الوزير السابق محمد جبريل يكتب: سجون نظام الرموز

عدتُ قبل قليل من سجن الرياض، كنت في زيارة للأخ معالي الوزير سيدنا عالي ولد محمد خونه، رئيس الحزب.
– عند وصولي السجن كان أغلب المنتظرين من المواطنين المستضعفين أو أنصار الرئيس محمد ولد عبد العزيز والمقربين منه. لاحظت ذلك وأنا أتصفح تقرير محكمة الحسابات وأحاول الربط بين عدد الفيلاهات الموريتانية في لاس بالماس وعدد المليارات المفقودة من مال الشعب، فقلت في نفسي إن سجون عدالة الأرض في هذه العهدة تشبه إلى حد كبير سجون فرعون الأول. ثم باشرت إجراءات الدخول.
– بعد انتهاء إجراءات الدخول، رافقني الحرسي إلى قاعة المقابلات ثم أشار إلي بالجلوس في ركنها الأقصى، في انتظار استدعاء معالي الوزير، رئيس الحزب السجين. كنت أطل على كل الجلسات الثنائية، الجميع كان منهمكا في الكلام. الأسئلة التي دارت في ذهني هذه المرة كانت كلها مرتبطة بنسبة التمدرس، ونسبة انتشاره في بعض فئات المجتمع وعلاقة ذلك بسكون السجن. تذكرت الرئيس بيرام وشيطنة مدوني وزير الداخلية له، ثم تذكرت جلسة عمل جمعتني مع الوزير الأول يحيى ولد حدمين أيام كنت مديرًا للديوان بالوزارة الأولى.
– كنا نستعد للقاء أحد المبعوثين الأمميين. ذاك اليوم كنت أحمل معي ملخصا كنت قد أنجزته بأمر من معالي الوزير الأول حول تقدم العمل في الـ29 نقطة المكوّنة لخارطة الطريق التي كنا نعمل عليها مع بعض الهيئات الأممية. كنت جاهزًا لإحاطة الوزير الأول قبل اللقاء، ولكن ما إن دخلت عليه للتحضير حتى بادر بسؤالي: هل تعرف من يكون هذا المبعوث؟ تفاجأت من السؤال وبدأت أعطيه المعلومات الرسمية عن المبعوث، وكنت أعرف أنها بحوزته، إنه يتقن ملفاته.. قال لي: لا، لا أعني ذلك!! وأضاف، هذا هو من كتب التقرير الذي انتقد فيه سياسة بلدنا بشدة، واصفًا المدارس التي تشيدها وكالة التضامن في الأرياف وفي آدواب بـ “بتاج محل”!!! كان غاضبًا من استهداف بعض المسؤولين الأمميين لموريتانيا آنذاك، وقال لي إن المدرسة هي كل شيء، المدرسة هي أفضل طريقة لإخراج الناس من كل أنماط العبودية ومن ظلمات الجهل والتخلف، لكن بلادنا مستهدفة لأسباب أخرى (يعني مواقف الرئيس محمد ولد عبد العزيز من القضية الفلسطينية)! على كل حال، نحن نعمل من أجل شعبنا ونحن أدرى بمصلحة أبنائنا. سنبني مدارسنا. تذكرت ذلك أثناء محاولتي تفسير بعض الظواهر التي كانت تشكل المشهد المعقد أمامي، وتأكد لي أن العمل أمامنا مازال كثيرًا، وأننا خسرنا الكثير من الوقت في عهدتي نظام الرموز الرجعي الضعيف، خصوصًا بعد تمييعهم للوكالة وصرف أولوياتها عن الأهم. ولا أعرف، هل ينسجم ذلك مع سياسة جديدة للمبعوثين الأمميين الخاصين، لأن سيل زياراتهم لبلادنا قد توقف منذ تلك الفترة!!!
– فجأة أطل معالي الوزير، وما إن أبصرني حتى استبشر وتبسم. تبادلنا التحايا وجلسنا للحديث. كان الرجل صامدا رغم قسوة ظروف السجن وتقدم سنه. كنت أول من أخبره اليوم بأن الاستئناف رفض طعون الدفاع. لم يتفاجأ، يبدو أنه قد استعد لكل الاحتمالات. ابتسمنا لأننا لم نفهم بعد الجرم المعلن الذي بموجبه يوجد في السجن. أما الجرم غير المعلن فهو مواقفه السياسية التي لا تعجب نظام الرموز، ومن المؤكد أننا الاثنين غير معجبين لا بمواقف نظام الرموز ولا بعمله “من باب أنها مكسومة والنص لكبير شور نحن”.
– لاحظت أن الطريقة التي يسير بها إقامته في السجن قاتلة للجلاد. فهو لا ينتظر إطلاق سراحه لذلك سيدمرهم لأنهم استخدموا آخر سلاح ضد رئيس حزب قتل موؤدا ليلة مؤتمر تأسيسه. قتله السفاح قتال الأحزاب. إنها ليست محاولتنا الأولى ولن تكون الأخيرة.
– قُتل حزبنا ليس لذنب معلن ارتكبه أو لشرط نقصه، وإنما لنفس السبب الذي بموجبه قتل حزبنا الأول. هل تتذكرون “الرجل مراوق شرس، ما يلت ينعطاه حزب، وزير الداخلية راكد!!!” كان ذلك جزءا من “عيطة” بين رمزين من رموز المرجعية، يحثون فيها وزير الداخلية على الإقدام على الجريمة وحرمان الرئيس محمد ولد عبد العزيز وجماعته من حزب، الأمر الذي تم تنفيذه مباشرة.
نحن لن نيأس وسنظل نحاول نيل حقوقنا الشرعية بكل جهد وبكل الطرق القانونية.
نحن لن نيأس ولن نتخلى عن شعبنا وعن الدفاع عن ثوابت الوطن والأمة.
نحن لا نخاف السجون التي لا يوجد فيها مفسدون، بل ونطمئن لها لأنها سجون الشرف.
أما السجون المذلة فتلك التي يوجد فيها من أثبتت المفتشية ومحكمة الحسابات تدميرهم لمؤسسات وطنهم وسوء تسييرهم لها، الذين يفضلون شراء الشقق في الخارج على حساب شرفهم وعلى حساب بؤس المواطنين الضعفاء!!!
يدمرون وطنهم بأيديهم وأيدي كل من هب ودب.
يدمرون كل مكتسباته التي تحققت بعد كثير التعب والمشقة غير آبهين بالتحديات الماثلة أمامنا وأمامهم!!
السجون المذلة بها مكيفات وأصحابها يقضون عطلهم على الشواطئ الأوروبية، حمالون للشعارات الفارغة. قد تعجبك أجسامهم ولكن ضمائرهم مريضة وميتة.
الحرب هي حرب كبرى ضد الفساد.
جولة الباطل فيها اوشكت على النهاية !
فابشروا ايها الأحرار، ابشروا !!
النصر قريب وقريب.