سلطان غشوم خير من فتنة تدوم باباه ولد التراد
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) صدق الله العظيم
نظمت تنسيقية المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية مهرجانا خطابيا مساء الخميس 17/ 8 /2017 في دار الشباب القديمة بالعاصمة نواكشوط أكدت فيه رفضها للتعديلات الدستورية التي أسفر عنها استفتاء الخامس من شهر أغسطس الجاري ، وأكدت مجموعة الثمانية المعارضة تمسكها بالعلم و النشيد القديمين .
غير أن هذا الموقف الذي اتخذته تنسيقية المعارضة الموقرة ـ التي حرمت الشعب من الدليل المادي والقانوني المتعلق بتزوير نتائج الاسفتاء بسبب عدم مشاركتها في الانتخابات الأخيرة ـ يقتضي في المستقبل أن يكون للدولة الموريتانية نشيدين وعلمين ، وهذا سيؤدي بدوره إلى زرع الفتنة داخل البلاد واشعال نار الفوضى والدمار وتمزيق النسيج الاجتماعي وتفكيك جدارالوحدة الوطنية .
لأن النظام لن يقبل عدم احترام قوانين وقرارات الدولة السيادية بحجة أن مخالفة تلك القوانين تعتبر جريمة تتعلق بأمن الدولة وسيادتها وهيبتها، خصوصا أن السلطة التنفيذية تتمتع بموجب الدستور الموريتاني بصلاحيات واسعة ، حتى إن إحدى الدراسات في ضوء دستور 20/07/1991 خلصت إلى أن السلطة التنفيذية هي المشرع العادي، بينما البرلمان هو المشرع الاستثنائي ، ومع ذلك فقد نصت المادة 24 من الدستور على أن ” رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني ولحوزة الأراضي ” .
وهذا يعني أن رفض التعديلات الدستورية بشكل جدي من طرف بعض أطياف تنسيقية المعارضة قد يعرض دماء الموريتانيين وأعراضهم وأموالهم؛ لما يحصل عادة إثرالخروج على السلطة من الفتن وسفك الدماء وذهاب الأموال وهتك الأعراض .
ومعلوم أن الأفراد والمجموعات يقبلون عادةً بحسم نزاعاتهم عن طريق الحكومة العامة ، حينما تتوفر الدساتير والقوانين على قواعد حسم النزاعات لتشكل جزءًا مهمًا في بنية المجتمع التعددي ، بعد أن كان لفكرة الفوضوية بعض الأثر خلال القرن التاسع عشر ، عندما أكدت إن جميع أنواع الحكومات العامة تتعارض مع الحرية الشخصية ولا ضرورة لها ، وأن للأفراد وحدهم والمجموعات الخاصة حق إدارة نشاطات البلد.
وبما أن العقول السليمة قد تأكد لديها أن قكرة الفوضوية لا يمكن بأي حال أن تخدم المجتمع فإن الدساتير الحديثة قد وضعت العديد من الضوابط والقواعد بغية تنظيم العلاقة بين الحكومات العامة والأحزاب والتجمعات السياسية ، فبعد أن نص الدستور الموريتاني في ديباجته إلى ” أن الحرية والمساواة وكرامة الإنسان، يستحيل ضمانها إلا في ظل مجتمع يكرس سيادة القانون ” نجد أن هذا الدستور ، يضع جملة من الشروط بغية احترام المبادئ الديمقراطية حيث نصت المادة 11على مايلي : ” تساهم الأحزاب والتجمعات السياسية في تكوين الإرادة السياسية والتعبير عنها.
ـ تتكون الأحزاب والتجمعات السياسية وتمارس نشاطها بحرية، شرط احترام المبادئ الديمقراطية، وشرط أن لا تمس من خلال غرضها ونشاطها بالسيادة الوطنية والحوزة الترابية ووحدة الأمة والجمهورية.
ـ يحدد القانون شروط إنشاء وسير وحل الأحزاب السياسية “.
ومع ذلك فإن المعارضة الواعية تعلم جيداً أن علاقتها بالحكومة ليست بالضرورة علاقة صدام ،فكلاهما ينتمي إلى بلد واحد، وكلاهما يسعى إلى تحقيق المصلحة العليا للوطن وإن اختلفت الأساليب أو التفاصيل ، وكلاهما يعمل على تعظيم دور الدولة التي ينتمي إليها ، ولذلك وجدنا في التجارب العالمية أن مشاورات ومواقف متقاربة حصلت بين الحكومة والمعارضة في بريطانيا والولايات المتحدة.
وإذا كان من مسئوليات المعارضة الوطنية في بلادنا كشف النواقص والسلبيات، إلى جانب دور الاحتجاج والنقد و الاعتراض ، فإن عليها أيضاً المشاركة في تقديم الحلول والمقترحات التي يمكن أن تسهم في علاج أي أزمة طارئة أو التقليل من انعكاساتها السلبية على الوطن والمواطن ، مع ما توفره المعارضة عادة من إمكانية التناوب السياسي، وتمكين الناخبين من الاختيار بين برامج متعددة ، وتجديد النخب السياسية ، والمعارضة بهذا المعنى يمكن أن تكون صمام أمان ضد تحويل أي خلاف أو نزاع إلى صراع أو مواجهة، وهذه الحقيقة هي التي تستدعي من الحكومة أن تتفهم أهمية دور المعارضة وتدرك أن أي محاولة للإجهاز عليها أو تقزيم دورها تعد في الواقع تشجيعاً على اللجوء إلى “حوار الشارع” واختيار طريق المواجهة.
ورغم ذلك فمازال باستطاعة السلطة السياسية أن تمثل دور الوازع الذي يقف عند تهيئة جو الحوار الهادف، لأن الكبت السياسي والفكري لا يضرالسياسين والمفكرين والمثقفين فحسب، بل سيضرب في عنق النظام بعد أن يستفحل خطره ، “فالفكرة المكبوتة قنبلة موقوتة “.
ومع ذلك لا بد من أدب في الحوار ، يحافظ فيه على المشتركات الوطنية ، حتى أن الدول المتحضرة أوجدت أماكن مناسبة للمفكرين والمثقفين والسياسيين بالقرب من السلطة، واستفادت منهم في حركة النقد الهادف فأصبحوا عونا لها، ولم يكونوا خطراعليها.
وقبل أن أنهي هذا العرض ألفت الإنتباه إلى أن القادة السياسيين لا يليق بهم أن يصرحوا بعبارات في غير محلها ، ذلك أن أبرز قادة مجموعة الثمانية المكونة لتنسيقية المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية قال “إن النضال سيتواصل حتى يسقط نظام محمد ولد عبد العزيز” وهذا في جوهره يتعارض مع اللعبة الديمقراطية التي قد تجعل هذا القائد رئيسا للجمهورية وتحتفظ له بمأموريته كلها ، ثم إن القادة السياسيين يطمحون عادة للإطاحة بالأفكار والبرامج الموجودة لدى الخصم ولايسعون للإطاحة بالأشخاص ـ إلا إذا كانوا يريدون أن يحلوا محلهم في الحكم فحسب ـ والحقيقة أن هذه الفكرة قد سمعت مثلها من صدام حسين رحمه الله ،عندما قال في إحدى المناسبات أثناء فترة الحرب العراقية الإيرانية ” إننا لا نسعى للإ طاح بنظام الخميني رغم أنه يسعى للإطاحة بنظامنا في العراق ، ولكننا نسعى بكل جهد أن نزيح أفكاره الخبيثة المتعلقة بالعراق ” .