الحسن آب يكتب : ألم مكتوب خير من ألم مكبوت
تقول أسطورة للهنود الحمر إن حريقا شب في الغابة، ففزعت الحيوانات وفرت خارجها ولحق بها الإنسان، وبينما كان كل سكان الغابة يحاولون النجاة، شوهد عصفور صغير يأخذ في منقاره قطرات ماء من بحيرة قريبة ويحلق فوق الغابة محاولا إخماد الحريق بها معاودا المحاولة مرة تلو الأخرى من دون كلل، فصاحت عليه الحيوانات: إنك ترهق نفسك عبثا، هل تظن قطرات ماء بمنقارك الصغير ستطفئ الحريق؟!
فرد عليهم: أنا أقوم فقط بما بوسعي القيام به، وما يمليه علي ضميري وواجبي.
فبدأت بعض الحيوانات تلتحق بالطائر وتقوم بواجبها في إنقاذ غابتها ورجع الإنسان يدلي بدلوه هو الآخر حتى انطفأ الحريق وعادت الحياة لطبيعتها بالغابة.
المدون في الخارج، يعيش بحبوحة حرية في التعبير لا تتوفر لغيره بالبلد مما ولد لديه الشعور بواجب تسخير بعض وقته ليس فقط في كتابة آرائه حول الأمور والقضايا الوطنية ولكن عليه أيضا تعويض الناقص من دور المدون في الداخل بالمجال نتيجة الضغوط المجتمعية والأمنية والقوانين التي تحبس كلماته وتكبت أفكاره وآراءه.
المدون في الخارج أخذ على عاتقه مسؤولية أن يكون لسان واقع البلد المزري وحال المواطن الصعب في وقت ينفق النظام أكثر من 5 مليارات سنويا على مغالطة الرأي العام الوطني والدولي حول حقيقة هذا الواقع والحال وتسويق إنجازات وهمية له يكذبها عطش البلد من أقصاه لأقصاه وتردي الخدمات العامة للمواطن في كل القطاعات وبكل الولايات، رغم قلة عدد سكان البلد ووفرة خيراته وحصوله سنويا على مئات المليارات كقروض ومساعدات للتحسين من حال المواطنين.
فقط الأنظمة الفاشلة الفاسدة تخاف النقد وتسليط الضوء عليها وتحاول بكل الوسائل والطرق حجب النور عن واقع البلد وكتم صوت المواطن الذي لم يعد تحت تأثير الإعلام العمومي المحتكر من طرف النظام والمسخر للإشادة به وتثمين مسرحياته الركيكة السيناريو والإخراج، وكلما لاحظ النظام ضعف ماكينته الإعلامية أمام نشطاء الإعلام البديل صار أكثر عدوانية فيعمد لسن قوانين تجرم حرية التعبير ويحاول جاهدا إسكات المدونين بالخارج الذين لا سلطة مجتمعية أو سياسية أو مالية أو مشيخية عليهم، والأدهى بالنسبة له أن كل قوانينه ورماحه لا تطالهم فهم خارج دائرة تسلطه.
لن يكف مدون الخارج عن نقد النظام وفشله وفساده وهو يحس آلام وطنه وإخوته في كل تفاصيل حياته الشخصية اليومية، يحس بالمرارة على وطنه حينما يدخل إدارة عمومية لغرض ما، حينما يدخل مستشفى أو صيدلية، حينما يستخدم وسائل النقل العام، حينما يأخذ بسيارته طريقا سريعا أو حتى فرعيا، حينما يشاهد الإعلام العمومي واستقلاليته، حينما يشاهد تزاحم السياسيين وتنافسهم على إرضاء المواطن بدل العكس، حينما يوصل أطفاله للمدرسة أو يأخذهم لحديقة عامة، …كل شيء من حوله يذكره بنقيضه ببلده رغم أن به من الخيرات أضعاف ما تملك دول مجاورة له قطعت أشواطا في عصرنة مؤسساتها والتحسين من خدماتها العامة للمواطنين حتى صارت وجهة لكل مريض قادر بالبلد!
ستظل صفحات المدونين بالخارج منبرا حرا لواقع البلد وحال المواطن لا يضرهم من عاداهم ولا يريدون جزاء ولا شكورا على ذلك، فلديهم قناعة راسخة بأن ما يقومون به واجب ديني وأخلاقي ووطني، وبأن عليهم الكشف عن الجراح – كل الجراح – ليرى الجميع كم هي غائرة ومؤلمة وبحاجة للعناية بها وعلاجها بدل الإكتفاء بحجبها تحت ضمادة كنار تحت الرماد قد تسبب كارثة.
سيظل السعي حثيثا لتغيير عقليات بائدة كثيرة عملت الأنظمة المتعاقبة على التعهد بها حتى تبقى المواطن مدجنا لا يميز بين حقوقه وواجباته، وسيعي المواطن في القريب العاجل بأن المال العام “ما هو مال الدولة” وبأن الرئيس والوزراء والمسؤولين مجرد موظفين عنده وهو صاحب الأمر والسلطة، وبأن النفاق السياسي وسدنته هم أصل البلاء وديمومته… وبأن أمورا كثيرة يجب أن تتغير ليتغير البلد ونخبته السياسية للأفضل وخاصة ما يتعلق بالعصبية القبلية الراعية والحاضنة للفساد والمفسدين والمنافقين.
سنظل في الخارج على نفس النهج في تعرية مكامن الفشل والاختلالات التي تعطل البلد وتمنعه من الخروج من المربع الأول، ويوما بعد يوم تزداد أعداد الخارجين عن عباءة “مجتمع الحزب الجمهوري” وسلطة القبيلة والنفاق والتمصلح… وسنطفئ مع الزمن الحريق في ثروات البلد وحقوق مواطنيه، فدوام الحال من المحال خاصة هكذا حال بالبلد (بلد غني بشعب فقير ) وسينتصر الخير في الأخير ويذهب الشر كزبد، تلكم سنة لا راد لها ولا عاصم ولو بالجيوش والمال والإعلام الموجه وما حصل أخيرا بدول كثيرة بالمنطقة خير دليل.