الراية تنشر دروسا للمفتش ولد الرباني إعانة للسوادس أدبية (الدرس الأول / الأدب )
الدرس الأول من الأدب:
مقدمة عن الفن السردي
أولا- توطئة
تعد الفنون السردية من أبرز وأهم فنون النثر الأدبي في العصر الحديث، ولم تكن معروفة كفنون أدبية في الأدب العربي القديم؛ وإن كنا نجد لها بعض الجذور في قصص أيام العرب وأخبارهم، وفي مناسبات بعض الأمثال، وكذلك الاستطرادات الشعرية في القصائد المطولة، وعندما ظهر الإسلام نزل القرآن بأحسن القصص، ثم تكوّنت علي هامش القرآن و تفسيره قصص و حكايات كقصص الأنبياء، وقد تطورت القصة في العصر العباسي تطوراً ملحوظاً، إذ بدأت طائفة كبيرة من الكتاب ينقلون القصص الأعجمية إلي العربية، ومن أشهرها «كليلة و دمنة» لعبدالله بن المقفّع حيث فتح باباً جديداً في الأدب القصصي العربي، وتضمن كتاب «البخلاء» للجاحظ، قصصا صوّر فيها أخلاق وحياة البخلاء، وتعد المقامات أقرب الأنواع القصصية في الأدب العربي إلي القصة الفنية الجديدة، و اعتبرها بعض المستشرقين أول مظهر للقصة العربية، ثم تلتها رسائل أوغلت في الخيال كالتوابع و الزوابع لابن شهيد الأندلسي، و هي قصة خيالية موضوعها لقاءات مع شياطين الشعراء، وكرسالة الغفران لأبي العلاء المعري، و هي قصة خيالية موضوعها سفر خيالي إلي الجنة و الجحيم، لقي فيه أبو العلاء شعراء الجنة و الجحيم، وكرسالة حي ابن يقظان لابن الطفيل الأندلسي.
ثانيا- تطور القصة العربية الحديثة:
كانت الفترة ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعد احتكاك الشرق والغرب إثر حملة نابليون فترة التمهيد للقصة الفنية الحديثة، وقد مرت في تشكلها بالأطوار التالية:
ا_ مرحلة تقليد المقامات: مع تطويع موضوعاتها لروح العصر، ومن كتاب هذه المرحلة أحمد فارس الشدياق في كتابه “الساق على الساق” ومحمد المويلحى فى كتابه “حديث عيسي ابن هشام”.
ب_ مرحلة الترجمة: وهي مرحلة التقليد الذي يسبق الابتكار، وقد مرت بمرحلتين:
-في الأولى لم تكن وفية للأصل، بل كانت بتصرف كبير وذلك كترجمة رفاعة الطهطاوى “مغامرات تيلماك” وكترجمة حافظ إبراهيم لكتاب “البؤساء”.
– أما المرحلة الثانية فتميزت بالدقة والوفاء للنص الأصلي مع جمال في اللغة ومن رواد هذه المرحلة أحمد حسن الزيات وإبراهيم عبد القادر المازنى وطه حسين….
ج_ مرحلة الابتكار وقد مرت بمرحلتين:
• القصة التاريخية: وهي قصص تستمد مواضيعها من التاريخ مع توظيف لهذا التاريخ في تشخيص الوقائع واستشراف المستقبل ومن أهم كتاب القصة التاريخية جورج زيدان.
• مرحلة القصة الاجتماعية: وهي المرحلة التي انصبت فيها القصة على هموم المجتمع وقضاياه، وتعد رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل التي نشرها 1914م البداية الأولى لهذا الاتجاه، ثم تلتها روايات محمود تيمور والمازنى وطه حسين وتوفيق الحكيم. ومع نجيب محفوظ أخذ الجنس القصصي الحديث يكمل ويتماسك وتسللت إلى مختلف بقاع الوطن العربي معانقة مشاكل المجتمع بشتى تجلياته ثم ظهر بعد ذلك جيل آخر من الروائيين العرب، سمي بالحداثيين، خرجوا على رؤية الرواية التقليدية وتقنياتها. مثل: صنع الله إبراهيم وحنا مينا وجمال الغيطاني وإدوارد الخراط والطيب صالح وغيرهم وعلى أيديهم ظهرت رؤية روائية تحمل اتجاهات معاصرة وحداثية مختلفة، تجاوزت بالخطاب الروائي المفاهيم التقليدية حول الرواية في عصورها الكلاسيكية والرومانسية والواقعية الجديدة؛ وتداخلت أساليبها مع تداخلات العالم الخيالي والصوفي والواقعي والتاريخي، مما جعلها، سواء في حبكتها أو شخوصها، أكثر تعقيدا وأعمق تركيبا.
أما في بلادنا فقد ظهرت أول رواية حقيقة بهذا الوصف تحت عنوان” الأسماء المتغيرة” سنة(1981م) للكاتب والشاعر أحمدو ولد عبد القادر، وكانت الرواية أقرب إلى الدراما التاريخية؛ في محاولة لإضاءة فترة هامة وتحولية من تاريخ المجتمع الموريتاني، فترة دخول الاستعمار الفرنسي، وملحمة المقاومة الوطنية، والعبودية في المجتمع، وتاريخ الحركات السياسية، ونشوء الدولة الوطنية.. بعد ذلك ظهرت رواية “القبر المجهول”ـ 1984 لكاتب الأسماء المتغيرة، ثم رواية “أحمد الوادي” للكاتب الشيخ ماء العينين اشبيه،1987، ثم روايات الكاتب موسى ولد أبن “الحب المستحيل” و”مدينة الرياح” منتصف التسعينات.
ثالثا- تعريف القصة
هي مجموعة أحداث متسلسلة مرتبة ترتيبا منطقيا، تجري لأشخاص مختلفين في بيئة معينة، وتنتهي إلى نتيجة طبيعية لهذه الأحداث، أو هي قطعة نثرية، ذات موضوع محدد، تسير لحظة معينة ضمن شخصيات تتحرك في بيئة معروفة، وتسير بعد عقدتها نحو الانفراج بواسطة، وتنتهي إلى لهدف الذي كتبت من أجله. أو هي سرد واقعي أو خيالي لأفعال قد يكون نثرا أو شعرا يقصد به إثارة الاهتمام والإمتاع أو تثقيف السامعين أو القراء
رابعا- أنواع القصة
تنقسم الفن السردي من حيث الطول والقصر إلى أنواع أهمها:
أ- الأقصوصة: هي قصة قصيرة تمتاز بصغر الحجم والاقتصار على ناحية من حياة البطل كما تمتاز بقلة الشخصيات وعدم الاستطراد ومع ذلك يأتي الموضوع ناضجا تحليلا ومعالجة.
ب- القصة: وهي قصة متوسطة الطول تتسع للتحليل وتقبل الاستطراد، وتتعدد فيها الشخوص إلا أنها أقصر من الرواية.
ت- الرواية: هي أكبر أنواع القصة لتنوع أحداثها وتشعبها إلى مجموعات قصصية، تعالج مواضيع وثيقة الصلة بمجتمع ما، ويرى بعض النقاد أنها لا ينبغي أن تقل من حيث الشكل عن 50 ألف كلمة وقد تتجاوز المليون، ولعل من أحسن تعاريف الرواية ما ذكره جمال اشحيد من أنها: “رؤية للعالم والحياة من خلال مجموعة من الأحداث تمتد في فسحة مكانية واسعة، ومجموعة من الأشخاص يتحركون في الزمان، ويعيشون زمنا خاصا بهم، وهي خلق واقع جديد قد يحاذي الواقع، وقد يبتعد عنه، إلا أنه ليس نسخة منه على أي حال”.
خامسا: عناصر القصة الفنية:
يستلزم الفن السردي عناصر فنية هي
1- الفكرة أو المغزى: هو الموضوع الذي يعالجه القاص ليعبر عنه بواسطة الشخصيات، وهذ الهدف قد يكون وطنيا أو سياسيا أو اجتماعيا وقد يكون فكريا فلسفيا وتبعا لطبيعة المغزى يتحدد نوع القصة فإذا كانت تحليلا لواقع اجتماعي ونقدا له، كانت القصة اجتماعية كقصة زينب {أول قصة عربية لمحمد حسين هيكل كتبها سنة 1914م, وإذا كان الموضوع تاريخيا ،كانت القصة تاريخية،كقصص جورج زيدان، وإذا كان الموضوع متعمقا فى التحليل النفسى للسلوك البشرى كانت القصة نفسية مثل قصة “سارة” للعقاد.
2- البيئة: وهي الإطار الزمني والمكاني والظروف المحيطة بالأحداث، وتظهر أهمية البيئة في إيهام القارئ بواقع ما يجرى مما يولد لذة لديه في المتابعة كذالك تسهم البيئة في تحقيق وحدة القصة وإظهار البعد الإنساني فيها، وقد يستغرق الزمن أجيالا كقصة الكوميدية البشرية لبلزاك وقد يكون الزمن عمر البطل كرواية الأسماء المتغيرة لأحمد ولد عبد القادر، وقد يكون الزمن قصيرا كقصة ستة أيام لحليم بركات الفلسطينى، أما المكان فقد يقتصر على رقعة ضيقة وقد يتسع لمناطق متعددة، وقد نحا الواقعيون نحو الأماكن الكثيرة المشاكل {الحانات _المكاتب _المحاكم _الأوكار} في الوقت الذي كانت فيه القصص الخيالة تركز على القصور والصوامع والحصون والبحار.
3- الأشخاص: هم الأفراد المرتبطون بالأحداث المتفاعلون معها ويكون عددهم تبعا لنوع القصة، فإذا كانت اجتماعية يكثر فيها الشخوص ويتباينون طبقيا ونفسيا وثقافيا فيحتدم الصراع ويثمر، أما في القصة النفسية فيقل عدد الشخوص، ليتمكن الكاتب من التعمق في التحليل.
4- الأسلوب: هو وسيلة نقل الأحداث من الكاتب إلى القارئ و ينبغي أن يكون واضحا سهلا متلونا بالمواقف المعبر عنها فيقوى في حالة الغضب والانفعال، ويلين في أوقات الفرح والهدوء, ولكل كاتب وسائله التعبيرية، فمن الكتاب من يعتني برشاقة الأسلوب وسلاسته وجمال العبارة أكثر مما يعتني بالبناء الفني كطه حسين في الأيام، ومنهم من يعتمد على البناء الفني مستعينا بالقريب من الألفاظ وأحيانا يدمج العامي كمحمود تيمور، ومنهم من يعتدل مستخدما لغة وسطى لا تسمو سموا ينأى بها عن الواقع ولا تسف إسفافا يهبط بها إلى السوقية والابتذال كنجيب محفوظ.
5- وسائل القص الفني: نعني بها الأسس الفنية التي يرتكز عليها الكاتب في إبداع القصة:
أ_السرد: ويعنى طريقة تتابع الأحداث والربط بينها، فالسرد إذا هو أحداث القصة وقد اتخذت صورة الكلمات، وكثيرا ما يكون بضمير الغائب إلا في القصة الذاتية.
ب_التحميض: هو الحبكة الفنية التي تربط الأحداث في القصة من البداية إلى التأزم ثم الحل، وإذا كانت الأحداث متما سكة قوية الترابط قلنا إن القصة محكمة الحبك.
ج_التأزم أو العقدة: إن اشتباك خيط الأحداث الرئيسية مع الخيوط الثانوية والمكونة من أحداث تمهد لما بعدها وهي نتيجة لما قبلها، يولد عقودا ثانوية حتى إذا بلغ التأزم ذروته وأصبح القارئ يتلهف لمعرفة ما سيحدث كنا أمام العقدة أو التأزم، ووظيفة التأزم لفت انتباه القارئ لمتابعة العمل القصصي ويعمد الكاتب إلى المماطلة بالحيل القصصية كالاستطراد لتأخير الحل وتسمى تلك المماطلة تشويقا.
د- الحوار: هو ما يجرى بين الأشخاص ويتلون بتلون الشخصيات وأدوارها، والحوار المعبر الرشيق من أسباب حيوية السرد وتدفقه، ويلزم القاص أن يلائم بين طبيعة الشخصية وما تنطق به من حوار.
6- نمط البناء القصصى وهي ثلاثة أنواع أساسية:
_ الانطلاق من النهاية ثم العودة إلى البداية والاستمرار حتى النهاية ويسمى هذا النوع الهرم المعكوس، ويكثر فى القصص البوليسية والسير الذاتية.
_ الانطلاق من الوسط ثم العودة إلى البداية والاستمرار حتى النهاية وهو نمط قليل.
-الانطلاق من البداية ثم تتسلسل الأحداث حتى النهاية.
المفتش محمدن ولد الرباني