أقلام

نماذج حية من الإسهامات الشقروية في الثقافة الشنقيطية /محمد محفوظ الحارث

 

تعتبر الثقافة ثمار التحصيل العلمي والتبادل المعرفي بين الشعوب والأمم، وهي ضرورة الضروريات في النهوض بالمجتمع والرقي به وإخراجه من دائرة الجهل والتخلف، وقد استعمل العرب مادة “ثقف” في عدة معانٍ ، منها ما هو معنوي ، مثل: الحذق، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلم، وضبط المعرفة، ومنها ما هو حسي، مثل: تقويم الشيء المعوج، والتسوية، والظفر بالشيء والحصول عليه، أما عند الغرب فقد كانت دلالة الأصل اللاتيني لكلمة الثقافة مقصورة على تنمية الأرض ومحصولاتها، وفي أوائل العصور الحديثة بدأت الكلمة تستعمل بمدلوليها المادي الحسي والمعنوي العقلي،وقد عرفها الغربيون تعريفات مختلفة، نأخذ منهم على سبيل المثال تعريف (هنري لاوست ) الذي يعرفها بقوله:(إن الثقافة هي مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون فيها مبدأ خلقي لأمة ما ، ويؤمن أصحابها بصحتها وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تمتاز عن سواها)،وبما أن لكل أمة ثقافتها الخاصة بها فإن الثقافة الإسلامية كما يرى الدكتور على بن حسن علي القرني هي:(علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها)،وقد ساهم الشناقطة إسهاما بالغ الأهمية ـ كما العرب والمسلمون ـ في تشكل وبناء الثقافة الإسلامية، حيث تولى أجدادنا الشناقطة– رغم البداوة – مهمة التدوين، وتأسيس البنية الثقافية، وعليها شيدوا صرح الثقافةالشنقيطية الإسلامية العالمة، وقد لا نبالغ إذا قلت بأن أجدادنا أعادوا صيغة إنتاجية للعلم، شاركت في ذلك مختلفة القبائل الموريتانية، خصوصا الزاوية منها.

وقد كان للشقرويين دور كبير وإسهام كثير لايستهان به ولا يمكن إغفاله في تشكل تلك البنية الثقافيةالشنقيطية، وهم أي ـ الشقرويون ـ إحدى القبائل الزاوية الضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا، وينتسبون إلى الحاج عبد الرحمن الشقروي بن الشريف أبي بزول (محمد بن يحي القلقمي)، ومن من كلمة (الشقروي)جاءتتسمية القبيلة بــ(إداشغرة) بلغة صنهاجة لسان ساكنة البلد في ذلك العهد(القرن الثامن)،وقد ساهموا في إنتاج ونشر الثقافة الشنقيطية بمحاظرهم المتعددة، ومؤلفاتهم المختلفة، وسأركز هنا على المؤلفات، وأورد نماذج منها فقط، وذلك الاستحالة إيرادها جميعا في مقال كهذا من جهة، وصعوبة جمعها وجردها من جهة أخرى، نظرا لكثرتها وتطايرها بين رفوف المكتبات الشقروية وغير الشقروية بل والعالمية،وقد ركزت أساسا على المؤلفات التي شاركت في تشكل وبناء الثقافة الشنقيطة،وإن أوردت مؤلفات لآخرين قضو نحبهم في عهد قريب نسبيا، وهذا يعني أنني لم أورد مؤلفات العلماء والباحثين الذي لازالوا أحياءا يرزقون، نسأل الله أن يطيل أعمارهم،ويزيد في عطائهم العلمي الزاخر، وهذه النماذج ليست سوى أمثلة قليلة جدا تعكس نوعية وطبيعة وأهمية الإسهاماتالشقروية في الثقافة الشنقيطة، وقد رتبتها حسب فروع ومكونات الثقافة الإسلامية، والتي أولها العقيدة :

العقيدة : لأنها محور الإيمان وحقيقته ألف فيها الشقرويون عدة مؤلفات منها : كتابا العلامة حبيب الله بن الأمين بن الحاج (1193هــ 1264هـ): (الهبة الجزيلة في شرح الوسيلة)، شرح به وسلية ابن بونه في التوحيد، وكتاب(البرهان في الإجماعيات) وهو نظم أورد فيه كل ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من عقائد وشرائع؛ وقد شرحه العلامة الحارث بن محنض بن سيدي عبد الله.

وألف فيها العلامة الحارث بن محنض بن سِيدِي عبدالله (1242 ــ 1319ه) عدة كتب هي :(شرح أم البراهين للسنوسي)، و(شرح قصيدة على الأجوري في علم الكلام)،و(رسائل في المعية بالذات)،فند فيها حجج القائلين بالمعية بالذات، و(شرح البرهان في الإجماعيات) لخاله حبيب الله الأمين المتقدم ذكره.

كما ألف فيها العلامة أحمدُ بن محمد محمود بن فتى الملقب-اباه- (1298-1390ه)عدة مؤلفات هي: (تأليف في إبطال المعية بالذات)، و(تأليف في التحذير من البدع)، و(نظم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

أما الشيخ محمدو بن الغزالي (1277ه ــ 1358ه) فله فيها : (تأليف في تأويل المعية بالعلم)،و(نظم أسماء الله الحسنى)، و(السيف الصارم في تجريم البدعي الجارم)، و(عدة منظومات تعليمية في التصوف).

وفيها ألف الشيخ فتى بن فال الحسن (1197 ه ـ 1288ه): (نظم في التوحيد)، و(نظم في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم).

أما علامة عصره الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن فتى(1345ــ 1408هـ) ففيها ألف :)معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون)؛ و(فتح المبين في الدفاع عن عقائد المؤمنين)،وهو كتاب من جزأين نشره الشيخ باباه بن الأفضل حفظه الله ورعاه، وكتاب (الصراط المستقيم)، و(السنة المظلومة باسم البدعة المزعومة)،و(الاستقامة الكاملة)…

وألف فيها الشيخ عبد الله ولد محمدن ولد عبد الله ولدبكيا(1345 ـــ 1425ه) (النور الأسطع في الرد على أهل البدع)، و(الرد على أهل الاعتقادات الفاسدة).

وقد ساهمت الزوايا الصوفية الشقروية إسهاما منقطع النظير وبالغ التأثير في نشر العقيدة وتطبيقها ذكرا باللسان وفعلا في واقع الإنسان، خصوصا زاوية الشيخ أحمد بن سيد آمين ـ طيب الله ثراه ـ التي لازال عطاؤها مستمرا ومثمرا للغاية.

التفسير: لقد سادت في القطر الشنقيطي في القرون :13 و14 و15 الهجري نظرة تعظيم للقرآن والحديث حصرت وظيفتهما في التبرك فقط، أما تأويل القرآن فلا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وقد منعت هذه النظرة كثيرا من العلماء الشناقطة من التأليف في تفسير القرآن، و مع ذلك يطالعنا كتاب (مفتاح التفسير) للشيخأحمدو بن الشيخ محمد عبد الرحمن المذكور آنفا وهو كتاب نفيس في موضوعه .

الفقه: مجال المعاملات والعبادات وما يقع بين اثنين، سالت فيه أقلام العلماء الشقرويين ولاغرو، فقد ألف فيه الشيخ حبيب الله بن الأمين: عدة رسائل فقهية،أما العلامة الحارث بن محنض فألف فيه جملة كتب: (شرح قصيدة الحرام لخاله حببيب الله)، و(رسالة في القول بعدم طعمية العلك) رد بها على شيخه العلامة مخنض باب بن اعبيد الديماني، و(فتاوى متعددة) حققها الأستاذ عبد الرحمن ولد أحمدو ولد محنض رحمه الله، قدم لها الدكتور أحمد ولد حبيب الله، رئيس وحدة المنارة للدراسات والبحوث والتوثيق التابعة لقسم اللغة العربية بجامعة نواكشوط، وقد نشرت الفتاوى الوحدة المذكورة، وللعلامة أحمدُ بن محمد محمود: (مجموعة رسائل وفتاوى في مجالات متعددة)،أما الشيخ محمدو الغزالي فألف فيه كتاب(شرح السفر من مختصر خليل بن إسحاق المالكي)،وألف الشيخ أحمدو بن محمد عبد الرحمن) :نظم مختصر خليل) ، و(مداخل التحريم في دوائر التعليم)، أما الشيخ عبد الله ولد محمدن ولد عبد الله ولدبكيا فله في هذا الباب مؤلفان هما: (نظم في التركة)، و(نظم المختصر في الفقه المالكي للشيخ خليل ابن إسحاق)، كما ألف الشيخ الوالد الحارث (أخي) (1318ـ 1409هـ)، كتاب : (حكم صلاة الجمعة في موريتانيا والسنغال).

وقد تناغم التيار الصوفي الشقروي بهدوئه، وسنيته ومالكيته، مع المكون الفقهي لترتسم لوحة ثقافية شنقيطيةشقروية خالصة.

اللغة: لأن موريتانيا بلد المليون شاعر فسيكون من نافلة القول أن العلماء المبرزون والشعراء الشقرويونالشناقطة المميزون، أصدروا على مر الدهور والقرون عشرات الدواوين التي تضمنت آلاف القصائد الأدبية في مختلف الأغراض الشعرية،نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:الشاعر محمد ولد ابن ولد حميدا(1315ـ 1363ه) ، والشاعر محمد سالم ولد زين (1290 ــــ 1359)، أما المؤلفات فنذكر منها للعلامة الحارث بن محنض: (شرح ديوان الشعراء الستة الجاهليين)، قال عنه أحمد بن الأمين في كتابه الوسيط:” كتاب لم يتقدم مثله لغيره”، وهو ستة أجزاء كل قصيدة جزء، وقد حقق الجزء الأول منه الأخ الأستاذ الشيخ ولد الحارث خلال السنة الدراسية 2002/2003 في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، كما حقق الدكتور التقي والد الشيخ جزآن منه، لنيل درجة الدكتورة في جامعة محمد الخامس بالرباط، وقد قام بجمعه مشكورا في جزء واحد الأستاذ والمؤلف والباحث محمد المختار ولد ابن، (شرح ديوان ذي الرمة غيلان)، و(شرح مرجانية مولود بن احمد الجواد اليعقوبي الموفى 12433ه) وهو علامة عصره وعالم دهره، و(شرح المقصور والممدود الابن مالك)، و(شرح اختصار المواهب الابن حبت) ، أما الشيخ محمدو بن الغزالي فله في هذا الباب: (شرح ميمية حميد بن ثور)،و(عقل الشوارد على شرح الشواهد) ، خرج فيه جميع شواهد طرة ابن بون.

التاريخ : بما أن الثقافة الشنقيطية هي ثقافة إسلامية ـ كما بينت آنفا ـ فإن التاريخ الذي تهتم به هو بطبيعة الحال التاريخ الإسلامي، وعلى ذلك الأساس كانت جهود العلماء الشقرويين في كتابة التاريخ، نظرا لأن المصادر التاريخية المتوفرة هي إسلامية صرفا، إلا من كان أوسع إطلاعا وأكثر تعمقا في البحث وأكثر ثقافة، كما هو حال العلامة: الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن فتى، الذي ألف في التاريخ الشيوعي والنظم الاقتصادية كما في كتابه:(التاريخ الشيوعي والنظم الاقتصادية)، وهو يكاد يكون استثناءا في الكتابة التاريخية الإسلامية الشنقيطية، أما بقية العلماء الآخرين فكانت كتاباتهم في التاريخ ـ حسب اطلاع المحدود ـ كتابة إسلامية بامتياز، مثل العلامة الحارث بن محنض الذي ألف كتاب (السيرة النبوية)، والشيخ العالم المؤرخ أحمدوبن سيد آمين (آدو)الذي ألف كتاب (نقلة في نسب الشقرويين)، وهو كتاب ثمين يستعرض تاريخ الزوايا عموماوالشقريون خصوصا في هذه البلاد، والشيخ محمدو بن الغزالي الذي ألف مؤلفان في التاريخ الإسلامي هما: كتاب(الصحابة)، و(تأليف في أهل بدر) حققه حفيده الزميل العزيز والدكتور المتميز يحي بن محمدو يسلم الغزالي، خلال السنة الدراسية 2004/2005 في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، أما الشيخ عبد الله ولد محمدن ولد بكيا،فقد ألف كتاب: ( نظم المهاجرين إلى الحبشة والمدينة)، وهو نظم رائع لعالم مقتدر وقد شرحته جدته مريم السالمة بنت أحمد بن محنض (1309 ـ 1391ه)، وهي امرأة عابدة تقية عرفت بدرايتها بالسيرة النبوية تعد أستاذة المؤلف فيها، بل وفي غيرها من العلوم، اعتبرت نموجا في مجال التعليم في زمانها وذلك بعد أن شكلت محظرة نسائية ورجالية، وقد تم تحقيقه هذا الكتاب خلال السنة الدراسية 2008/2009 ، لنيل شهادة المتريز في قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، في جامعة نواكشوط، من طرف عبيد ربه كاتب هذا المقال.

ورغم اعترافي بعجزي في استحالة إحاطتي بكافة المؤلفات الشقروية التي شكلت إضافة بنيوية ونوعية فيالثقافة الشنقيطية، إلا أنه انطلاقا من المقولة المشهورة “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، حاولت ـ تثمينا لجهود الآباء وإشادة بها ـ أن أورد بشيء من التفصيل ما أرجوا أن أكون وفقت فيه، ألا وهو بعض الـ (نماذج الحية من الإسهامات الشقروية في الثقافة الشنقيطية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى