الأخبار

تشريح واقع إنكار العنصرية في موريتانيا

 

تشريح واقع إنكار العنصرية في موريتانيا

في يوم 23 يونيو 2020، وبرسالة عبر الإبراق الداخلي، بعث بها المدير العام للأمن الوطني الموريتاني، الجنرال مسغارو ولد سيدي، تبادل شرطيان من مفوضية الميناء، بالعاصمة نواكشوط، بمن فيهما رقيب، مع زميلين لهما من الحوض الشرقي كانا يعملان في باسكنو وانبيكت لحواش في أقصى شرقي البلاد بالقرب من الحدود مع جمهورية مالي.
إجراء الإبعاد هذا، المقام به كعقوبة، يأتي في خضم جدل واسع و حول صورة شاب أسود متكئ على الأرض بينما كان، قبل يومين وأمام شهود، يثَبّته خنقا وكيلان ذوَا بشرة فاتحة.
لا شك أن التعذيب و”النوبات القلبية” خلال الحبس النظري، يدخلان ضمن الممارسات التي لا تثير أي انتباه في ما يتعلق بتوقيف الأفارقة المنحدرين من جنوب الصحراء أيا كانوا: مواطنين موريتانيين أو أجانب.
السخط الذي أعقب نشر صورة المشهد كان ناتجا عن الاحتجاج في أرجاء العالم على العنصرية و”إبادة الزنوج”، بعد اغتيال جورج فلويد من طرف وكيل شرطة من سلالة قوقازية، يوم 25 مايو 2020 في مينابولي بالولايات المتحدة الأمريكية.
الضحية هنا يدعى آبو جيبي جوب، يبلغ من العمر حوالي 20 سنة، وهو من مكونة البولار الموريتانيين، مولود في مدينة مقامه. أما مرتكبا عملية الخنق فهما الرقيب بله ولد زيدان والوكيل اعلي الملقب اعليات، وهما من النسيج العربي-البربري الموريتاني.
خلال الحادث الذي كاد يودي بحياته، كان الجاني المزعوم، آبو جوب، مقيما في مفوضية الميناء رقم1 حيث يُستنطق حول تهمة نشل بسيط. وقد انتهز فرصة سهو حراسه، ففرّ مسرعا، ليلاحقه الشرطيان المذكوران أعلاه ويطرحانه أرضا كالذبيحة.
وحسب شهادات المتاخمين، فقد تم تقييد آبو جوب بالأغلال ورُمِيّ به في زنزانة. ولم توجد بعد ذلك أية معلومة موثوقة بخصوص مصيره. ولولا صورة متوسطة الجودة ما كان لنا أن نطلع على مدى العنف الممارس على شاب أعزل ذي بنية نحيفة.

منذ 1987، وبفضل قانون العفو الصادر سنة 1993، يعزز النظام تجربة كثيفة من الزيف الهادف إلى تشويه سمعة مناضلي حقوق الانسان بتهمة أن رفضهم لتتفيه احتقار السود يمثل، بحد ذاته، إرادة في المساس بـ”الهوية العربية الإسلامية لموريتانيا”.
ولفهم الأمر، يكفي أن نلاحظ أن مداخلة البرلمانية الموقرة، كمبه دادا كَنْ، كان لها تأثير مذهل أربك الماكنة: فخلال 48 ساعة أخذت القضية منحى منحازا، فبدأت دولة الهيمنة العرقية القبلية ومفاصلها داخل الرأي العام في تغيير الرواية، مرة تلو المرة، حتى ثبَتوا عند نظرية المونتاج عبر تطبيق الفوتوشوب. بل وصل بهم الأمر إلى حد القول بأن الضحية قادم من مالي وأنه، بالتالي، لا يستحق كل هذا الضجيج.
ومن المرجح أن الضحية أبو جوب نجا، وهو أمر يظل رهن التأكيد من محام أو هيئة تُعنى بسجناء الحق العام.
تأتي عثرة هذه الضحية في سياق إعدام عباس حمادي جالو نهر قرب حاضرة واندينغ مساء 28 إلى 29 مايو من طرف جندي بدورية تجوب الضفة اليمنى لنهر السينغال. لقد اعتبره الإعلام الرسمي منحرفا قبل أن تبعث الدولة بمبلغ مالي إلى أهله بغية شراء صمتهم.
بعد عقدين من الإفلات من العقوبة ومن العنف الفظيع تجاه أغلبية السود، فإن حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية تتحمل مسؤولية اللا مبالاة والهروب إلى الأمام بدواع بالية تتمثل في الوطنية والدفاع عن حفظ النظام. وإن العدول من الناس لم يعودوا يحترمون سلطة تُمْطِرُهم بوعود الإنصاف وتطلب منهم الانتظار والصبر والأمل وترك الزمن للزمن. علما بأن كل أمل يخيب يصبح سُما قاتلا.
بالنسبة للحكومة الموريتانية، فإن الوقت قد حان لمواجهة الواقع بالشجاعة اللازمة وبابتداع الحلول لصالح الحقيقة أولا، ولصالح التسوية ثانيا، بدلا من التقوقع في العبث والتمييع تحت وقع الارتجالية والإهمال.
مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)
نواكشوط بتاريخ 25 يونيو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى