حنفي دهاه :غزواني تخشب في ردوده البارحة وبصمات مستشاري عزيز حاضرة
ملكة تشقيق الكلام و ترسيله يحظى بها السياسيون في البلدان الغربية أكثر من غيرهم، لأنهم لا يتسلقون آكام “فن الممكن” و لا يتسنمون بواذخه إلا بالحديث للشعب و محاولة إقناعه بأنهم خياره الأفضل و أهل ثقته، فيخترق الصفوف نحو القمة، و كأنه سهم غَربٌ، كلُ من أوتي بياناً و جدلاً، وكان ألحنَ بحجته السياسية من غيره. و كم من سياسي ينطف لسانُه عسلاً كان سبباً في خراب أمة و ضياع وطن، بعد أن أسكرهم ببنات كروم وهمه و أكاذيبه، فقد خدع هتلر الألمان بخطابته و أبهته اللفظية فانتخبوه ليكون لهم عذاباً و حزَناً.
أما موريتانيا فلم يحتج حكّامها لهذه الملَكة، لأنهم لم يحتاجوا يوماً لإقناع المواطنين، ما داموا قطعانا يسوقهم الأحمدواهيون في مواسم الانتخاب، التي يشرّع بها العساكر انقلاباتهم.
حين تمتطي متن دبابة عجماء، فلن تضرك فهاهة باقل.. سيتظاهر العساكر و الوجهاء و المثقفون و المخنثون و الشعراء و رجل الأعمال و الإعلام، ليقنعوك أن “الفصاحة في اليد”، و أنك طِرف السياسة المضمّر للرهان، و أمل الجماهير في انتشالها من القاع.
ولد الغزواني ككل الذين حكموا موريتانيا بما فيها المختار ولد داداه و سيدي ولد الشيخ عبد الله لم يستثمروا في الكلام لأنهم لم يحتاجوه يوماً للوصول للسلطة. غير أن أدائه الخطابي يتحسن بشكل مطرد، فحديثه البارحة للصحافة كان موّفقاً، و إن قصرت عباراته أحياناً عن توصيل أفكار جيدة.
لا يهمنا أن يكون ولد الغزواني خطيبا بقوله و إنما بفعله، كما قال ثابت قُطنة حين ولي أعمال خراسان، فقام فيهم خطيباً فحُصر و ارتُجّ عليه:
و إن لم أكن فيكم خطيبا فإنني
بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
من الجيد أن يتحدث الحاكم لمحكوميه، و أن يطلعهم على خفايا و خبايا الشأن العام.. لا أن يجعل من الخرجات الإعلامية وسيلة للتبرير و إلقاء المعاذير كما كان يفعل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.. و قد يكون مفهوماً تسجيل المؤتمر الصحفي دون بثه مباشراً إن كان ذلك لإكراهات فنية، تضمن جودة النقل و سلاسته، لا إن كان لقص أو لصق قد يحذف أو يصادر جزء من المحتوى.
حين يقرر الرئيس الحديث للشعب، فليس من الإنصاف أن يوثر بذلك صحفيين على آخرين (كما كان يفعل ولد عبد العزيز و كما فعل غزواني البارحة) فمن حق جميع وسائل الإعلام أن تتساوى في فرصة تغطية حوار رئيسها، و نقله لقرائها أولاً بأول، لا أن تتاح التغطية السريعة لصحراء ميديا و الأخبار أنفو دون بقية المواقع التي عليها أن تنتظر بث الحوار المسجل على قناة “الموريتانية”. على الأقل كان ولد عبد العزيز (لا أعاد الله أيامه) يبث خرجاته الإعلامية مباشرة، فيتساوى جميع الإعلاميين في إعداد قصاصاتهم الإخبارية من المباشر.
لرئيس الدولة أن يخص صحفياً أو صحيفة أو قناة تلفزيونية بمحاورته، و لكن حين يتعلق الأمر بحديث للشعب بعد مرور عام على الترشح للرئاسيات، هو أول حديث له للإعلام المحلي منذ الوصول للسلطة فأعتقد أنه من الإنصاف أن تتكافأ في نقله جميع الفرص و الحظوظ.
كانت بصمة مستشاري ولد عبد العزيز الإعلاميين واضحة في مؤتمر ولد الغزواني الصحفي.
فما أشبه الليلة بالبارحة.!
نفس الإخراج الفلكلوري.. و تقريباً، نفس المدعوين عادة من المواقع الألكترونية.. حتى ليخال المرء أن الأشهر السبع المنصرمة كانت طيفاً جميلاً صحونا منه البارحة على أن ولد عبد العزيز ما زال لم يحلَ حبوَتَه في القصر الأزرق.
ماذا على ولد الغزواني لو تمت استضافته (كما يفعل جميع الرؤساء في الدول الديمقراطية، و كما فعل ولد الشيخ عبد الله بعد مائة يوم من حكمه) في استديو بالتلفزة الموريتانية يحاوره فيه صحفيان متمرسان باللغتين: العربية و الفرنسية.؟!.. سيكون أمرا في غاية البساطة و التحضر و الاتزان.!
لا يمكنني إبداء رأيي في أجوبة الرئيس في هذه العجالة السريعة، و إن كنت أعتقد أنه أقنع في بعضها و إن تخشبت لغته في بعض، غير أنه، رغم رموز الفساد الذين يحيطونه كسِوارٍ بمعصم، يحمل الرجل في اتزانه و لباقته و صدقه و إيمانه بوطنه، فجراً أبلج يؤذن بنهاية ليل الفساد المعتكرّ.
فليهنأنا هذا الفجر الجديد، و على آثار من ذهب العفاء.