الأخبار

في ذكرى المحرقة إيرا تصدر بيانا(نص البيان)

 

 

 

أي معنى لحرق كتب العار؟

تذكرة للغافلين

في يوم 27 ابريل 2012 عمدت أنا بيرام الداه اعبيد، وقلة من رفاق الكفاح، على الحرق العلني، في العاصمة نواكشوط، لكنانيش يُزعم أنها “قانون للمسلمين” يشرع وينظم، في كل التفاصيل، قواعد عمل المؤسسة الاسترقاقية. وبفضل العلنية الرمزية المهيبة لذلك “الاعتداء”، فإن الفعلة، الساعية في جوهرها إلى الدفاع عن كرامة البشر، تنحو إلى رفع الضيم السحيق عن العديد من ذراري المُرَهّبين.

الرهان

هذه الآداب، المبصومة في الآن نفسه بالتقوى الانتقائية والعنصرية، تفسر، عبر القرون، كيف نتمتع بعمل إنسان موروث أو مُشترَى، كيف نتوارثه، كيف نبيعه، وكيف نستغل جنسيا النساء المكتسبات في وضع شبيه.

ما تزال هذه الكتيّبات، التي ينقلها جيل من المتسلطين-المحتالين لجيل لاحق، تصُوغ التكوين القانوني للقضاة وأعوان القضاء والدرك والشرطة وموظفي الإدارة الإقليمية. هذا الكناش، المستنسخ إلى ما لا نهاية، يوطد أيديولوجية التفوق العرقي، مستندا على درع المرجعية الاسلامية المقدسة.

في سنة 2018، ما تزال الدولة الموريتانية تجيز وتدعم ترقية هذا النثر الآثم خلال دورات التكوين المخصصة لبعض وكلائها. وتواصل المؤسسات التعليمية، ذات الطابع الديني، تلقين آلاف الشباب قيّم عدم المساواة القائم على الأصل، فتنتهك بذلك روح ونص القرءان الكريم.

فور القيام، يوم 27 ابريل، بتلك الفعلة المخربة للمنظومة، غير المسبوقة في تاريخ موريتانيا، بدأ الحراك المحافظ، القابض على الامتيازات والمنشأ الهرمي، باسكات تناقضاته لفرض إعدام المخالفين. كان التفكير والدعوة للقتل يُدَوّيان في المساجد والمدارس الدينية والشارع وحتى داخل المباني الحكومية.

مجتمع البيظان، القاسي بشكل خاص، عبّأ نفسه، قافزا على تمفصلاته وتنافراته القبيلة و السياسية، في مظاهرات شبه عفوية، وهو على يقين من حتمية القضاء على المارقين. كل الحجج، المؤرشفة مسبقا، تفرض تلقين درس مثالي لـ”أعداء العقيدة” من “حفاري قبور التعاليم السماوية” التي يستحيل الاحتجاج على طابعها الثابت تحت طائلة التسريع بالنفخ في الصور. ويوجد، حتى من بين الرسميين، من يعلن أن كتب الدجل هذه تشكل جزءا لا يتجزأ من الشريعة، وأنها، بالتالي، أعلى درجة من مواثيق القانون الدولي المصادق عليها كما ينبغي.

النتائج

كان لابد من توجيه ضربة لتماسك الأيديولوجية القائمة على الجوهر، وزعزعتها في منبتها الأصلي، ومنع إنجابها من داخل مصدر ضلالها. وهو ما قيم به، في وضح النهار، أمام مئات الشهود العيان بُعيد الخروج من صلاة الجمعة. لقد قمنا بما قمنا به بوصفنا مسلمين لا شك، لكن أيضا بإملاء من انتمائنا للجنس البشري. من ذلك الحين لم يزل التشظي داخل نظام الهيمنة يتسع ليصبح فوهة مفزعة عاجزة عن الرد أمام تصميم الانعتاقيين على مضاعفة الانقضاض على عمق الرحم حيث تنمو العبودية كمعيار ومخيال اجتماعي. أما اليوم فإن خنوع المنبوذين والفئات الدنيا التي تغيرت جرأتها أسفر عن منجزات. فخديعة التلاعب بالدين أفسحت الطريق، وقطب الهيمنة لم يعد يدخل إلا معركة خنادق –خاسرة مسبقا- عندما يصر على الدفاع عن حرمته بالانكار والزيف والمراوغة. لا يهم الوقت الذي يبذله الظالم قبل الوعي بهزيمته، فالحراطين وباقي السود الموريتانيين و لمعلمين تحرروا من قبضته النفسية.  وقد تعلموا كم أن تسمية “الجمهورية الاسلامية” والشعارات المنبثقة عنها تعمل على ربطهم بشعوذة متعددة الأبعاد. إن صناعة الكذب، الآخذة في الانتكاس، تمنع الموريتانيين من أصول جنوب-صحراوية وطبقاة منبوذة فرزها المجتع من حقهم الطبيعي، وتهمشهم من مشروع البناء الوطني، وتبقيهم في وضع المشاهد، مقصيين من المنافع الاقتصادية، مجوّعين منذ الأزل، غير متعلمين، وتابعين سرمدا. إنهم يهجرون، من الآن فصاعدا، منطقة الصفوف الخلفية ويطالبون بنصيبهم من المواطنة العملية، بعيدا عن المعتقد المُهَدّئ حول الأخوة بين أتباع الدين. بالأمس تم الازدراء بنا وجرحنا بحجة دينية واهية، واليوم يحاولون بنفس الآليات تنويم طموحاتنا للإنصاف والاحترام والتقاسم وانتهاء نظام الميز العنصري المحكم بين الفيئات و الاعراق.  

هناك انتصار آخر يجب التحقق منه بخصوص العدد المتنامي للبيظان الموجودين حاليا في حالة مواجهة مشكوك فيها حول جدوى التراتبية التي نحتتها طبقية التمييز. إن مجهودهم، الذي تثمنه الندرة، يعزز فرضية الحل الهادئ للخلاف.

لا يمكنني أن اختم هذه الرسالة قنل ان ارحب بزميلاتي و زملائي المدافعين عن حقوق  الانسان من الافارقة و غيرهم وهم المجتمعين هذه الايام في نواكشوط في نطاق الدورة 62 للجنة الافريقية لحقوق الانسان و الشعوب فها نحن نتطلع لشهاداتكم انتم المنتمون لهذه الهيئة الموقرة و اللذين راقبتم لعدة عقود استمرار العبوديه بالولادة و محاولات الإبادة الأثنية و الإضطهاد الممنهج ضد سكان اصليين من أصول إفريقية فالآن اخاطبكم لأقول لكم حان الوقت للتنديد بالابارتايد الغير مكتوب القائم في موريتانيا

الآفاق

إنها الذكرى التي نخلدها يوم 27 ابريل 2018 موقنين بعدالتها ومصرين على الدفع بحدود المصلحة السلمية من أجل موريتانيا المبنية على الحداثة والانفتاح على العالم بعيدا عن سراب التطرف وكره الآخر وازدراء الحقوق العالمية للبشر.

دون مساواة، لن نعيش في سلام أبدا، وستظل تتهددنا الإبادة الجماعية، الممكنة، للأسف، من الطرفين.

27 إبريل 2018

باريس، فرنسا 

بيرام الداه اعبيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى