أقلام

فخامةُ الرئيس  في صورتين / د.أمم ولد عبد الله

من الصعوبة بمكان تغيير  ملامح الصورة الراسخة في اللاشعور عند المواطن الموريتاني عن السلطة السياسية ورئيسها؛ فكل شيء مازال يخضع لتراكمات مفاهيمية يتحكم قاموس السيبة في أغلب  مفرداتها؛ التي يجسدها معظم الناس في الواقع المعيش في صورة أقرب لماقدمه ابن بطوطة عن ولاتة /ايوالاتن في نهاية القرن 14 م… والرحالة الفرنسيون من بعده  عن أماكن مختلفة  من البلد  خلال القرن19   .

لقد شكلت العقلية القائمة على العداوة التاريخية لكل ماله علاقة بالدولة  السمة الأبرز في سلوك المجتمع؛ وليس غريبا أن نشاهد في أحياء المدن  والقرى منظمومة تشتغل خارج نطاق السبطة الحاكمة؛ مبنية على  القبلية والشرائحية؛  يُخيل لأصحابها أن لديهم دولة مستقلة..ويرفض شيوخها؛ في أغلب الأحيان؛ تنفيذ قرارات سيادية صادرة من أعلى سلطة في البلد؛ لمجرد كونها تتعارض مع أعراف نقليدية؛ حيث يسهل تفسير كل شيء في هذا النوع من المجتمعات؛ طبقا لنظرية المؤامرة التي تبرر كل الأفعال الخارجة عن القانون.

والمفارقة أن هذه العداوة يخضع منظروها لعدوهم اللدود(الدولة) بسهولة حين يتعلق الأمر بتوزيع المساعدات بمختلف أنواعها؛ فتحدث عملية توعوية يسخر لها المجتمع كل آلياته التقليدية لتنفذ على الوجه الأكمل؛ احتراما للدو لة  ولمواعيدها المحددة سلفا.

الصورة من الداخل:

على مايبدو ثمة ثنائية يعتمدها المجتمع للتعامل في كل ماله علاقة بالسلطة ورئيسها؛ لا تخلو من بارغماتية قائمة على أسس من المتناقضات؛ تسخدم الرفض والخنوع في اللحظة ذاتها بأساليب بدائية في معظمها.

بهذه المنظومة مازال يتعامل مواطنو اليوم مع الدولة ورئيسها ؛ صحيح أن الوسائل تغيرت؛ لكن المنهج مازال هو نفسه.

يتضح الأمر أكثر  من خلال الإعلام بمختلف وسائله؛ فكل مدون يعتبر نفسه سيدًا على منظومة من الفراغ تُعيد إنتاج تلك الثنائية التي بدورها تعمل على تقسيم المجتمع عبر تصور غير دقيق لمفهوم المصلحة.

ليس غريبا إذن أن تخضع صورة الرئيس غزواني في ذهن المواطن العادي لهذه العملية المركبة؛ التي تسخدم أدوات من الماضي لتطويع الحاضر وربما المستقبل.وعلى هذا الأساس يمكننا اعتماد تقسيم إجرائي في محاولة لقراءة صورة الرئيس؛ كما يراها المواطنون من الداخل الذين  ينقسمون بشأنها إلى ثلاثة أقسام سنذكرها تباعا:

1- المُلمّعون: شكل تلميع صورة الأنظمة أحد أهم وسائل الاسترزاق لدى طبقات سياسية معينة؛ فما يسميه البعض بالتزلف المتوارث أصبح جزءا مهما  وهدفا أساسيا لدى هذه المجموعة؛ ليس حرصا منها على مصالح البلد بالمفهوم الإستراتيجي للكلمة؛ وإنما سعيا للحفاظ على مصالح خاصة؛ لكن منهجهم المستهلك أصبح يشكل عبءًا على النظام لدرجة خلقت عداوةً ببنه وبين غالبية الشعب؛ الذي مل أساليبهم المتجاوزة.لا سيما في أوقات الأزمات .

2- المشوهون: ثمة جيوش افتراضية تدفعها تصفية حسابات معينة لتشويه صورة الرئيس؛ معتمدة العزف على وتر حساس يستخدم الوثائق  والوضع المتأزم نتيجة ظرف عالمي، كأرتفاع الأسعار مثلا؛  لتأليب ذاكرة من الغبن ضد رئيس الدولة.

والحق أن خطاب هؤلاء لقي رواجا كبيرا في أوساط الشباب والفئات المهمشة عموما؛ ولاشك أن الوضع العام للبلد ساهم في إقناع كثيرين بهذه الصورة؛ وهو ماتثبته أعداد المتابعين لمنظري التشويه من خلال السوسيال ميديا.

3- المحايدون: في ظل هذا الكم الهائل من الدعاية يصعب الحفاظ على الوقوف مسافة معينة من كل  الأحداث داخل البلد ؛ ومع ذلك ثمة فئات مثقفة تصنف بأنها قليلة التأثير ما زالت تمتلك أدواتها الخاصة لقراءة الأمور بموضوعية؛ وبحسب هؤلاء فإن صورة الرئيس ليست بذلك السوء الذي يروج له أصحاب نظرية التشويه؛ مع اقتناعهم بضرورة تغيير أساليبه في التعامل مع الوضع بحزم؛  لنزع البساط من تحت أقدام مشوهيه في وسائل الإعلام بصورة عامة؛ وإن كانت صورة الرئيس في الداخل تختلف جذريا عن نظيرتها الخارجية.

الصورة لدى الشركاء الدوليين:

الواضح أن الإرث الذي تركته الأنظمة السابقة؛ فضلا عن التأخير في اتخاذقرارات حاسمة فتح المجال لتشويه صورة الرئيس في الداخل؛ وتحديدا في الأشهر الأربعة المنصرمة من خلال حملات تشويه  مكثفة  تستخدم كل أنواع الدعاية علها تصادف هوى في نفوس الكثيرين؛ لكن الأمر يختلف تماما عن ماعليه صورة فخامة الرئيس في الخارج. فقد استطاع الرجل نسج علاقات قوية في فترات توليه لمناصب مهمة بحكم حاجة الشركاء الدوليين لمن يحسن التعامل مع الملفات الحساسة؛ مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها …

فبعد تولي غزواني  لمنصب رئيس الجمهورية سارعت صحف دولية وإقليمية مثل :

(  Le Monde, Jeun  Afrique ; Le Soleil…).

لوصفه: “بالرجل المناسب الذي انحاز للشعب؛ الأمر الذي سيجعله  يقود موريتانيا بصمت وبرزانته المعهودة إلى بر الأمان”؛ ويعكس  استقباله في مقر حلف “الناتو” بالعاصمة البلجيكية بروكسل  في منتصف يناير الماضي؛ المكانة التي يحظى بها رئيس موريتانيا في أقوى حلف في العالم؛ في سابقة من نوعها في التاريخ.

أما على المستوى الإقليمي فقد استطاع غزواني أن يتعامل بنحكة مع أزمة الكركارات؛ تماما كما نجح في جعل الدور الموريتاني محوريا في  الشراكة مع دول إفريقية في شبه المنطقة؛  تحظى باهتمام متزايد من قيل القوى العظمى في العالم.

ثمة من يرى أن تأجيل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد المصالحة الخليجية؛ أثر بشكل ما على تلك الصورة الناصعة لفخامة الرئيس في الخارج؛  وإن كان الأمر يتطلب في نظر مهتمين بعض البروتكولات لردم الفجوات التي أحدثها نظام ولد عبدالعزير في العام 2017 .

بغض النظر عن النجاحات التي حققها الرئيس في المحافل الدولية؛ والتي كان لها الأثر الكبير  في تلميع صورته في الخارج؛ فإن إزاحة الغبار عن الجانب الداخلي من تلك  الصورة يتطلب من فخامته اتخاذ خطوات استباقية لمواجهة موجات التشويه التي شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال  الأشهر الأربعة  الأخير ة؛ ولا أعتقد أن استخدام منهج  “الزيدنة ” هو أفضل الطرق لإزالة رتوش قد تتحول مع الوقت إلى بقع غير قابلة للإزالة .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى