الأخبار

مقابلة النائب بيرام الداه اعبيد، رئيس حركة إيرا مع جريدة لوتانتيك الموريتانية في عددها الصادر يوم 21 ابريل 2020

 

 

بعد زيارة قادت النائب المحترم بيرام الداه اعبيد، رئيس المبادرة الانعتاقية والمرشح مرتين للتناوب على السلطة منذ 2014، إلى بلجيكا بغية العلاج، وجد نفسه عالقا منذ 18 مارس 2020 بسبب إغلاق المجال الجوي بين الاتحاد الأوربي وباقي العالم إثر تفشي وباء كورونا.
في هذا اللقاء الحصري، يعلق السيد بيرام على المستجدات السياسية في بلاده، ويميط اللثام عن قضايا عديدة يطرحها الموريتانيون بشأنه خاصة علاقاته مع الأنظمة المتعاقبة ووضعية الكفاح ضد الرق.

لوتانتيك: تفرضنا شؤون الساعة على أن نسألكم عن وجهة نظركم حول اعتقال إحدى أوائل المناضلين في حركة إيرا، السيدة مريم بنت الشيخ، منذ 13 ابريل 2020؟
بيرام الداه اعبيد: لم تكن هذه أول مرة تعتقل فيها مريم بنت الشيخ. ولا شك أننا نحن أفضل من يواجه مثل هذه الأوضاع. فبالأمس كنا نقود المعركة ضد تقديس الكناش الاسترقاقي، وانفلات الاسترقاقيين والجلادين من العقوبة، والرق الزراعي، وقد شذبتنا وصاغتنا تجربة الكفاح. والنظام لن يخرج رافع الرأس من هذه المعركة المحيطة بخطاب الكراهية كما يقول هو، أو المحيطة بسياق لابارتايد كما نقول نحن. إننا على يقين أن الحقيقة والحق يؤولان إلينا. ومريم بنت الشيخ متشبثة بما يطمئنها به المستقبل من ضمانات. بيد أن موقف النظام العدائي المفتوح ينبني على التضحية والجهد الذي بذلناه منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي كنا فيها أهم فاعل من ضمن المعارضة.  إن إيرا وتحالف الرك-الصواب يمثلان قطب الرفض الوحيد لنظام الأورغارشية العسكرية-الإقطاعية للقبائل وللتمييز  المعمول به منذ 40 سنة. إننا نجسد، وحدنا، خيار الشعب إذا ما أعطي، ذات مرة، الحق في أن يتخذ قراره عبر صناديق الاقتراع بأن يعيش في البؤس والظلامية الدينية والتفاوتات أو أن يتجرأ، في النهاية، على إحداث القطيعة. ذلك هو الخطاب الذي نحمله.
في مواجهتنا، يستمر نفس الشعور بالرغم من تغير الأشخاص على رأس الدولة. وإن إعادة إنتاج نفس الأساليب التي استخدمت ضدنا في عهد محمد ولد عبد العزيز يعطي تفسيرا لذلك. لم يكن ثمة رجل واحد يقمعنا، لكننا نتعرض للقمع من قبل رجال ونساء ونظام متضامن في ممارساته، ومصاب بالعمى الذي قد يجره إلى الانتحار.

لوتانتيك: كيف تقيمون عمل اللجنة الوطنية لحقوق الانسان وعمل مفوضية حقوق الانسان في ترسيخ حقوق الانسان وتحسينها منذ بروز نظام غزواني؟
بيرام الداه اعبيد: أحمد سالم ولد بوحبيني، الشخصية التي كانت قد وضعت بصمتها في مجال الدفاع عن حقوق الانسان في موريتانيا، والوزير المفوض المكلف بحقوق الانسان، محمد ولد بوخريص، يتميزان بصفات شخصية نقدرها حق قدرها.
تلك الصفات، للأسف، ليس لها تأثير معتبر على ضراوة المقت الذي يواجهنا به النظام. إن حالة القناص المنعزل أو الإطار المنزوي عن المجموعة، كما هو شأن السيدين المذكورين، لا يمكن أن تغير أي شيء في الممارسات المهيكلة لمشغليهما في دولة الماسكين بالأوقاف وأصحاب السلطة المبتذلة والمنفلتين من العقوبة. لهذا تم، على وجه السرعة، تخطي الأستاذ بوحبيني من قبل محيطه الفاسد جدا للأسف والذي سبقه في اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، ففي هذه اللجنة ما يزال هناك العديد من المزورين المتعودين على شهادة الزور وعلى التجسس بدافع الجشع.
لهذا، فبعد لقائنا بولد بوحبيني وارتياحنا لعمله، فكرنا في التعاون مع الهيئة من أجل أن نعمل، في موريتانيا وأمام المنتديات الدولية، على ترقية مشروع تعاون وثيق على طريق المساواة والمواطنة الشاملة للجميع. وعندما وصلنا إلى جنيف، تفاجأنا باكتشاف تقارير كاذبة موجهة ضدنا إلى أطراف أجنبية باسم اللجنة الوطنية لحقوق الانسان. وقد تبين أن الأستاذ بوحبيني لم يكن على صلة بتصرفات معاونيه المقربين، كما لم يكن بمقدوره منعهم. ولإبعاده من دَرَن الاتهام، يتوجب عليّ أن أشير إلى أن الأستاذ بوحبيني يظل أول مسؤول على رأس هيئة رسمية، بل المسؤول الوحيد ضمن الهيئات الرسمية والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، الذي طلب الاعتراف بحزبنا ومنظمتنا الممنوعيْن جورا من الترخيص إلى يومنا هذا.
هناك أيضا خيبة أمل تجاه ولد بوخريض بعد أن بعث السفير الموريتاني في جنيف، تحت وصايته، ومن أجل الاستهلاك الخارجي دائما، ببرقية كارثية. إنها رسالة لا تختلف في شيء عن العهود التي ازدهرت فيها اللغة الخشبية والكذب. وقد علمنا بها من خلال قنواتنا الخاصة.
وكخلاصة، فمن الصعب، في موريتانيا، أن يغير الرجال محيطهم بما فيه العقلية السائدة. لكن من السهل على المحيط، للأسف، أن يغير الرجال وأن يبقيهم تحت إملاءات الواقع. وبالرغم من استعدادهما النضالي، فإن ولد بوخريص وولد بوحبيني يبقيان حبيسيْ ظروفهما كخدم لعملية إفلاس متنقل هارب من التدقيق المحاسبي.

لوتانتيك: بعض المصادر القريبة من الحكومة، معتمدة مثال السينغال الذي صرح للمقررين الأمميين أن السلطات لن تتسامح أبدا مع المثلية، لا تمنح كثير اهتمام للتقارير الخاصة للأمم المتحدة عندما تنتقد القانون المتعلق بالتمييز المطبق اليوم في حق مريم بنت الشيخ. وحسب هؤلاء فإن هذا القانون يشكل عرقلة للحريات. حتى أن المقررين وجهوا رسالة إلى السلطات الموريتانية في هذا الصدد. ما هو انطباعكم؟
بيرام الداه اعبيد: الجهاز الذي يتبع له المقررون الأمميون ليس قهريا. فهو لا يقدم الأوامر للدول ولا يستخدم ضدها الإكراه. المقررون الأمميون يمثلون سلطة أخلاقية معترفا بها في حقل الأمم ووجهة نظرهم لها تأثيرها الكبير على مسؤوليات الدول.
السينغال بلد ذو ثقافة دبلوماسية عالية، وبالتالي فأنا أشك كثيرا في أن هذه الفظاظة، المنقولة عن مصدركم في موريتانيا، تمثل موقف الحكومة أو الدبلوماسية السينغالية. فالسينغال دولة عظيمة متفوقة علينا في كثير من الميادين خاصة المساواة العرقية والتسامح ورؤيتها للمرأة واحترام الحرمة الجسدية للناس.
وإنه لمن دواعي مفاجأتي أن يقارن هذا المصدر الحكومي الموريتاني أغلبية من الشعب، مكونة من مجتمع العبيد والعبيد السابقين، والأفارقة الزنوج، والعديد من الطبقات الدنيا في شريحة البيظان، بأقلية جنسية. فالأمر يوحي بكثير من العمش، على الأقل بمقارنة أغلبية مسلوبة الحقوق بحفنة من الناس المهمشين بسبب مطالبهم الخاصة المتعارضة مع حوصلة العقليات الإفريقية. هذه المقارنة يوجد فيها الكثير من الاحتقار.
وإن عدم الاهتمام بتوصيات المجتمع الدولي يمكن أن لا يكون خطيرا على المدى القريب بالنسبة لحكومات أعمتها وتملكتها الوقاحة والسلطة المطلقة، وبكلمة واحدة قوة التحطيم التي تملكها.. بينما أعتقد أن على حكومة تعيش في قرننا هذا أن تجعل من الحذر عكازها لكي تجمع بين القدرة على استباق الأحداث وتجنب الأدهى. لا يمكننا أن ننزوي في فناء فكرة قائمة على ميزان قوة مؤات في الوقت الراهن، لجعل رغبتنا تستند على الردع أو نتكهن بمآلات صمت الضحايا أو بخوفهم أو خنوعهم. إن حكما بهذه السطحية، سيلعب، عاجلا أم آجلا، دورا سيئا أسرع بكثير مما نتخيل… التاريخ كتاب جلي المضامين بالنسبة لمن يعرف القراءة…

لوتانتيك: كثيرون هم من لم يفهموا موقفكم عندما عارضتم إنشاء لجنة تحقيق برلمانية حول تسيير المال العام خلال العشرية الأخيرة. ما يثير التساؤل حول علاقتكم مع الرئيس السابق خلال وبعد رئاسته، وحول ما يتكرر من أنكم صنيعة ولد عبد العزيز.
بيرام الداه اعبيد: هذه الهجمات المُقام بها ضدي، من هذه الزاوية، صاغها وبثها جبناء لا شجاعة ولا كرامة لديهم، إذ لم يترك لهم العجز والانهزامية أي خيار غير لعق أقدام عزيز أو الاختفاء عن الأنظار إلى أن غادر. الذين استفادوا من عزيز أو الذين كانوا، ببساطة، من صنعه يوجدون اليوم في قيادة الدولة والجيش والأمن. فالرئيس غزواني وأغلبية معاونيه يدينون بكل شيء لعزيز الذي سلم لهم سلطة ما كان له أن يتخلى عنها.
إنه لمن المضحك أن نستمع لمثل هذه الاتهامات، فبيرام لم يصنعه عزيز، يوجد الكثير من المواد البشرية المكتوب عليها “صنع في عزيز”. إنهم يتجولون هنا وهناك وليس بيرام من ضمن لائحتهم البتة. الشعب يعرف كل شيء عن هؤلاء لذلك ساندني بالرغم من الفبركات والقذف والتخمينات الغادرة مثل هذه. هذا ما حباني الله به: فالشعب يتبعني ويفهمني حتى ولو منعت من الكلام في وسائل إعلام الدولة وتم تحريم الحزب الذي أنتمي إليه والمنظمة التي أقود.
من جهة أخرى، فإنني أؤكد دونما مواربة، بخصوص لجنة التحقيق البرلمانية، بأنني لن أشارك في خداع الشعب. هذه اللجنة ليست موجهة لتسليط الضوء على أمر مهم أو قول الحقيقة لصالح المحرومين. يتعلق الأمر بتصفية حسابات بين أطراف من نفس النظام متصارعين على مصالحهم المتضاربة، وإن رهاننا يكمن في أن الأمر سينتهي بهم بالتفاهم ودفن هذه البدعة المستحسنة عندهم، تماما كما دفنوا العديد من الجثث في الفترة ما بين 1986 و1991. هل تتذكرون لجنة التحقيق الشهيرة ضد زوجة وأولاد الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله؟ ما هو مصيرها؟..
أما بالنسبة لعلاقاتي مع الرئيس السابق، فلا أحد يجهل المواجهات العنيفة بيننا. فلم أضعف أبدا أمام جبروته. واليوم عندما ظهر لعزيز معارضون جدد لما لم يعد أكثر من مواطن بسيط ولم يعد يمثل تهديدا، فلن أمتزج بهم، فأجندتنا لا تتداخل. أنا لم تعد لدي نزاعات كمعارض مع عزيز، لأن عزيز لم يعد موجودا، ولا أحد يمكنه أن يستغلني ضده و على حساب قضيتي الأم و الأهم.
ما أستهدفه يبقى النظام. وما زلت أقول ان الفساد ليس عملا خاصا بعزيز وحده. لقد كان رئيس جوق في سرب من المفترسات التي من بينها رملاؤه الجنرالات وباقي خدمه الذين يمجّدونه ويرفعونه إلى مستوى الربوبية. لا آسفُ ولن آسفَ على رفضي المشاركة في هذه اللجنة. لقد قلت للنواب الذين أمِروا بهذا الشيء، بأنني أريد هيئة صادقة موجهة لمعالجة المشاكل الجسيمة لموريتانيا، خاصة الأكثر خطورة بالنسبة لي مثل الاغتيالات الجماعية بداعي العرق، وكذا التعذيب، والتسفير، ومصادرة الأراضي، وتطهير جهاز الدولة، وخاصة رفض نشر الحقيقة. كما سنطرح للنقاش القضية الوجودية: لماذا وإلى متى تمتلك أقلية عرقية شبه احتكار تام لأجهزة العنف الشرعي والزراعة والصيد والدين والأراضي الصالحة والبنوك والجمارك ورخص استغلال المعادن وقنوات التلفزيون والإذاعات؟ هذا هو العمل الملموس للجنة جديرة بتحقيق هدفها.

لوتانتيك: ما هو تقييمكم لعمل لجنة التحقيق؟ وهل تعتقدون أنها ستمضي إلى نهاية مهمتها؟
بيرام الداه اعبيد: لقد أجبت على هذا السؤال في ما سبق. هذه اللجنة لا مستقبل لها، فلن تصل إلى أية وجهة لأن بنيتها تقوم على أسس من التفاوتات وترتكز على دعامات من المراوغات والخدع.

لوتانتيك: ما هو تعليقكم بعد عودة شخصيات كانت مرغمة على المنفى من طرف النظام السابق؟
بيرام الداه اعبيد: أنا جد مسرور بعودة رجال الأعمال وغيرهم من المرغمين على المنفى. إنه حقهم لأنهم كانوا مبعدين عن بلدهم ظلما. لهذا لم نتوقف أبدا عن مساندتهم وشجب الظلم الذي ووجهوا به منذ أن استهدفهم النظام. البعض بدأ يتكلم عنهم عندما غادر عزيز السلطة. إن في الأمر ما يثير الضحك بشفقة. أنصح فقط أصدقاءنا العائدين أن يبقوا واضحين ويتحاشوا الذوبان في العرفان بجميل الحاكمين والرغبة في التقرب منهم. إن الحكومة الصالحة هي تلك التي تحتاج إلى النصيحة السليمة، وليس المجاملات.

لوتانتيك: ما هو تقييمكم لبداية حكم غزواني؟ وفي ماذا يمكن اعتباراه مختلفا عن النظام الذي سبقه؟ وكيف ترون المؤتمر الصحفي لغزواني وموقفه من الرق؟
بيرام الداه اعبيد: أعتقد أن حصيلة الأشهر التي قضاها غزواني في السلطة متفاوتة، فهو لا يحسد سلفه في شيء على مستوى ضبابية السياسات العمومية، خاصة التعيينات في جهاز الدولة.
تارة، يعطي غزواني الانطباع بأنه سيُرضي الجميع، ما تستحيل معه الحكامة الرشيدة. وباختصار فهو يعرف كيف يُطمْئن وكيف يغوي وكيف يحترم ضيوفه وكيف يستمع إليهم، وبعد لحظات يصطدم الكل بالهباء، إذ لا شيء. غزواني يريد أن يقود بالتعهدات الفورية والمجاملات والصبر المعدي والمكر القدري والإفراط في استخدام “إن شاء الله” لإعفاء نفسه من إكراهات الإلتزام. مثل هذه الطرق تتضمن امتيازات في بلدة مزدهرة يسود فيها انسجام نسبي. هذه الحالة لا تنسحب على بلدنا المداس. لو أن نية هذا السيد كانت حسنة لتوصل، على عجل، إلى خلاصة بأن البلاد مريضة وأن إنقاذها يتطلب علاجا فعالا يقدمه أطباء صارمون. إنه يسير بمقاييس مرتجفة من وخز الضمير والمضاربة بالبركة.
أما المؤتمر الصحفي الذي ذكرتم، الذي استدعى له غزواني بعض الصحفيين، فإنه لم يكن لقاء عاديا وإنما هو طريقة للتواصل. لقد سيطر على كل المواضيع أما الصحفيون فلم يكن لهم أي وجود. كان يريد أن يبعث برسائله كما يشاء دون أطراف فاعلة وإنما مع مجرد شهود منصاعين. الصحافة كانوا يمثلون غرفة تسجيل، وغزواني لم يزد على إرسال رسائله كما في صندوق البريد.
وأعتقد، من جهة أخرى، أن موقف غزواني من الرق يتمثل في الإنكار المعتاد لدى البيظان على شاكلة رفيقه على مدى 41 سنة: أي عزيز.

لوتانتيك: لقد دعوتم مبكرا إلى الحوار بعيد رئاسيات 22 يوليو 2019.. أين وصلت دعوتكم للسلطات الجديدة؟ وأين هذا الحوار؟ وما هو الوضع السياسي فيما بعد؟
بيرام الداه اعبيد: بعد الانتخابات الرئاسية، مباشرة بعيد إعلان النتائج، كان واجبي، بوصفي واحدا من الفاعليْن الأساسييْن، وبحكم وجود الشعب إلى جانبي في وجه جيش  مسلط علي، أن أبادر إلى تجنب المنزلق. كان خياري متمثلا في ضمان السلام. وفي هذا الإطار دعوت بالفعل إلى الحوار حتى ولو أن المعارضين المحيطين بي رأوا أنه من الضعف بمكان أن نكون أول من اقترح النقاش. النظام أيضا –كما قال مبعوثوه- اعتبر أنه من الضعف بمكان أن يبادر إلى التهدئة في المقام الأول. في النهاية، قال غزواني انه لا يريد حوارا لأنه ليس مهما، واكتفى بمشاورات دورية مع بعض رجال السياسة المختارين الذين يحسب أنهم المسؤولون الفعليون للمعارضة.
الأناس الذين اختارهم، والذين لست من ضمنهم، كانوا مرتاحين لهذا الوضع. اعتقدوا أن جميع المشاكل تمت تسويتها. ذلك هو موقفهم، وهم أحرار في تذوق طعم الوهم. من جانبي، أرى أن كل القضايا الضاغطة  التي كافحنا من أجلها خلال عشرية عزيز العنيفة ما زلت عصية على الحل.
من أجل الخروج من المأزق لابد من لجنة للانتخابات تكون مستقلة ولابد من مجلس دستوري مُعاد التشكيلة وفق ما يقتضيه الحياد، ولابد من إحصاء حر والولوج ديمقراطيا إلى الحالة المدنية ولائحة انتخابية متشاور عليها وشفافة ومراجعة تراخيص الإعلام السمعي البصري وإدارة وعدالة حياديين. وأحث هنا على وجوب تفاهم حول تسوية الملفات الثقيلة التي تعرقل التنمية والسلم الأهلي والانسجام في موريتانيا: إننا جد مهمومين، أكثر من أي وقت مضى، بملف الرق، وعدم معاقبة جرائم العنصرية والإقصاء والبؤس، وتقاسم ثروات البلاد، والتمييز على جميع الأصعدة: الإدارية والاجتماعية-الثقافية.

لوتانتيك: ماذا تقول للذين يأخذون عليكم غيابكم عن البلاد في زمن وباء كورونا؟
بيرام الداه اعبيد: لا أعرف على ماذا يؤسس هؤلاء مأخذهم عليّ بعدم الوجود في موريتانيا خلال تفشي هذا الوباء. لست رئيسا للجمهورية، ولست الوزير الأول ولست وزير الصحة. ليس لدي أي دور ألعبه في مواجهة الحكومة للجائحة. والحقيقة أن الطبيب لم يأذن لي في الذهاب إلا يوم 18 مارس المنصرم. وحينها لم تعد هناك أي طائرة لأن بلجيكا وأوربا عموما أغلقت مجالها الجوي. وأنا أنتظر نهاية الحجر، وعندما يعاد فتح الحدود سأعود إلى موريتانيا. وأقول لمن يعتقدون أنني قادر على إحداث معجزة ضد الكورونا أنهم واهمون. حتى لو كنت في موريتانيا، لا يمكنني فعل أي شيء. فرجل السياسة، عكسا لرجل الدين المهني، لا يبيع للزبناء المذعورين علاجا من الشعوذة المغلفة بالخرافة.

لوتانتيك: البعض يتساءل أيضا عن مساهمة إيرا في الكفاح ضد كورزنا؟
بيرام الداه اعبيد: لا أنا ولا إيرا لديها مساهمة يمكن أن تمنحها في مواجهة كورونا. إيرا منظمة محظورة وغير معترف بها في موريتانيا تماما مثل حزب الرك، وبعبارة أخرى، فإنهما رابطتان من الأشرار بالنسبة للنظام شأنهما في ذلك شأن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي  بجنوب إفريقيا زمن الابرتايد. فحزبنا ومنظمتنا لا يمكنهما أن يحوزا حسابا مصرفيا أو أن يحصلا على عطايا أو أن يبحثا عن أموال، أو أن ينتظما.

لوتانتيك: هل توافقون السلطات في قولها ان الرق لم يعد موجودا وأن ما هو موجود مجرد آثار؟
بيرام الداه اعبيد: الدولة تعتبر أن الرق لم يعد موجودا في موريتانيا. حسن، ذلك موقف نعرفه جيدا. إنه موقف كل الأنظمة منذ الاستقلال. ولا شيء تغير. الإنكار ما يزال ينتج الانكار وأصحاب هذا النثر البلاغي يواصلون تذوق طعمه كما لو أنه متنفس لجرمهم. لقد ساهمت حركة الحر ومنظمة نجدة العبيد، وغيرهما، في فك هذا الانعزال النفسي بفضل نشرهما، كل سنة، مرافعات تشهد على الوجود الفعلي للرق بالمولد في الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

لوتانتيك: ما هي حصيلة إيرا بعد كل هذه السنوات؟ وماذا أضافت الحركة للكفاح ضد الرق والتمييز؟
بيرام الداه اعبيد: إيرا موجودة منذ 2008، ما يجعل منها أحدث منظمة في بلادنا للدفاع عن حقوق الانسان وترقيتها. وحبذا لو أن السؤال عن مكاسب إيرا طرح على المواطنين. فعليكم أن تسألوهم لماذا اختاروا قياداتها على حساب الآخرين الأقدم منها في الساحة. أعتقد أن الفضل في نزع ستار الخوف عن السود وعن المظلومين، ونزع فتيل العقدة عن شبابهم وتحويل الرجاء المتذبذب إلى فتوحات من الأمل والاعتزاز الرجولي، يعود إلينا. ولا شك أننا أول المحتجين الذين طمأنوا المجموعة المهيمنة، خاصة الشريحة المتعلمة منها، بأن المساواة والإنصاف يجسدان الثمن المنطقي للسلم. وإننا نراهن على نجاح هذه الفكرة لكي نجنب أنفسنا ما يعقب كل ثورة من الدموع والهموم والخراب.
الصحفي المحاور
رئيس التحرير
الشيخ حيدرا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى