مذكرات الرئيس محمد خونا ولد هيداله(الحلقه 42)
مذكرات الرئيس محمد خونا ولد هيداله
من القصرإلى الأسر
الحلقة 42
…من النعمة انطلقت أنا وولد لمرابط نحو ولاته، ولما وصلناها وعاينت وضع المعتقل ( القلعة ) وجدته غيرملائم ، فقد كان قلعة عسكرية قديمة أعيد تأهيلها على عجل ، ولذالك لم تكن مكانا لائقا في حالته تلك ليكون معتقلا لرئيس سابق، فمرافقها مثلا كانت في حالة مزرية، كما كانت تنقص هذا المكان بعض اللوازم الضرورية في مثل ذالك المناخ الحار كالثلاجة مثلا، ورغم هذه النواقص فإن الرئيس حين سألته عن ظروفه أجابني بأنه لايشتكي شيئا ولاينقصه شيئ، فهو ( مرابط عندو كتوبو) حسب تعبيره
وقد قابلت المختار باحترام شديد لأني أعتبره “أبا للأمة” وكان رأيي أن اعتقاله لايجوز أن يكون هدفا لحركة العاشر من يوليو، بل الهدف هو إيقاف الحرب، وتصحيح الأوضاع ، ويبدو أن ذالك لم يرق لمحمد فال ولد لمرابط وقد يكون كتب بذالك إلى قادته، مما أغضبهم علي، إذلم يكونوا ليتقبلوا هذا التقدير لرئيس انقلبوا عليه ، وخاصة وصفي له أثناء حديثي معه بأنه ” أب الأمة”
في هذا اللقاء وبعد أن أشرت لمحمدفال برغبتي في لقاء المختار على انفراد سألت الرئيس المختار هل يمكن له أن يكون مستشارا لنا؟ فرد علي أن ذالك ممكن لكن بعد أن يطلق سراحه ويذهب خارج البلاد لأنه إن بقي حرا داخل البلادسيظل عرضة للوشاية والنكاية والإتهامات الدائمة ولن يترك الأعداء علاقتكم بي تسير على نحو طبيعي، وأشير هنا إلى أنني لم يسبق لي مناقشة هذا المقترح مع الرئيس المصطفى أو اللجنة العسكرية، وإنما عرض لي فأردت أن أعرف رأي الرئيس المختار حوله على أن أنقل رده إلى الرئيس المصطفى وأعضاء اللجنة، وقبل أن أودعه أخبرني بأن الرئيس العاجي ” هوفت بونييه” كان قد وعده بمعونات غذائية لموريتانيا إذا حل موسم الحصاد في بلاده، وطلب منا أن نذكر ” بونييه” بذالك الوعد وأنه يطلب منه تسليم تلك المساعدات للسلطات الجديدة في البلاد
أما زيارتي الثانية فقد كان سببها أن محاميا فرنسيا من زملاء المختار القدماء جاءنا مبعوثا من طرف رؤساء أفارقة ، وطلب لقاء المختار فانتدبني الرئيس المصطفى لمرافقته إليه في معتقله بولاته، وفي هذه المرة أيضا مررت بالنعمة ورافقني محمد فال ، ولما وصلنا ولاته ودخلنا على الرئيس المختار بدا لي أنه تفاجئ بوحود المحامي الفرنسي معنا، إذلم يكن على علم مسبق بزيارته ، فسلم على المحامي ووفده سلاما مقتضبا، وأشارلي أنه يريد لقائي على انفراد ، فطلبت من الحامي ووفده الإنتظار في الخارج قليلا، ولما خرجوا بقي صامتا ، ففهمت أنه يرغب في خروج محمدفال ولد لمرابط أيضا وهذا ما أكده لي حين سألته ، حينها طلبت من محمدفال الخروج، وبعد أن صرنا على انفراد أخبرني أنه لايريد توسط الأجانب في قضيته، بل يرغب في أن تبقى شأنا داخليا، لذالك يريد أن يكون قرار الإفراج عنه صادرا من اللجنة العسكرية وبمبادرة منها حصرا، وأنه سيرسل معي خطابا موجها للجنة يطلب فيه منها إطلاق سراحه، وأخبرني أنه يرغب في التفرغ لتدريس أبنائه ولهذا فإنه يفكر في الإنتقال إلى تونس لهذا الغرض حتى يتمكن الأبناء من تلقي تعليم مزدوج ( فرنسي- عربي) وهو مالايتوفر إلا في البلدان المغاربية( تونس – المغرب- الجزائر) وأنه حين قلّب خياراته وجد أن المغرب لاتصلح له كخيار، لأنه إن ذهب إليها فسيقال أن ذالك نوع من الإعتراف بتبعية موريتانيا لها ، أما الجزائر فمستبعدة بتاتا بحكم خروجه لتوه من صراع مرير معها حتى وإن كان ذالك بطريقة غير مباشرة، أما تونس فهي دولة في حجمنا نسبيا ، وهي أول من اعترف بنا من الدول العربية ولا توجد بيننا معها مشاكل، لذالك لايوجد عائق يحول دون اختيارها سكنا، ولا اوجود لمحاذير سياسية تجاهها، وقد سألته عن احتمال قيامه بنشاط سياسي ضدنا انطلاقا من مقامه الجديد في حال تم إطلاق سراحه فتعهد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، وذكر لي أنه يدرك أن مرحلة حكمه ولت وأنه ينوي التفرغ لأدوار أخرى، كان ردي عليه بأني سأنقل رسالته و فحوى هذا الحديث إلى اللجنة للبت في هذا الموضوع
وبعد انتهاء لقائنا الإنفرادي طلب دخول المحامي الفرنسي فأدخلته عليه فتحادثا حديثا قصيرا نسبيا، لم يتطرقوا خلاله إلا إلى أمور عامة، وكان ذالك كله بحضورنا مع أني لم أكن لأمانع من انفراده بزميله الفرنسي لو أنه طلب ذالك
لما هممت بالمغادرة حملني رسالتين ، إحداهما موجهة إلى اللجنة يطلب فيها إطلاق سراحه، والثانية موجهة لزوجته الموجودة أنذاك في دكار، وقد سلمت الرسالتين للرئاسة فور أوصولي إلى انواكشوط، بعد أيام من أوصولي لاحظت أن الرئيس المصطفى وجماعته صارت لديهم شكوك حولي، وقد بدؤوا يطلقون تفسيرات سيئة لتصرفاتي مع الرئيس المختار وخاصة لقائنا الإنفرادي في الزيارة الأخيرة ، حيث أن محمدفال كتب لهم بذالك
يتواصل….