أقلام

(جَزاءُ سنمَّار)……/ المختار الطلبة

 

 

سنمّار هو مهندس معماري بيزنطي وهو الذى شيد قصر الخورنق الشهير لفرعون الحيرة أنذاك الملك النعمان….
وحين انتهى بنيانه وأذن فى تسليمه أسر للنعمان أن بالقصر آجرة لو زالت لسقط القصر كله فاندهش النعمان من عبقرية سنمار وذكائه الخارق فخاطبه وهل لهذ السر آذان غيرنا فقال له سنمار فى لحظة صفاء ساذجة لا أيها الملك….
فصعد به إلى أعلى القصر وأمر الحراس أن يرموه من فوقه وهكذا مات ودفن سره معه وإلى الأبد.
جزاء سِنِمّار جاني على الهوى
وكان يُمَنّيني وفاء السموئلِ
وغير بعيد من مرمى عصى وفى الصحن الجالي الآخر من جزيرة العَجب نجد الوفاء فى أجمل وابهى حُلله واقفا شامخا عند باب السموئل ابن عاديا:
والسموأل هذا هو:
بن غريض بن عادياء الأزدي، هو أحد حكماء العرب ومن فحول الشعراء الجاهلية ومخضرمى تلك الحقبة
السموأل هو ذلك الرجل الذي ضربت العرب المثل بوفاءه فقالت:
“أوفى من سموأل” حتى كان لوفاءه الحظوة في نفسه عن المال والولد.
فقد أعطى امرؤ القيس السموألَ دروع أجداده الشهيرة، ومعها بعض الكنوز لما أراد التوجه لقيصر الروم، وكان ذلك لإيمانه أنه لن يعود، وفي ذلك قال امرؤ القيس وصاحبه معه في الطريق:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما
نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
وهو ما حدث فقد مات امرؤ القيس، حينها طلب ملك كندة تلك الدروع والكنوز من السموأل، فأبى السموأل أن لا يدفعها إلا لمستحقها،
فتوعده الملك مرة يرهِّبه ومرة يرغِّبه دونما جدوى. حينها سار إليه الملك الكندي من نجد إلى حصن الأبلق بجيش جرار (وحصن الأبلق هو حصن السموأل وهو لا يزال موجوداً في تيماء السعودية بالقرب من تبوك). فلما علم السموأل بقدوم الجيش اعتصم بالحصن وكان ولده حينها خارج الحصن في رحلة صيد، فلما وصل الملك وجنده تمت محاصرة الحصن، وظفر الملك بولد السموأل عندما عاد من رحلة الصيد، فأخذ يطوف به حول الحصن وهو ينادي بالسموأل، فأشرف السموأل عليه من فوق الحصن فلما، رآه الملك أخذ يصيح له قائلاً: أيها السموأل قد ظفرنا بولدك وها هو أمامك، السيف فوق رقبته والسيَّاف حاضر، فإن أعطيتنا ما جئنا لأجله أخلينا عن ولدك وأحسنا لك، وإن أبيت قطعنا أوداجه أمامك فاختر ما شئت.
فقال أحد الأزديين للسموأل:
يابن عادياء قد حفظت أمانتك قدر المستطاع، وامرؤ القيس قد مات، فادفع له ما يريد وخلِّص ابنك فإنه فارسنا وكريمنا الذي لن نرضى بقتله من أجل أدرع الكندي.
حينها فكر السموأل قليلاً ثم صاح للملك قائلاً: ورب السماء لن أخون ذمتي، ولن أجعل العرب تعيرني بقلة وفائي، وولدي بين يديك أمانة فإن قتلته كنتُ وبقية أولادي له خير خلف، وإن تركته ما كنت لأعطيك أمانة في عنقي. فافعل ما شئت.
حينها أمر الملك السيَّاف أن يقتل ابنه أمامه، فقال السموأل:
وفيتُ بأدرع الكندي إني
إذا ما خان أقوامٌ وفيتُ
وأوصى عادياً بأن لا
تخرِّب يا سموأل ما بنيتُ
بنى لي عادياً حصناً حصيناً
وماء كلما شئت اشتفيتُ
واستمر الملك الكندي في محاصرته حتى يأس من اقتحام الحصن، فعاد خائباً من حيث أتى، وبعد سنة قدم ورثة امرئ القيس له فأعطاهم الدروع والأمانة وأنشد لا ميته التى بدأت تمطر عهدا وانتهت تقطر وفاءا
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
فما أخمدت نار لنا دون طارق
ولا ذمنا فى النازلين ذليل
وإنا لقومٌ لا نرى القتل سبة
إذا ما رأته عامرٌ وسلولُ
يقرِّب حب الموت آجالنا لها
وتكرهه آجالهم فتطولُ
إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ
قؤولٌ لما قال الكرام فعولُ
فشكروا له حفظه للأمانة، وصبروه لموت ابنه.
وقد قصَّ الأعشى “صناجة العرب” قصة السموأل في قصيدة له أشبه بالملحمة الشعرية يقولُ فيها:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به
في جحفل كسواد الليل جرَّار ِ
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
حصن حصين وجار غير غدار ِ
فقال: ثكلٌ وغدرٌ أنت بينهما
فاخنر فما فيهما حظٌ لمختار ِ
أأقتل إبنك صبراً أو تجيء بها
طوعاً؟، فأنكر هذا أي إنكار ِ
فشك غير طويل ثم قال له:
أقتلْ أسيرك إني مانعٌ جاري
أما فى قارتنا النتنة وشواطئنا التعيسة وعاصمتنا المحتضرة فيتجلى لك واضحا نكران الجميل وهو يتراقص منتشيا لترى بأم عينيك وطنك الحبيب وقد أجريت له عملية جراحية استأصلت كل ما فيه من الإنسانية والعرفان بالجميل لأبنائه البررة تحت إشراف أشخاص ماهرين ويتقنون التلون كالحرباء ويدعون الوطنية والدين والدينُ والوطن منهم براء….
فلكم أن تسئلو من حضر ولادة دولتنا ورأى مراحل مخاضنا العسير والدور الذى لعبه ابن الوطن البار والرائد الأول فى تشييده وبنائه أبى وفخرى..(أحمد سالك ولد ابُّوه)…
فبهمته العالية وطموحه اللا محدود ونظرته الثاقبة والبعيدة المدى استطاع وفى ظرف طارئ ووجيز أن يحدث قفزة نوعية في مجال بناء دولته لتصبح صرخا معماريا يتغنى به العدو قبل الصديق….
عليكم أن تسألو أيضا من عاش تلك المعاناة ومحن نقلها من الجارة السنغال والجارة المملكة المغربية وكم يستغرق أخذ إذن نقل…(مَروَب حَامظ)… إلى انواكشوط من أحد الموانئ أو المطارات من الوقت…..فكيفَ بخنشةِ عجين أو علبة دَواء وتلكم هي أبسط مقومات الحياة بالنسبة لدولة حديثة النشأة والطور وتعاندها جميع ظروف الطبيعة وقوانين الحياة….
رغم كل هذا وغيره من ما يغيض فيضا ركب ابننا الفخر طموحه وضحى بسعادته وراحة ترفه وأثبت أن الجبان ليس رأس المال بل الجبان هو من يترك وطنه فى ظرف كهذا…
وأخذ على نفسه ترميم وإنشاء أول شركة للإسمنت وصناعته وهي الرائدة الأولى من نوعها فى القارة الإفريقية حسب الجودة وأمانة الإنتاج…(وحسبَ رأيِ الشخصى)أيضا…
وهكذا أصبحت الجمهورية الإسلامية الموريتانية دولة تتسلح بالإسمنت المسلح من مال أبنائها البررة وبأيديهم أيضا بنت وشيدت ما كان بالأمس القريب حلما يصعب تناوله ولا زالت تنتج بفخر واعتزاز وستظل كذلك بحول الله وقوته…
لم يكتفى أبى وفخرى بهذا فحسب بل ظل يرضع المقولة الشهيرة:
(لا تسأل عن ما قدمه لك وطنك…بل اسأل عن ما قدمتَ لوطنك)…
وأنجب لهذا الوطن المغبون أبناءا من صلبه فصارو أشبالا من ذاك الأسد وظلو على عهده ووصيته بل وركبو نفس المخاطر التى ركبها أسدهم قبلهم وتحدَّو كل الصعاب وأثبتو ما أثبته فخرنا أن الهمة أقطع من السيف وأن رجولية الرجل لا تثبتها إلا عزيمته….
ولأننا دولة فى القرن الواحد والعشرين ونطمح أن نساير الركب الأممى ونسابق الزمن وعجلته يتوجب علينا أن تكون واجهتنا واجهة حضارية ليرى القادم إلينا سمكا معماريا يثبت ذلك وتسبح عينيه فى فضاء حديث يُحسن السكوت عليه…
تَوجَّب على صناع القرار إعطاء الضوء الأخضر لتشييد مطار بمواصفات عالية ومعايير دولية….
فتخيل معى أن دولة عمرها يناهز 60 عاما ومدرج طائراتها ممر يومي للحمير والأغنام…وأحيانا يأمر برج مراقبتنا لملاح الطائرة أن يواصل التحليق لماذا…!
أتعرفون لماذا….؟….لأن مدرج الطائرة الرسمى…(والدَه فوكُو احمارَه)….ولا بد من وقت مستقطع حتى تتمكن أيادى صيانة(الفَيافى)من معالجة ذلك الخلل حتى تهبط الطائرة وركابها بسلام…
فمنذ ثلاثة عقود ومطارنا يصارع رحمه ولم يجد النور إلا فى سنة 2011 فى صفقة لا تشبه التراضى ولا التسريحَ بالإحسان…بل وتُعتبرُ انتحارا ماليا بطيئا
فى الوقت الذى تراجعت وتقاعست كل الشركات الوطنية أو ما تدَّعى أنها وطنية عن تشييد مطار لوطنها وجبُنت من دخول مغامرة لا تعرف عقباها….
وقف جذيلها المحكك وعذيقها المجرب وأشبال ذاك الأسد وقبلو بها رغم وضوح الأرقام الخيالية وحجم الخسارة وما يترتب على تلك الخطوة من ديون مزمنة….
إلا أنهم ظلو واقفين على عهدهم لوطنهم ووفائهم لأمتهم
وأخص هنا بالذكر اخوتى:
اشبيه ولد أحمد سالك ولد ابُّوه
المدير العام لشركة اسمنت موريتانيا

محى الدين ولد أحمد سالك ولد ابُّوه
المدير العام للشركة الموريتانية للبناء والتجهيز
M C E

ولك أن تتخيل مدى حجم المشروع وضخامته والسقف المالي من العملة الصعبة وحدها والوقوف على الصغيرة والكبيرة حتى حين انتهاء هذه الجوهرة المعمارية فالصورة تتحدث وألسنة الخلق أقلام الحق…
إن المطار الجديد يتكون من مدرجين للإقلاع و الهبوط، الرئيسي بطول 3400 متر وعرض 60 متر،أما المدرج الثانوي فطوله 2800 متر وعرض 40 متر،ويتسع المطار الجديد لمليوني راكب سنويا، كما يمكنه استقبال طائرتين في آن واحد بما فيها طائرات “الايرباص 380 “ّ؛ و “ابوينغ 747″؛ فضلا عن وجود 14 نقطة لتسجيل المسافرين و 18 نقطة لإجراءات الذهاب و القدوم ؛ و 7 أجهزة ” اسكانير” للكشف المغناطيسي على المسافرين المغادرين و مثلها للقادمين .

كما يحتوي على محطة ركاب بسعة 22 ألف متر مربع،وبه محطة رئاسية بمساحة 3000 متر مربع،ومستودع للبضائع بسعة 4200 متر مربع،بالمطار الجديد-كذلك- مدرج للمراقبة بإرتفاع 39 متر مربع,4 مرابط للطائرات،محطة معلاجة المياه،وموقف سيارات يتسع لـ600 سيارة،ومباني إدارية ومركز إطفاء.

وحسب ذات المعطيات الفنية فإن المطار الجديد يوفر محطة ركاب مزودة بـ6 بوابات متحركة،و18 بوابة لتسجيل الركاب،20 بوابة للوافدين إلي المطار،3 مفارز متحركة للحقائب،قاعة للشخصيات الكبيرة،وقاعتين للصلاة و قاعتي شرف؛ و3 مساجد ،منطقة عبور،و5 مصاعد ميكانيكية،3 سلالم ميكانيكية،و8 بوابات إركاب،20 محلا موزعة(مطاعم،وكالات سفر،دكاكين،وصرافات).. الخ.
فى المقابل حصلت الشركة على قطع عقارية من منطقتي الصكوك المأهولة بالجِنِّ وزبانيتهم والمطار القديم الذى أكل الملح ترابه طولا وعرضا وهكذا تكون الدولة الموريتانية قد أنصفت أبنائها البررة أيما إنصاف…(أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)…
ولأن دولتنا تعرف سنمار وقرأت عن وفاء السموئل (وللعهد عندها معنى)فقد كافئت فخرنا على بنائه لدولته ووشحت أبنائه الأبطال بتاج من ذهب….
لا بل ووضعتهم فى أفواه الإعلام وأعين الجميع على أنهم خانو الأمانة والعهد ولعبو وتلاعبو بوطنيتهم وباعوها بأبخس وأرخص الأثمان….
ولأن ذاكرة الجميع سمكية فقد نست دولتنا كيف كانت تنقل الإسمنت من دكار وكم يستغرق من الوقت للوصول إلى عاصمة البدو انواكشوط…؛
وتناست أيضا مدرج مطارنا القديم وكيف كانت تتخذه الحيوانات ممرا رسميا لها كما نسيت الحريق الذى شب فى طائرة أبنائها فى وضح النهار على مرأى ومسمع منها ودون أن تحرك ساكنا لأنه لا توجد سيارة إسعاف تستطيع الوصول لأبعد نقطة من المطار القديم فتُركو هناك تحت رحمة المازوت والحديد حتى تحولت جثثهم ركاما ولم يبقى منها ما تئويه القبور
وفى تحد صارخ للقيم والأعراف وتدنى مستوى المروءة وحجم الإنحطاط تقف دولتنا بقناع من حديد وتوجه أصابع الإتهام لمن أنقذها فى ستينيات القرن الماضي بماله وعرق جبينه وأنقذها أبنائه من بعده وحفظو لها ما تبقى من ماء وجهها….
بل واعتبرتهم زمرة مفسدين تجب محاكمتهم وسجنهم…..إلخ
لتكمل ما بدأه الملك النعمان مع سنمار وأنهاه الملك الكندى مع السموئل وابنه….
أقول ومن هنا لدولتنا رئيسا وحكومة أن الزمن كفيل بأهله ومعرفة الظالم ومحاسبته….فمتى كان السلخ يضر الشاة بعد ذبحها….؟
فى الختام أقول لأبى واخوتى:

(فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)

{وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}

وساعدتكم من الأيام أربعة
اليمن والنصر والتمكين والظفرُ

ستظلون تاجا على رؤوسنا ومصدر فخر واعتزاز لكل حالم بالمجد واعتلاء صهوته

يَ انتِ تنتَكظَظ مخلمّك
ماذَ شطتِ بِيه الحسيَان
اندَار ابُّوه اعلَ فمّك
ورَاهُ فمّك بَعد ازيَان

?مودتى?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى