مستقبل الشباب وجدلية الاستقطاب! / د.محمد ولد عابدين
الشباب مرتكز الأمة ؛ عماد نهضتها وعنوان تنميتها..بانى حاضرها وصانع مستقبلها ، بدون حماسه وعطائه لايتحقق البناء والتعمير ، وبغير ابتكاره وإبداعه لايتأتى التجديد والتطوير ؛ فالخير كله فى الشباب بما يحمل من قيم الصدق والإخلاص والتضحية ، وماحباه الله من خصائص القدرة والحيوية وطاقة الإنتاج والفعل الديناميكي الخلاق!..إنه أغلى ثروة قومية فى حياة أي مجتمع من المجتمعات.
ويعلمنا التاريخ أن الشباب كان دائما ظهيرا للحق ونصيرا للخير ؛ فهو أول من ناصر الرسل والأنبياء في دعواتهم ، وآزر المصلحين والمجددين فى طروحاتهم ، ولاشك أن هذه المعاني والدلالات وتلك الخصائص والمؤهلات فى تجلياتها الفكرية والثقافية والعلمية والإبداعية ، تستدعى الإعداد الأمثل لهذه الشريحة المحورية من خلال تسليحها بالعلم والمعرفة ، وتحصينها بالوعي والتربية وإشراكها في وضع التصورات والاستراتيجيات التنموية ، والبرامج والرؤى والأجندات المستقبلية لتوجيه طاقاتها وقدراتها نحو البناء والتنمية ، وصرفها عن الانجراف فى مهاوى الغلو والتطرف ، وصدها عن الانحراف فى مزالق الصراع و الفتنة.
إن الشباب مدعو فى هذه المرحلة للمشاركة بقوة فى عملية التغيير المجتمعي ، من خلال الانخراط الفعال فى العمل السياسي الجاد والإنجاز التنموي الواعد ؛ تصورا وتخطيطا وتنفيذا ، لأن البلد بحاجة إلى طموح الشباب المندفع نحو التغيير ، ورغبته الجامحة فى جودة الحكامة وحسن التسيير ؛ فى ظل قيادة عاقدة العزم على تأسيس أسلوب رصين ومنهج متين لبناء دولة وطنية مدنية على أسس ديمقراطية تنموية حضارية جامعة.
وللشباب خصائص ومميزات متفردة ؛ بيولوجية وسيكولوجية وسوسيولوجية ، يعكسها مايتسم به من طاقة إنسانية متوقدة ومتوهجة ؛ حماسة وتضحية وحساسية وجرأة واستقلالية وقلقا ومثالية ، ونزعة وجدانية طاغية نحو تأكيد الذات ، وروحا نقدية ساعية إلى مطابقة الواقع لفكرها المثالي الرافض للضغط والقهر والإذعان ، والمتشوف للتحرر والإشراق والانطلاق مع قدرة فائقة على مواكبة المتغيرات والاستجابة للمستجدات ، واستيعابها والدفاع عنها بقناعة واستماتة ورغبة عارمة فى تغيير الواقع نحو الأفضل والأمثل والأجمل!…
والشباب منهم المتعلمون والمثقفون والفاعلون ، ومنهم الخاملون والقاعدون والتابعون غير المبادرين ، ومع ذلك يشاركون فى الفعل التنموي والمجتمعي ؛ إذا وجدوا قادة ومؤطرين وموجهين بحيوية وفعالية ، ومنهم العمال والموظفون والطلاب والعاطلون ، وهناك شباب المدن والقرويون ؛ وتستدعى تلك التقسيمات والمكونات من صناع القرار وراسمى السياسات بالتعاون مع الخبراء ومراكز الدراسات ، صياغة مقاربات شاملة للبرامج والمشاريع الحكومية الموجهة لتنمية هذه الشريحة الاجتماعية.
ويتعين على الباحثين وأصحاب الشأن والاختصاص رصد وتحديد حاجات الشباب النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ؛ بغية العمل على تلبيتها فى خطط العمل والبرامج الحكومية والاستراتيجيات التنموية المستقبلية.
إن مشاركة الشباب فى الشأن العام وصناعة القرار والتخطيط والاستشراف ، وجهود التنمية والعملية السياسية باتت ضرورة ملحة ؛ فهم المكونة الاجتماعية المهيأة ديموغرافيا وإديولوجيا المتحررة والمنفتحة ، ولاشك أن المؤسسة السياسية أوالحزبية المعتمدة عليهم ؛ ستحرز قصب السبق لاحتضانها للقوة والفتوة وقيم البذل والعطاء والتضحية التى تشكل وقود النجاح فى الساحة ؛ بعيدا عن الترهل الفكري والشيخوخة السياسية والممارسات الرجعية .
لابد من مقاربة حكومية غير تقليدية ، تتغيا وتنطلق من ضرورة مراعاة مختلف الحاجات المستجدة لشباب عصرنا الراهن ؛ عصر القريةالكونية والمد العولمي العابر للحدود والقارات ؛ لإعداده وتأهيله وتسليحه بالعلم والمعرفة ؛ سبيلا إلى بناء وصقل الشخصية الشبابية وإكسابها المهارات والخبرات العلمية والعملية وتنمية مداركها العقلية ، وفقا لمقاربة تربوية تفاعلية غير ميكانيكية تلقينية ؛ وذلك لضمان تكيفها المتوازن مع المستجدات التقنية والتكنولوجية والأزمات القيمية والأخلاقية حتى لاتتحول – لا قدر الله- من أدوات بناء إلى معاول هدم.
ونحتاج إلى استراتيجية إعلامية لمواجهة الانحراف الفكري والسلوكي لدى الشباب ، وتدركون جميعا التأثير البالغ للرسالة الإعلامية والاتصالية بكافة قنواتها ووسائلها التقليدية والجديدة ، ومحورية الدور الذى تلعبه وسائط التواصل الاجتماعي فى تشويش الوعي وتزييف الواقع ، وخلق هالة خيالية عبر العوالم الافتراضية بفضاءاتها المفتوحة ومنابرها المتعددة ومصادرها المتنوعة ؛ مما يستوجب الارتقاء بمشهدنا الإعلامي لمواكبة هذه الظاهرة وخلق مناعة فكرية عن طريق إنتاج محتويات ومضامين رقمية ؛ تعكس الأصالة والعمق والرصانة وتصون الهوية والخصوصية الحضارية.
إن جدلية الاستقطاب وحدة التجاذب التى يواجهها الشباب ، تتطلب من الجميع المساهمة فى ملإ الفراغ الفكري والوجداني ، والتصدى الحازم لمداخل الغلو والتطرف ، ومنازع الرفض والحقد ومواجهة الميوعة السياسية والخطاب التحريضي السمج ؛ وذلك من خلال البرامج والمقاربات العلمية والمعرفية والاستعانة بأهل الشأن والاختصاص وكل من لهم صلة بقضايا الأمن الفكري ؛ على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة وكل مراكز ومؤسسات ومحاضن الإعلام والتعليم والتربية.
فنحن فى حاجة ماسة وضرورة حاقة إلى تضافر جهود الهيئات الحكوميةوالسياسية ، والفعاليات الثقافية والاجتماعية والمنابر العلمية والأكاديمية والمؤسسات الإعلامية والتربوية ؛ بغية صياغة رؤية موحدة وبلورة مقاربة ناجعة لتحصين شبابنا من الانزلاق فى مهاوى الفشل والفتنة ، من خلال الإقلاع المتدرج والعبور الآمن إلى ضفة التآز والتآخي والمشاركة البناءة فى مستقبل التنمية ؛ عبر منهج التشاور والتحاور والبيان بالحكمة والحجة والبرهان.