فتوى محفوظ ولد الوالد حول قانون النوع
فتوى محفوظ ولد والد حول قانون النوع
بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قانون النوع، أو قانون حماية المرأة أو الفتاة كما سموه أخيرا، هو قانون خطير، قانون غاية في السوء، قانون اجتمعت فيه أمور: اجتمع فيه أنه تشريع من دون الله، وأنه مخالف للشرع، ومصادم للوحي، وخارج على قيم وآداب المجتمع المسلم، وعامل على هدم كيان الأسرة وتفكيك المجتمع، وهو في الحقيقة ظلم للمرأة والرجل معا.
وسوف -إن شاء الله- نعرض، في مرحلة لاحقة، المواد والمواضع التي نصت على ما يخالف القرءان والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، ولكن المقام الآن لا يتسع لذلك لأننا بصدد ذكر عجالة بين يدي أسئلة هذه الحلقة.
أخطر ما في هذا القانون، وأعظم ما فيه مخالفة، هو كونه تشريعا من دون الله عز وجل. فالله عز وجل يقول: “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”، “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ”. فكما أنه لا يُعبد مع الله غيره، فكذلك لا يشرّع مع الله غيره، فالله عز وجل وحده مختص بحق العبادة وحق التشريع إذ قال: “وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا”، وقال سبحانه: “فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا”. فهذا القانون هو تشريع من دون الله ما لم يأذن به الله، مما فيه مخالفة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
الأمر الثاني الذي اشتمل عليه هذا القانون، مما يجعلنا نقف ضده، ونعمل على إسقاطه، وندعو الجميع إلى القيام بذلك، هو أنه طاعة للمشركين في ما يخالف أمر الدين. والله عز وجل يقول: “وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ”. فطاعة المشركين في ما يخالف أمر الدين شرك بنص القرءان الكريم.
وهذا القانون -كما هو معلوم- مفروض من قبل منظمات دولية وقوى وجمعيات منها منظمة الأمم المتحدة ومنها الدول الغربية التي تعمل على هدم كيان الأسرة المسلمة من خلال تمرير مثل هذه القوانين، وهذا ظاهر في صياغته، وظاهر في محتواه، وظاهر من خلال القوة التي تدفع من أجل تبنيه ومن أجل اعتماده ومن أجل إقراره.
وحتى أن بعض مواد القانون الذي بين أيدينا (حتى بعد التعديل الثالث له) ما زالت مشتملة على هذه العبارات وهذه المعاني التي تدل على أنه قانون مفروض من الخارج، لا علاقة له بديننا ولا ثقافتنا ولا قيمنا ولا عاداتنا.
الأمر الآخر الذي يقتضي معارضة هذا القانون والوقوف في وجهه، هو أنه مخالف للدستور، فدستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع، وقد نص في ديباجته على تمسكه بالدين الإسلامي الحنيف، ونص على أن موريتانيا جمهورية إسلامية، ونص على أن الإسلام هو دين الشعب والدولة، وبالتالي كل قانون وكل نظام وكل قرار يخالف الإسلام فهو مخالف للدستور، وبالتالي فهو لاغ وساقط.
ومن المواد التي تضمنها هذا القانون، وفيها مخالفة صريحة واضحة للكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، ما اعتبره جريمة في حال قام الرجل بتأديب زوجته أو حتى بالوصول إلى الضرب الذي أذن الله عز وجل فيه. الله تبارك وتعالى قال: ” وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ “، فهذا الضرب الذي حدده الشارع (وهو ضرب غير مبرح وغير مشين ولا يخدش ولا يكسر) هو في حدود التأديب المأذون فيه بنص القرءان الكريم، بينما يعتبره هذا القانون جريمة يعاقب عليها.
ومن المواد الصريحة في مخالفتها للكتاب والسنة وما أجمع عليه علماء الأمة مما اشتمل عليه هذا القانون، ما تضمنه من النص على أن فرض الزوج على زوجته أي سلوك أو تصرف يعاقب بالحبس. ومعلوم أن الشريعة الإسلامية تكلف الزوج بالقِوامة على الأسرة، وهذا مما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة. الله تبارك وتعالى يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”، ويقول تعالى: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا”. بمعنى أنه لو أن رجلا أمر زوجته بالحجاب وألزمها به عند الخروج، فذلك يعتبر جريمة بمقتضى نص هذا القانون.
ومما تضمنه هذا القانون من الأمور المخالفة للشريعة أن قيام الأب بمنع ابنته مما تراه حقا ثقافيا أو اقتصاديا، أو ما كان من هذا القبيل، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ولكم أن تتصوروا أن الرجل-مثلا- لو منع ابنته من مشاهدة فيلم إباحي، يكون من حقها أن ترفع عليه دعوى بحجة أنه منعها حقا ثقافيا لها. وإذا لم تقم البنت بذلك، فقد أعطى هذا القانون المنظمات النسوية الحق في القيام به. ولو افترضنا أن هذه المنظمات قامت بذلك، فسوف يعاقب القانونُ الأبَ لمنعه ابنته من مشاهدة هذا الفيلم، ويعاقب الأم لأنها لم تبلغ عن الأب، ويعاقب الأبناء لأنهم علموا بذلك أيضا ولم يبلغوا عن جريمة أبيهم. ولكم أن تتصوروا ما يترتب على هذه الكارثة من تداعيات خطيرة… هذه أمثلة والمقام لا يتسع لذكر الجميع.
هذا فضلا عما تضمنه القانون من عقوبات وضعية استبدلت ووضعت مكان الأحكام الشرعية المنصوص عليها في القانون الجنائي الإسلامي.
فوق ذلك، فإن هذا القانون قالوا إن هدفه هو حماية المرأة: حماية الزوجة وحماية الفتاة. والحقيقة أنه لا يوفر لهما حماية. والدليل على ذلك نجده في الواقع المشهود. فالدول الأوربية والغربية، وحتى الدول الإسلامية التي تبنت مثل هذا القانون، تزداد فيها جرائم الاغتصاب وجرائم الاعتداء على النساء عشرات المرات أكثر من الدول التي لا تطبق هذا القانون. ففي كل دقيقة، هناك مئات من حالات الاغتصاب والاعتداء على النساء في الدول الغربية التي تطبق هذا القانون. بينما الدول المتمسكة بدينها، والشعوب المحافظة على قيمها وأخلاقها ولا تطبق هذا القانون، لا توجد مقارنة بين نسبة الاعتداءات على المرأة فيها مع نسبتها في الدول الأوربية والغربية وحتى الدول الإسلامية التي تطبق هذه القوانين. والحقيقة أن هذا القانون لا يحفظ للمرأة كرامة ولا يحمي لها حقوقا وإنما هو ظلم لها وظلم للرجل معا. لأن كل حكم بغير ما أنزل الله هو ظلم، قال تعالى: “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”،
ومن الغريب في هذا القانون أنه لم يذكر حقوقا أساسية للمرأة والفتاة أوجبها الله عز وجل لها وضمنها لها. فهذا القانون –مثلا- لا يتحدث عن حق الأم في برها، ولا الإحسان إليها، ولا يتحدث عن حق الفتاة في تربيتها ورعايتها وحفظ كرامتها والولاية عليها. إنه لا يتحدث عن شيء من ذلك، وإنما يتحدث عن الجوانب التي يريد من خلالها أن يهدم كيان الأسرة ويخرج بها عن الأحكام الشرعية والتربية الإسلامية المنشودة.
إذن هذا القانون مخالف للشريعة، وهو تشريع من دون الله، وطاعة للمشركين في ما هو من صميم مخالفة الدين، ومخالف للدستور الذي ينص على أن جميع القوانين يجب أن تكون مستمدة من الشريعة الإسلامية، ومخالف لقيمنا، ومخالف لثقافاتنا، ويمثل تهديدا لكيان الأسرة، ولا يحقق ما جُلب من أجله من زعمهم بأنه يحمي المرأة ويحفظ لها حقوقها، بل هو ظلم لها وظلم للرجل معا.
ومن هنا، تجب معارضة هذا القانون، والعمل على إسقاطه. ويجب على الكل أن يعارضه ويعمل على ذلك من موقعه ومكانه الذي يستطيع منه التأثير.