باباه التراد يكتب : أيهما أجدى العلاقة مع إسرائيل أم ترميم جسورالأمة لحماية الوطن؟
قد يحتمي البعض من ماضيه بحاضر افتراضي مهتز ، ويعيد اختراع نفسه من جديد ، خشية ان يسقط الى مرتبته الدنيا ، فى حالة من عدم الأمان والتردد مذعنة لحاجة متصلة للانتهاز والابداع فى التخاتل، مما يكرس حس المغامرة و ينمي القدرة على التحايل ، كي تتم الاستفادة أثناء تبادل الأدوار، فكلما هبطت تنويعة فى سلم التراتب والتدوير كلما سهل الاستغناء عنها واستبدالها .
اليوم يطل علينا مدير أمن الدولة السابق المفوض دداهي ولد عبد الله من خلال مقابلة أجراها معه موقع الفكر ليمعن في التنكيل بضحاياه، حين اختار الافتيات على البعثيين الذين ضحوا كثيرا من أجل هذا الوطن حيث تم اعتقالهم في سنوات : 1970 ،1971 ،1979، 1982، 1985،1987 ، 1988 ،1995 ،2003 ، وتم تسريح وفصل 417 من العسكريين من مختلف الصنوف بتهمة الانتماء لحزب البعث ، أثناء اعتقالات 1988 لذلك وصف أحد الكتاب البعثيين بأنهم 🙁 نبتة ترتوي من الدم الذي يسيله الجلاد على أجسادهم ) .
وهذه العبارة تؤكدها شهادة الأستاذ محمدي ولد باباه التي ساقها القائد الكبير دفالي ولد الشين في معرض رده على المفوض دداهى حيث تحدث الأستاذ محمدي ولد باباه، عن ظروف الاعتقال سنة 1988، بقوله: إن الرئيس اعل ولد محمد فال زارهم في السجن ووجد الراحل محمد يحظيه مغمى عليه من التعذيب، فخاطب الشرطي قائلا: “يوجد لدينا كثير من الرصاص ولو كنا نريد قتل محمد يحظيه لضربناه بطلقة ووفرنا تعبكم”.
كذلك أكد الرفيق يحي ولد عالي الذي كان يقود منظمة (خالد) و من بعدها منظمة ( سيدنا عمر) وهو الإسم الذى استبدل به (خالد) بعد اعتقالات 87 “أن التحقيق فى عهد ..المفوض دداهى..مورست فيه مختلف انواع التعذيب و بلا رحمه..”
يقول الخليل النحوي في قصيدته الطويلة المسماة الدرب التي سربها من داخل سجنه عندما كان معتقلا بسبب انتمائه لحزب البعث :
وإذا ضاقت البلاد بِحُرٍّ** لم يضق عنه مخفر شرطي
كل زنزانة تثور فتغدو** وطنا كي يزورها وطني
إن يقلْ رأْيه صريحا نزيها** قيل: هذا مشاغب فوضوي
وَهْو إن كان مؤمنا وحدويا** تبعي وملحد عصبي
البنون الأبرار إما سجين** أو طريد مشرد منفي
كل من همه الكرامة والمجـ** ـدُ تعيس بهمه وشقي
في سبيل العلى هموم الأساري** والإهاناتُ والسباب البذي
في سبيل العلى يُضَرَّجُ حي** بدم طاهر ويدفن حي
ومع أن الرفيق دفالي ولد الشين قد ساق العديد من الحجج بأسلوب مهذب يليق بالبعثيين لينفي ما قاله المفوض دداهى فإن مدير أمن الدولة السابق خاطب الرفيق دفالي بعبارات غير لائقة وتفتقد الدليل يستخدمها عادة الأمن -الذي لازال يحن للعودة إليه – بغية نزع الثقة بين البعثيين الشيء الذي عجز عنه وهو يستغل وسائل قمع أمن الدولة وإمكانياتها المختلفة.
وهذا يعني أنها كلمات اعتاد عليها فحسب ،وإلا كان باستطاعته أن ينشر كل شيء مثل مافعل مع محمدو ولد صلاحي في المقابلة الأخيرة التي قال فيها إنه عميل لأمن الدولة عكس ما قاله في مقابلة أجراها سابقا معه مايكل البرونز تناولت معتقل اكوانتنامو محمدو ولد صلاحي ترجمة “مورينيوز” و”مراسلون”
تاريخ النشر: 22 كانون الأول (ديسمبر) 2016
والواقع أن ردود الرفيق دفالى القوية قد سببت حرجا كبيرا للمفوض دداهي حين واجهه بالحقائق التالية:
..(الأكيد لدي أن البعثيين بعد 10 يوليو لم يكن لهم دور أو مساهمة في أي إنقلاب عسكري، من الانقلابات التي عرفتها البلاد لاحقا.
تحدثتم سيادة المدير في المقابلة عن اعتقالات البعثيين دون أن يكون هناك توضيح عن ملابسات هذه الاعتقالات وأسبابها، والمرتبطة بأسباب معروفة، فحين يعتقل النظام الحاكم في البلد الزنوج، يجب عليه تلقائيا أن يعتقل البعثيين لصناعة التوازن، وحين يكون هناك تطور في تنسيق العلاقات مع الكيان الصهيوني، يجب اعتقال البعثيين، وحين تغضب فرنسا أو أمريكا من النظام الحاكم في البلد، يجب توقيف البعثيين وسجنهم، وإلى جانب أن الأنظمة ترفض وجود أي قوة سياسية منظمة وترفض خصوصا وجود قوة منظمة للبعثيين، فإن الإعتقال ترافقه في العادة ميزانية كبيرة للشرطة والضباط وهي فرصة للإنتعاش.
ربما سيادة المدير تعرفون أنه بعد 82 أصبحت لديكم لائحة دائمة للبعثيين تعتقل عند أي مناسبة، واللائحة لاتحين فأحيانا تبحثون عن موتى لإعتقالهم، وأحيانا تعتقلون أشخاصا غادروا الحزب والتنظيم منذ فترة، أذكر أنه في مرة أعتقلتم تاجرا من أهل كرو، وكذلك رجل من أهل بتلميت لوجود تشابه أسماء بينهم مع أسماء في لائحتكم الثابتة.
بخصوص التعذيب سيادة المدير، والذي نفيتم بشدة وجوده، فقد كان دائما موجودا وحاضرا وأساسيا في تحقيقكم أذكر أن الأستاذ محمد يحظيه عذب جسديا سنة 1988 وخضع لعدة جلسات في نظام التعذيب المعروف لديكم بجكوار، ..
السيد المدير المعتقلات الموريتانية شهدت التعذيب في مراحل عديدة من التاريخ السياسي، والبعثيون عانوا كثيرا من التعذيب ومنهم من يحمل معاناته إلى اليوم، الصحفي محمد حرمة محفوظ، والذي سلخت سيقانه من التعذيب، المرحوم يمهل ختار، وغيرهم كثر، والاعتقال كان دائما غير مبرر وغير مرتبط بأي أحداث أو أي معطيات، نذكر في العام 1995 حيث الإعتقالات التي لامبرر لها، ولم تفهم إلا بعد ذلك بأيام حين شوهد وزير خارجية البلد يومها، مع شيمون بريز، ..
السيد المدير الأمر لم يقتصر فقط على التعذيب بل وصل درجة التفكير في القتل، لاشك تذكرون المقترح الذي قدم بتصفية كل من المرحوم محمد يحظيه، والأستاذ ممد ولد احمد، والداه ولد الحسين، ورفض بقوة من طرف الوسط الإجتماعي للنظام الحاكم يومها، وحسب ما لدي من معلومات لم يكن مقبولا من طرفكم أيضا.
السيد المدير ، ربما كانت نجاحات المخابرات الموريتانية محدودة مقابل الثمن الذي دفعه المواطنون تعذيبا وسجنا وتنكيلا وتقييدا للحريات، فإنقلاب العاشر من يوليو وقع ولم تشعر المخابرات الموريتانية، وكذلك احداث 16 مارس، وايضا انقلاب84 لم تشعر به المخابرات الموريتانية، وكذلك انقلاب يونيو2003، وانقلاب 2005، وكما قلتم مسؤلية الامن هو حماية النظام السياسي، من الإنقلابات والتمرد والثورات وهو مالم تتمكن المخابرات الموريتانية من النجاح فيه، وبخصوص الحديث عن العملاء والوكلاء والمخبرين، أستغرب من لائحة من 100 شخص قيل أنها لائحة جواسيس للمدير السابق اعل ولد محمد فال رحمه الله، ولم يوجد في اللائحة بعثي وهو أمر مثير للفخر كما هو مثير للإستغراب).
وهذا ماحدى بالدكتور اباه ولد اباه أن يخاطب رفاقه بقوله:
” تجربتكم في هذه الديار كانت رائدة فبعد إعادة التنظيم 1983 وزع الحزب على منظمات منها سرية ومنها واجهة سياسية ومنها أمنية لحماية التنظيم وكلما اندس عميل في انتظيم أو ارتد أحد الأعضاء تراجع الترتيبات بسرعة ولذلك لم يعرف الأمن عن الحزب إلا ما يعرف الشارع العام وفي اعتقالات 88 ظل الأمن يبحث في معلومات قديمة تجاوزها التنظيم كمنظمة خالد التي لم تعد موجودة آنذاك بل استبدلت بمنظمة أخرى ولا يعرف من القيادة السياسية هذه المعلومات الا محمد يحظيه ولد ابريد الليل الذي لم يتحدث للأمن عنها وكذالك اعتقالات 95 ظلت الإستجوابات تدور في البحث عن صلاح الدين وخالد كل من خان الحزب من قريب أوبعيد عن قصد أو غير قصد معروف لديه في الحدود التي ينبغي أن تبقى فيها المعومات”.
أما في الجانب الآخر الذي يخص العلاقات خارج موريتانيا فاسمحوا لي أن أخاطبكم مباشرة:
سيادة المفوض دداهى ذلك أنكم ركزتم على العلاقة التي تربط البعثيين بالقيادة القوميةلحزب البعث الذي يسعى لترميم جسور التعاون بين أجزاء الأمة العربية كهدف تبحث عنه جميع الدول العربية – وإن كانت غير جادة- من خلال جامعة الدول العربية التي اعتمدت الجانب القومي سببا لإنشاء تلك المنظمة، وهذا يختلف تماما مع علاقاتكم بإسرائيل التي دنست مقدساتنا الإسلامية وارتكبت الجرايم بحق الشعب ، الفلسطيني واغتصبت الأراضي العربية ،وحينها كنتم كمدير أمن للدولة شريكا للرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع ، في تدنيس الأرض الموريتانية من خلال إقامة العلاقات مع إسرائيل 27 نونبر 1995 عبر فتح مكتب لرعاية المصالح. تمهيدا لإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء1999 .
غير أن الشعب الموريتاني بكل فئاته وأطيافه السياسية رفض العلاقات مع إسرائيل وطالب بقطعها ، واعتبرها علاقات مشينة مع عدو مجرم حاقد يسعى لتمزيق وحدة العرب والمسلمين.
أما البعثيون في موريتانيا فقد اهتموا إلى أبعد حد بالدفاع عن موريتانيا وسعوا – دون انغلاق-إلى ربطها بمحيطها العربي لكي تستفيد اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وعلميا وأمنيا، وقد حصلت على نصيب كبير من عطاء الأمة في شتى الميادين ، وإذا كنتم لا تستشعرون ذلك فإنكم ” تغردون ” خارج سرب أبناء هذا الوطن الأوفياء لتلك المبادئ والمواقف النبيلة التى اتخذها الأمين العام لحزب البعث صدام حسين فى الدفاع عن موريتانيا خلال سنة 1989 فكان له الفضل في عدم مطالبتكم الآن بالإستقلال عن السنغال أو الركون لإرادته ـ من يدري ـ ؟! وبدلا من ذلك أصبحت بلادنا من أقوى دول غرب إفريقيا عسكريا ، كما أكد ذلك عبد جوف الرئيس السنغالي السابق في مذكراته حيث يقول : (لقد زود صدام حسين موريتانيا بصواريخ قادرة على تدمير سينلوي وداكار وكانت ستطلق عندما تتحرك السنغال؛ وقد نقل معلومات الدعم العراقي لموريتانيا السفير ماصمبا ساري نقلا عن سفير العراق في باريس.
هذا الأخير قال في لقاء في العاصمة الفرنسية باريس إنه يأسف لما وصلت إليه العلاقات بين البلدين الشقيقين، لكنه أردف أنه في حالة وصول الموقف إلى حرب فإن العراق ستقف في صف موريتانيا، وبرر ذلك بكون موريتانيا تشكل جزءا من الأمة العربية ).
ومع أن هذه المواقف النبيلة تمليها مبادئ حزب البعث بصفة عامة فإن البعثيين في موريتانيا رغم التنكيل بهم والزج بهم في المعتقلات من طرف معاوية وجهاز أمن الدولة الذي يقوده داداهي فإنهم حرصوا على أن يوصلوا للقيادة العراقية رسالة قوية مفادها أن موريتانيا في خطر كثغر للأمة العربية قد يتم ابتلاعه .
حينها كان الرفيق دفالى ولد الشين عضو مكتب المغرب العربي بالقيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي يلتقي يوميا بأعضاء القيادة القومية ويحثهم على الإسراع في الوقوف مع موريتانيا في محنتها.
كذلك فإن اتحاد الطلبة والمتدربين الموريتانيين في العراق المحسوب أنذاك على البعثيين قد نظم العديد من الأنشطة الداعمة للحكومة الموريتانية مع أنه كان معارضا لولد الطائع قبل هذه الفترة، وكتعبير عن ذلك قمت أنا والرفيق محمدو ولد سيدي الرئيس الحالي لمنتدى الفاعلين غير الحكوميين بتسليم رسالة مساندة لوزير الخارجية أنذاك الشيخ سيد أحمد ولد باب موجهة إلى الحكومة الموريتانية.
وفي تلك الفترة نظم العراق مؤتمرا للطلبة والشباب العالمي واستطعنا إقناع رئيس اتحاد طلبة العراق الدكتور أنور مولود ذيبان الذي سيكون سفيرا لبلاده في موريتانيا فيما بعد أن يسمح لنا بإلقاء كلمة حول الوضع في موريتانيا وأن يساندنا في موقفنا ،وقد فعل ذلك ، وفي ختام كلمتنا في ذلك المؤتمر العالمي الكبير علق قائلا ” نحن سنقف مع موريتانيا، بلغوا تحياتنا لأهلنا في موريتانيا “.