تصل إلى معني يألف من خلالها وجوههم يوم يراهم.

موت تام للشغف السياسي وضحالة في الوعي والمعارف، داخل جوقة من “صحافة” تنحصر عناوين أخبارها في:
– حضور بارز للإطار فلان في الحدث الفلاني.
– أهالي منطقة كذا يلتفون حول الفاعل السياسي فلان.
– تصدر مكتب كذا المحسوب على الوجيه فلان.
إلى آخر تلك الأسطوانة المقيتة..

أين هم في الندوات السياسية والفكرية؟
أين هم في المبادرات السياسية؟
اين هم في الحشد؟
اين هم في النقد؟
اين هم في الإعلام؟
أين هم (وهي الأهم) في إنتاج الافكار وابتداع الرؤى السياسية والاجتماعية؟
أين أطروحاتهم الفكرية والثقافية؟
أين وجهات نظرهم وما موافقهم الشخصية من الأحداث؟
أين تاريخهم السياسي في الجماعات والجامعات والثانويات والاتحادات الطلابية؟

مجلد كبير فخم الغلاف غير أنه فارغ تماما.
ماء ممزوج بماء صب في ماء.
بعضهم اكتسب موقعه لأسباب عائلية
وبعضهم لأسباب مالية
وبعضهم لم ينل موقعا ولا موقفا ولا مالا ولا حضورا شعبيا (وهم الغالبية).
هؤلاء بكل اختصار هم شباب الموالاة

إنهم أعظم رزء رزئت به السياسة والمجتمع.

شاب يخرج من بيته مهاجرا إلى “سيلفي” أو مديح ركيك المعنى فارغ المصداقية لهذا المسؤول أو ذلك.
ويعتقدون أنهم يسوقون النظام الذي يوالونه [بترهات كهذه].

على الأحزاب السياسية أن تعيد هيكلة قيمها السياسية وأن تستقطب أصحاب القيم السياسية الراسخة وأصحاب العقول والأفكار والمواقف وأن تتسلح بوعيهم وفكرهم ورأيهم..
إذا تحدثوا عنها أقنعوا وأوصلوا الرسالة السياسية والفكرية بحذق ولباقة ووعي وقدرة.
شباب يشاركونهم التخطيط بوعي ومعرفة وحنكة وشغف، ويقاسمونهم التنفيذ بثقة وكفاءة وقدرة.
عليهم أن يجتثوا هذا الغثاء الذي يدمر وعينا السياسي وقيمنا الأخلاقية ويحيل الموقف الموالي إلى نفاق مقيت، والواجهة السياسية للأحزاب إلى صورة مقيتة من سعار التزلف والتماهي الغبي مع كل شي وفي أي شيء.
لم ينشأ أحدهم في تجربة سياسية أو فكرية، ولا قاده الشغف لتلبس فكر سياسي ولا فلسفة حياة.
طفيليات تعتاش على جسد الأحزاب والشخصيات، تكثر عند الرخاء ومواسم المال، وتقل عند الفزع السياسي حين تكون الحاجة للفعل والبذل.

فأي تجرية سياسية ننتظر من جوقة وسعار التذلل والتبتل في رحاب ومظان المنفعة هذا؟

ومع ذلك هناك شباب لم يرهم أحد يوما مع مسؤول ولا في تجمع قبلي ولا توجد لديهم حسابات على الفيس بوك ولا حسابات بنكية ولم يكن لديهم وقت إلا للتعليم والتكوين والمثابرة والجد، عندما يعين أحدهم تمتعض تلك الجوقة التعيسة وتطالعنا بعبارات من قبيل “تهميش الشباب”
“تهميش الشباب الذين وقفوا مع الرئيس”
إلى آخر ذلك القاموس التافه.

على الأحزاب أن تبدل جلودها الدسمة وأن تمارس السياسة وفق مبادئ ونظريات ومعايير، توالي بها أو تعارض، حتى نستطيع التخلص من هذه الضوضاء الضامر أهلها.
*محمد افو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى