بيرام : ملف العشرية مجرد خديعة للشعب (مقابلة)
مقابلة لجريدة لوتانتيك للصحفي الشيخ حيداراه مع النائب البرلماني و رئيس حركة إيرا بيرام الداه اعبيد 8 سبتمبر 2022
ا
السؤال الأول:
ترغمنا أحداث الساعة على أن نسألكم أولاعن قراءتكم لإطلاق سراح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي انتهت فترة رقابته القضائية يوم 8 سبتمبر 2022؟
….
انطباعي هو انطباع جميع الموريتانيين. لقد شاهدنا محاولة حقيقية لتضليل الشعب. لقد تلاعبوا بآمال الشعب وبمشاعرهم. قاموا بما من شأنه جعل الشعب يأمل في أن هناك بداية حقيقية لمكافحة الفساد. وقد اتضح أن الأمر ليس كذلك. أعتقد أن مشاعر الشعب، بعد خيبة الأمل هذه، يخشى من أن تؤذي الرئيس غزواني وجناحه. لقد أحس الشعب بأنه خدع وأهين بعد أن اعتُبر لعبة. أعتقد أن هذه القضية تعزز، عند السكان، الانطباع بأنهم أمام ملف عداوات بين مختلف فصائل نفس الزمرة التي نهبت وتواصل نهب البلاد، لأن جردة الحساب ليست من منطقها.
………..
هلا شرحتم أكثر..
………..
ما قلته هو أن الشعور الشعبي بأن الفساد مستمر في عهد غزواني وتفاقم. وحتى بعد توقيف عزيز وتوجيه الاتهام له، مع بعض رفاقه، تواصل سوء الحكامة وانتشر، وكانت الفضائح المنتظمة تتصدر المشهد كل شهر تقريبا.
………….
هل تعتقد، مثل ما يقول آخرون، أن قضية العشرية إذا اتضح أنها مجرد لعبة بين قائدين، سيكون ذلك بمثابة بوابة تُفتح أمام بيرام للاستيلاء على السلطة؟
…………….
أعتقد أن من طبيعة المعارض أن يكون انتهازياً في مجال الفرص السياسية، غير أن الدور المنوط بي شخصيا هو مساءلة مختلف الفرقاء الذين يحتقرون الشعب ويلعبون بغضبه المشروع ضد أنظمة الارتشاء التي لم تزل خارج دائرة العقوبة. وفي المحصلة فإن السكان، في تنوعهم، يزداد شعورهم بأنه تمت خيانتهم والتلاعب بهم بهدف واحد هو المحافظة على السلطة. مسؤوليتنا كمعارضين تملي علينا أن نسلط الضوء على هذه الشعوذة ونلح كي نجر الشعب إلى اعتماد ردة فعل مبنية على قيم المواطنة من أجل فرض رقابة صارمة على السلطة بعيدا عن الأثر الذي تحدثه التصريحات التي لا تنتظر منها أية نتيجة.
………….السؤال الثاني
لابد أنك علمت أن عزيز استعاد جواز سفره اوحتى أنه يمكن أن يسافر إلى الخارج، غير أن العدالة أصدرت بيانا قالت فيه ان عزيز وبقية الجماعة سيحاكمون. هل تعتقد أنهم بالفعل سيحاكمون؟
…….
لا، إنها المباهاة القضائية التي لا معنى له. إنها محاولة يائسة لخداع الشعب مرة أخرى. أراهن على أن الملف لن يصل قاعة المحكمة. الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يحوز معلومات، كما قد يكشف عن أمور لا تشجع على محاكمته. هو ومن تبقى من مقربيه المخلصين يمكنهم أن يتقدموا بحجج قادرة على تثبيط عزيمة من يريدون محاكمتهم. لقد صرحوا بذلك مرارا. لا يمكن أبدا لنظام غزواني أن يحاكمهم. إنهم فصّين من نفس النواة الحاكمة الغارقة في نفس المستنقع كما يشهد عليه تشابك العلاقات بين عزيز وغزواني. الأشخاص الموجودون على مقاعد الاتهام وأولئك الذين يقودون الدولة حاليا ينتمون كلهم لنفس بُركة الأوليغارشيا السياسية-العسكرية والاستخبارات ومجمّع التآزر القبلي. ثرواتهم تنبع من التفاهمات غير المشروعة ومن تزوير الثقة وتضارب المصالح. والحقيقة أن لا أحد من الطرفين سيربح من توريط الطرف الآخر.
…………..السؤال الثالث
لقد أنهيت للتو زيارة لعدة ولايات داخل البلاد، أي درس تستخلصه من جولتك؟
………….
الدرس الذي أستخلص من زيارتي لولايات البرتاكنه والعصابه وجزء من الترارزه والحوض الغربي، التي جبتها خلال أربعة أسابيع، هي غياب الدولة. فخارجا عن رموز السلطة الإدارية والثكنات العسكرية، فإن الحكامة القريبة من السكان والخدمات الأساسية لا وجود لها. داخل الأحياء الشعبية في المدن، خاصة داخل البلاد، تكون الفجوة واضحة للعيان. فالدولة تتوقف عند المكاتب وتفتيش المرور. لم تعد توجد دولة، ولا خدمة صحية، ولا ماء، فالسكان عطاش، وتأطير الفلاحين تلاشى، وعمال حماية الغابات لا وجود له، ومصالح الطقس مهجورة… هنا، يمكن الحديث عن إفلاس متعدد الأوجه للدولة، لكنه ما يزال في الوقت الراهن على نظام كاتم الصوت.
……………السؤال الرابع
تريد أن تقول بأن الدولة اليوم منحصرة في خدمة الأقلية على حساب السكان؟
………….
طبعا، لقد أصبحت الإقطاعيات القبلية والعشائرية ومجموعات المصالح المنحدرة من الإدارة السامية بمثابة كبار الناخبين في دوائرهم. إنهم رؤساء دولة صغار كما هو الحال في كنكوصه. هذه المقاطعة الكبيرة توجد تحت سيطرة ثلاثة زعماء: كابه ولد اعليوه ولمرابط ولد بناهي وولد محمد الراظي. هؤلاء الرجال، كما هو الحال في بلاد البيظان والسونينكي والبولار، هم من يقرر كل شيء، ويواصلون قبضتهم على السكان ويحددون لهم أين يذهبون وكيف يصوتون مقابل عطايا.
يمكن أن نضيف الصعوبة التي يواجهها، على الخصوص، أبناء العبيد وسكان الأرياف في الحصول على الوثائق لبيومترية والثبوتية. بيد أننا وطئنا بأقدامنا ذلك الإقطاع بالرغم من الحملة الشرسة التي تهدف، يائسة، إلى تقليل جمهورنا خلال الجولة. الولوج المتسارع إلى خدمات الهاتف النقال والربط بشبكة الانترنيت كانت محفزا حاسما سهّل عملنا التعبوي. وإننا نعتزم مضاعفة هذا المنحى لكي نتغلب على عقدة الخوف من المخزن (السلطة) والمزايدات الغذائية تجاه الموالين لنا ومناصرينا.
………………….السؤال الخامس
صور زيارتكم تتحرك بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي، كما يبدو أن تدفق الجماهير عليكم خلق لديكم حيوية ونشاطا..
…………………
كما لاحظتم لاشك، ففي صور الاستقبالات المخصصة لنا، هناك تدافع غير مسبوق بـ180 درجة، وأعتقد أن أمرا من هذا القبيل سيحدث أثرا خلال الانتخابات القادمة. خلال جولتي، وفي نهايتها، أصبحت أشك كثيرا في قدرة الرئيس غزواني على الفوز بمأمورية ثانية. سيكون من الصعب عليه أن ينافس بشكل شفاف، ويُخشى من أن يجعل نفسه محل استهزاء.
………………السؤال السادس
لقد أطلقت مؤخرا نداء من أجل لوائح موحدة بين أطياف المعارالمعارضة خلال الإنتخابات المحلية و النيابية بغية خلق تناوب ديمقراطي جديد في موريتانيا، وتحالف قوي حول الانتخابات التشريعية والمحلية. هل تقاسمت الفكرة مع بعض زعماء المعارضة؟
…………….
تحدثت عنه شخصيا، كما تحدث عنه عمر ولد يالي (رئيس حزب الرك) مع بعض قادة المعارضة، على الأقل اثنان منهما عبرا عن موافقتهما على المبدأ، وإن كان حماسهما غير كبير. غير أنني أفضل تعزيز آفاق الوحدة دونما نظر إلى الخلافات. والحقيقة أن أحزاب المعارضة القليلة المعترف بها مهددة بالموت خاصة إذا حاول كل واحد منها على حدة أن ينافس النظام. المخرج الوحيد للتغيير السلمي والديمقراطي يبقى الوحدة والحد الأدنى من الإجماع الذي يخول لنا بعث معارضة موحدة وقوية ومتعددة وديمقراطية ستعيد للموريتانيين الأمل. كل مكونات البديل الديمقراطي، بمن فيهم المستقلين، لديهم القدرة على الحصول على الأغلبية وولوج البرلمان والمجالس البلدية والجهوية. كما أن الشتات في الخارج يحوز إمكانات مهدورة حتى الآن.
…………………السؤال السابع
تعتقد أن تحالفا قويا من أحزاب المعارضة ما يزال ممكنا، وأنه بإمكانه أن ينتصر على جهاز الدولة وحزبها؟
……………..
نعم، أعتقد أنني أجبت على السؤال بشكل واف. الفوز بمقدورنا إذا كنا نعرف كيف نتخلص من مشاداتنا وغرورنا. إن أمامنا استحقاقات 2023 و2024. لقد ضاق الوقت وعلينا أن نتصرف هنا والآن قبل فوات الأوان.
…………………
هل تحدثتم مع القادة الكبار في اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية والتحالف الشعبي التقدمي؟
………………..
تحدثت مع اتحاد قوى التقدم وتحدث عمر ولد يالي مع التحالف الشعبي التقدمي. قبلوا كلهم الفكرة. علينا الآن أن نعمل على تنفيذها عمليا. اللائحة ليست شاملة والمبادرات متواصلة.
السؤال الثامن
في حالة أن حزب الرك لم يحصل على الاعتراف قبل الانتخابات، أية استراتيجية ستتخذون؟ هل ستعيدون العمل بخياركم السابق (تحالف الصوب والرك)؟، وهل أجريتم مفاوضات مع أحزاب أخرى؟
…………………..
أعتقد أن الوجه الآخر لغزواني تجاه التزاماته بتأهيل الحريات العامة، خاصة إنشاء الروابط والأحزاب السياسية، يخفي خطأ استراتيجيا وسياسيا قاتلا. وحسب اعتقادي أن الرئيس غزواني، منذ تسلمه للسلطة سنة 2019، حمل معه التهدئة للموريتانيين. غير أن المنجز المتعلق بالتشاور مع القادة السياسيين لا يمكنه أن يعطي نتيجة إلا إذا احترمت قمة السلطة تعهداتها. وللأسف هذا ما لم يتحقق بالنسبة لحزبي الرك والقوى الشعبية للتغيير أو ببساطة لم يحدث بالنسبة لتطبيق القانون الوطني حول الأحزاب. لقد نجحت الصقور التي أتى بها وزير الداخلية والميالون إلى التعالي العرقي من التحالف القبلي-الناصري في إخماد جذوة النوايا الحسنة للرئيس غزواني.
………………….السؤال التاسع
حسب اعتقادكم، هذه الصقور كانت ضد طريقة غزواني المتمثلة في تهدئة المناخ السياسي واستعادة الوضع السليم لسيادة الدولة الديمقراطية؟
………………
بل أكثر من ذلك، فهم يقودون البلاد إلى المجهول. وزير الداخلية الحالي، محمد أحمد ولد محمد الأمين، مريد وأخ لغزواني، وأقرب المقربين من عائلته، وعقله المدبر، وقد وضع في هذه الوظيفة الحساسة جدا بسبب الثقة بينهما. بيد أنني أخشى من أن يقود البلاد إلى فاجعة مشابهة لتلك التي حدثت سنة 1989، فسلفه العقيد كابرييل سان بير أو جبريل ولد عبد الله دفع معاويه، المنفتح في البداية، إلى التقوقع والقمع في نهاية الثمانينات. ونحن نتذكر عدد الإعدامات خارج نطاق القانون والتسفير والمغامرات الدبلوماسية واللاجئين الذين ما يزالون يعيشون في السينغال ومالي. إن عدم جبر تلك الأضرار ما يزال يلاحقنا وينحو إلى تعقيد العيش المشترك داخل موريتانيا. بأفعال وزير الداخلية الحالي، فإنه يجسد أكبر تهديد للاستقرار والسلم. تعنته على تقليل عدد الأحزاب السياسية وتعقيد الاعتراف بأكثرها شعبية يشهدان على الخوف من حكم صناديق الاقتراع. وهذا يقلقنا.
………………السؤال العاشر
كيف يقلقكم؟
………………….
قربه الأسري من رئيس الجمهورية وتسرعه في تصفية حساباته مع كل الذين لا يشاطرونه الرأي، أمور تجعله في مصاف مثيري الشغب في هرم الدولة. فمنح الرئيس تفويضا له في المهمات الحساسة جعله وصيا أو خلفا مفترضا. ومن الطبيعي أن تحامله سيقوده، ما أمكنه ذلك، إلى اعتراض وتيرة الوعي السياسي لدى الموريتانيين المنحدرين من جنوب الصحراء كما فعل العديد من الحاكمين منذ 1978. وهنا أكرر أن هذه المعركة خاسرة مسبقا لأنها لا تأخذ في الحسبان الديمغرافيا ووعي المواطنين وسرعة تنقل المعلومة. الحكامة البدوية لا مستقبل لها لأن الزمن عفا عليها.
إن هدف هؤلاء يكمن في تهيئة إعادة انتخاب غزواني بسهولة وذلك بإقصاء المنافسين الكبار. وحسب فهمهم، يجب منع بيرام، فور انطلاق الاقتراع العام سنة 2023، من الحصول على العدد الكافي من التوقيعات، ويعتبر رفض الترخيص لحزب الرك جزءا من هذا المشروع رغم التعهد.
………….السؤال الحادي عشر
هل يمكنهم فعل ذلك؟
…………..
بالطبع لا. إنهم يتناسون أن التوقيعات اعتمدت فقط لتسهل على الدولة القيام بعملها حيث سيكون عليها التكفل بعدد كبير من المرشحين التافهين. لقد تم انتخابي نائبا وأنا قابع في السجن سنة 2018، وفي سنتي 2014 و2019 منحتني الانتخابات الرئاسية المرتبة الثانية بنتيجة متزايدة. وبالتالي فإن الرأي العام الوطني والدولي لن يجد مبررا لغياب بيرام غير الاعتراض على حقوقه المدنية.
إنني أدعو الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا ومنظمة لفرانكوفونية إلى مراقبة اقتراعات 2023 و2024 عن قرب في موريتانيا. وألفت انتباههم إلى الإقصاء والتمييز الناتج عن التقطيعة الانتخابية والأوراق لبيومترية. كيف للممولين وشركاء موريتانيا أن يقبلوا تمويل ومباركة انتخابات يمكن لنتائجها أن تكون مصدرا للنزاعات في وقت ينهار فيه السلم في شبه منطقة غرب إفريقيا؟ أتوجه بهذا النداء إلى كل شركائنا خاصة فرنسا وإسبانيا.
……………..السؤال الثاني عشر
لماذا فرنسا وإسبانيا بالذات؟
………………
لأن فرنسا وإسبانيا كانتا دائما تباركان تزوير الانتخابات في موريتانيا باسم مبدأ الاستقرار قصير المدى. أقول لفرنسا إن الهذيان المناهض لها في إفريقيا ناتج عن أخطائها الدبلوماسية، لكن الوقت لم يتأخر بعد لتصحيح الخلل. إن على فرنسا أن تكون إلى جانب الإرث العالمي لقيم الجمهورية. ذلك هو ما يجعلها تربح، كما نربح..
أجرى المقابلة الشيخ حيدره