كلمة بيرام الداه أعبيد خلال ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مدينة فيمار في ألمانيا
كلمة بيرام الداه أعبيد خلال ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مدينة فيمار في ألمانيا.
أمل وبصيرة
فيمارWeimar (ألمانيا)، يوم 10 دجمبر 2019
أيها المكللون والمكللات بالفوز بجائزة ويمار، أيها العمدة، أيها السادة والسيدات أعضاء المجلس البلدي، السيد رئيس رابطة الدفاع عن الشعوب المهددة، إخوتي مناضلي إيرا-ألمانيا وإيرا- أوربا،
كم أنا متأثر في هذه اللحظات التي أعود فيها مجددا إلى مدينة فيمار، وإلى قادتها، وإلى النشطاء الحقوقيين الألمان الذين دعمونا وشدُّوا أزري قبل عشر سنوات حينما كنت في بداياتي المفروشة بالمزالق في مستهل معركة شرسة وطويلة مع نظام الحكم في بلدي، ومع المجتمع، ومن ثم مع الجسم الأيديولوجي المتمخض عنهما.
المتسيسون، ورجال الدين، والإعلاميون، المتحدون في الشراكة القوية لرأس المال الخاص، جرُّوا الدولة إلى أن تعتمد لمواجهتنا، في الوهلة الأولى، خط استئصالنا بكل الوسائل. لأنه كان عليهم أن يقضوا في المهد على الصورة الرمزية الجديدة للحركة الانعتاقية المناهضة للعنصرية التي أنشأناها للتو.
كان التظاهر حول موضوع الرق يشكل جزءا من المحاذير المُسَيّجة بخط أحمر.
سيداتي، سادتي، بعد أن كرمتموني بجائزتكم سنة 2011، استفدت، بفضلكم، من سلسلة من التكريمات العظيمة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان. ودون الدخول في شموليتها، أذكر جائزة فرونت لاين دفانديرFrontLine Defenders (منظمة مدافعي الخط الأمامي بإيرلندا)، وجائزة الأمم المتحدة للقضايا الإنسانية، وجائزة الخزامىTulipe بهولندا، وجائزة المركز الدولي للنزاعات غير العنيفة في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وجائزة أبطال مكافحة الاتجار بالبشر التي تمنحها الخارجية الأمريكية، وجائزة عيشانا من معهد الانعتاق بشيكاغو في أمريكا، وجائزة ذكريات وتقاسم في بوردو بفرنسا.
وبفضل دعمكم الباكر، أصبحت ضمن الـ 100 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم حسب تصنيف ثيتايم مغازينTheTimeMagazine لسنة 2017، والـ 100 شخصية إفريقية للسنة 2017.
بيد أنني أدين لكم أيضا بالجانب السيّء من القضية، كما لو أنه فدية عن الشهرة، فأنا ورفاقي في إيرا تعرضنا لأكثر من 15 محاكمة منذ تكريمكم لي هنا سنة 2011. كل هذه المتابعات قاسيناها (التوقيف، الحبس، المحاكمة والعقوبات) بسبب الأفكار والنشاطات التي كرمتموني عنها. السجن ثلاث مرات ما بين 2011 و2018 بالنسبة لي وعشر مرات لرفاق دربي الذين عُذب منهم الكثيرون وتعرضوا للجروح والإصابات خلال عمليات القمع الحائد عن الوصف الذي واجهَنا به النظامُ الموريتاني على مدى عقد من الزمن.
وبالرغم من حجم تضحيتنا، فإن حركتنا، لله الحمد، تخرج أكثر حيوية وحنكة، وباختصار تخرج أكثر صرامة بفعل المحن. لهذا، فأنا شخصيا حين ترشحت للانتخابات الرئاسية مرتين (2014/2019)، مُتّكِئاً على برنامج رائد في مجال حقوق الانسان، كنت أمثل، بالرغم من التزوير والضربات الموجعة، الخيار الأول لناخبي المعارضة. هذا ما أكده الشعب في ثلاثة اقتراعات متتالية، خاصة عندما رفعني إلى مرتبة نائب برلماني وأنا قابع في زنزانة من السجن شهر سبتمبر 2018. فيما لم أستعد حريتي قبل يوم 31 دجمبر من ذات السنة.
أيها المدعون، سادتي، سيداتي، إنه لجدير بي أن أحدثكم عن طبيعة التغييرات التي حدثت في هرم الدولة بُعيد الانتخابات الرئاسية شهر يونيو 2019. فرئيس الدولة الجديد، رفيقُ سلفه في السلاح وفي ذات القبضة المتعددة الأشكال، ورث حصيلة من الإفلاس وتباهى بفوز مشكوك فيه. ومن جانبي، قررت أن لا أخوض كثيرا في النزاع الانتخابي في بلد هش جدا، وحيث تكون العدالة في خدمة الأمير المتحكم في الحال.
وفي ضوء المعلومات التي نحوز، فإن الرئيس الجديد قد أطلق مقاربة جديدة، في ما يتعلق بالحكامة الرشيدة، متمثلة في فتح الفضاء الإعلامي العمومي أمام المعارضين، وفي الكلام معهم والاستماع إليهم ولو لمرة واحدة، لاغيا قمع المظاهرات والتجمعات السلمية التي كانت تعد ردة الفعل الطبيعية في عهد سلفه. الأمر هنا يعدّ، بالنسبة لنا، بداية سعيدة، أو، لأقول واعدة. وقد أصررنا على أن نذكر لكم أهميتها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الطمأنينة الاجتماعية والاعتراف، بحكم الواقع، بشرعية محمد ولد الغزواني، فإنه لم يتخذ بعد إجراءات الإصلاح التي يتطلبها إفلاس المؤسسات وانهيار الاقتصاد. فإيرا- موريتانيا، والمنظمات الشبيهة، ما تزال محظورة، وهناك معارضون في المنفى معرّضون لمتابعات قضائية ومذكرات توقيف خارج حدود البلاد.
واليوم لم يزل سرطان الرق يواصل عمله غير الإنساني. فمثال الضحية القاصر، غايه ميغه، يحدثنا عن المسار الجاد وغير الرسمي لمقاومة القضاء على الرق في ظل رئاسة غزواني. يتعلق الأمر بسلك القضاء الموريتاني: وكر التطرف الديني والنهج المحافظ. هؤلاء القضاة، المنحدرون من قطب الهيمنة، يستفيدون من ثقافة التفوق بالمولد التي تبرر إقصاء وتعنيف المنحدرين من الفئات المسترقة.
قضاة الجمهورية الإسلامية الموريتانية هم أهم محرك لرفض مساواة المواطنين، كما أنهم يجسدون العقبة الكأداء أمام تعليم القيّم الكونية. إن القوانين التي بموجبها يدافعون عن مصالح الهيمنة القبلية، هي ذاتها التي تُبقي على رفض الآخر وتعرض المناضلين من أجل الحرية للعنف المقدس وفقا للمادة 306 من قانوننا الجنائي التي تعاقب بالموت مع سد باب التوبة على الردة والتجديف. هذا المجلس القضائي الأدهى من أي مجلس، يستقي ويسقي أجيالا من الشباب من دَلْو كتيّبات، مزعوم أنها من الشرع، تقونن وتشرّع وتمنح الحصانة لممارسة الرق في نسخته المقرفة المناقضة لأبسط أشكال الكرامة الإنسانية. وتعمل معاهد التعليم المذهبي التي تمولها الدولة على سرمدية الكراهية والتقوقع الطائفي والاستعداد الذهني للقيام بأي هجوم.
المسار الآخر المبرهن على استمرار عرقلة كل تقدم حول قضية المساواة بالمولد، يتمثل في الانكار المتحمس والنشط لوكلاء الدولة لكبريات المظالم و منها العبودية. إن النظام، المجبول على الثغرات، يتمكن من اكتتاب وتحريك أبناء وأحفاد العبيد لهذا الغرض. ومما يحز في النفس أن مدة حياتهم المهنية تتقلص مع وعي إخوتهم من نفس الطينة. وإن وزير العدل الجديد، المطاوع لدعاة الرق والمتواطئ مع القضاة، يمثل المثال الأنصع.
وحول سجل التمييز العنصري تجاه الموريتانيين من جنوب الصحراء، الذي انطلق أواسط الثمانينات ولم يزل يتعزز، فإن الضحايا والعدول لم يتلقوا أي إشارة توحي بنشر الحقيقة المتميزة بالانفلات من العقوبة.
كل باقي تمفصلات حقوق الانسان، مثل التعذيب، والمساس المضر بالبيئة، وتزوير الأدوية والشهادات، يبدو أنه يُبلور الجانب المظلم من التسيير الوليد في ظل النظام الجديد. فحول هذه القضايا، الحساسة جدا، يتباطأ الرئيس الجديد في القيام بفعل مقنع. هل لأننا متعجلون! الله وحده يعلم كم من دواع عندنا للتعجل. لقد صبرنا خلال قرون من الأغلال والازدراء. أليست لنا قدرة الشعور بنفاد الصبر وإبدائه؟.. نعم، أعتقد أننا نملك تلك القدرة.
أشكركم.